الثلاثاء 24 سبتمبر 2024
36°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأخيرة

عبدالله الطنطاوي والسائق السنغالي

Time
الأربعاء 17 مايو 2023
View
14
السياسة
محمد الفوزان

ذكر رئيس رابطة أدباء الشام الدكتور عبد الله الطنطاوي قصة طريفة حدثت له في سويسرا، قال: "كنت اتجول مع زميلي الاستاذ محمد في شوارع جنيف، وصديقي رجل عجوز ومريض، قلت له: عندما تشعر بالتعب نأخذ "تاكسي"، ونعود إلى الفندق.
وبعد تجوال ساعة، والاستمتاع ببحيرة جنيف، أحسّ صاحبي بالتعب، أخذنا "تاكسي"، وأعطينا السائق عنوان الفندق، وفيما كنا نتحدث التفت إلينا السائق، وتكلم بكلمتين لم نفهمهما.
- أقول لكم: السلام عليكم.
رددنا السلام، ثم سألناه عن حاله، فقال:
- أنا مثلكم، مسلم من السنغال.
- هل تتكلمون الفرنسية أو الإنكليزية؟
قال له صديقي: نعم...تكلم بالفرنسية.
وانطلق لسانه يتحدث بالفرنسية في طلاقة، والأستاذ محمد يترجم لي، ويجيبه عن تساؤلاته.
وكان مما قال: جيء بي إلى هنا من السنغال، وأنا صبي صغير، وكنت أعرف شيئا من اللغة العربية، لأنني مسلم، ولا تجوز الصلاة إلا باللغة العربية، وإلا فكيف تقرأ الفاتحة؟ كيف نقرأ القرآن؟
سأله صديقي:- هل تحفظ شيئاً من القرآن؟
أجاب: أحفظ بعض السور، منها الكهف، و يوسف، والدخان، وسورة ياسين وسورة الرحمن، والواقعة، وجزء تبارك، وجزء عم، وسورة السجدة، وسورة الإنسان.
وقال: وأحفظ أربعين حديثاً نبويا.
كان يتحدث وهو ملتفت نحونا، وكأنه أحس أننا قلقان من التفاته، فأوقف السيارة ثم قال: ما رأيكما في الذهاب معي إلى البيت؟
- هل تعيش وحدك؟
- بل أنا متزوج من امرأة سويسرية، بيضاء، ولي منها أربعة أبناء: محمد، وأبو بكر، وعمر، وعلي.
- لماذا لم تسمِّ عثمان؟
- لأن اسمي عثمان.
- وامرأتك مسلمة؟
- طبعاً مسلمة، لم أتزوجها إلا بعد أن أسلمت، وهي تصلي، وتحفظ بعض السورة، وتعلم أبناءنا الصلاة، والقرآن، واللغة العربية، وهي محجبة، وتتقيد بتعاليم الإسلام.
- والآن تعمل سائقاً؟
- أعمل كل عمل يدرُّ عليَّ رزقاً حلالاً.
ثم برقت عيناه، ورقصت السعادة في محياه، وهو يقول:
- مهنة السياقة جرَّت عليَّ كلَّ الخير الذي أنا فيه.
- كيف؟
- ذات مرة صعدت فتاة وأمها معي في السيارة، أوصلتهما إلى بيتهما، كانت آخر توصيلة، وعدت إلى بيتي، عندما نزلت من السيارة، لمحت شيئاً يلمع في المقعد الخلفي، كانت محفظة نسائية، فتحتها لأعرف صاحبتها، وإذا فيها سوارا ذهبيا، وعقد من اللؤلؤ، وبعض النقود، ولم يكن فيها ما يدل على صاحبتها.
- فماذا فعلت؟
- عدت بسيارتي إلى المكان الذي نزلتا فيه، ونمت أمام باب العمارة، وفي الساعة السابعة والنصف صباحاً خرجت الأم وابنتها من باب العمارة، وهما ملهوفتان، فأسرعت إليهما، وأعطيتهما المحفظة، واعتذرت عن تأخري في إعادتها، لأنني لم أجد في المحفظة شيئا يدل على صاحبتها، وعمارتكم فيها شقق عدة، ولم أرد إزعاج أصحابها في ذاك الوقت المتأخر من الليل، وقد يسببون لي أذى، فأمثالي من السود متهمون دائماً بالقتل والاغتصاب والسرقة، فنمت في سيارتي أمام العمارة في انتظار خروجكما.
قلت لهما ذلك، والأم تفتش في المحفظة مخافة أن أكون سرقت شيئاً منها، ولمّا وجدت كل شيء فيها، هجمتْ عليّ وقبّلتني، وأنا مندهش من تصرفها، شكرتني كثيراً، ثم دعتني لشرب شيء عندهما، فاعتذرت، أخذت الأم اسمي وهاتفي، وتركتُهما
وانطلقتُ أسعى لكسب رزقي الحلال.
- الله أكبر.. شيء عظيم صنعته.
سأله الأستاذ محمد عن زواجه، وكيف تم؟
- أخذ نفساً عميقاً، والسعادة ملء قسمات وجهه.
وقال: بعد أيام اتصلت بي تلك الفتاة، ودعتني باسمها واسم أمها إلى العشاء عندهما، ورجتني أن ألبي الدعوة، فلبيت الدعوة.
قال: ونحن على العشاء، قالت الأم: سألنا عنك، وعرفنا أن سيرتك سليمة، ولستَ من أصحاب السوابق، ولم ترتكب أي مخالفة تخلّ بالقانون أو الآداب العامة، وعرفنا أنك أعزب وعفيف، وليس لك صلات بالنساء الساقطات.
كانت الأم تتحدث وأنا مستغرب من حديثها
فما لي ولهذا الكلام؟
ماذا تريدان مني حتى تسألا عني؟
ويبدو أنهما أدركتا ما يجول في نفسي
قالت الأم: زوجي مات، وتركني أنا وبنتي هذه، وسوف تتخرج طبيبة هذا العام، وأريد أن أزوجها من شاب عفيف شريف أمين، ونحن سألنا عنك، وأرغب أن أزوجك بُنيّتي هذه.
أفقت من ذهولي، وقلت لها: ماذا تقولين؟
قالت: تشاورنا أنا وجانيت (بنتها) وقلَّبنا الأمر على وجوهه، وقررنا أن نعرض عليك الزواج منها، عندنا بيت، ولا تحتاج إلى شيء، وأنت تعمل بسيارتك، وأنا أصرف على بنتي حتى تنهي دراستها.
سألته: وماذا كان ردك؟
أجاب: قلت لهما: أنا مسلم، وأريد أن تكون أم أولادي مسلمة.
قالت الأم: هناك مسلمون متزوجون من مسيحيات، دينكم يسمح بذلك.
قلت: هذا صحيح، لكني أريد أن تكون أم أولادي مسلمة.
نظرت الأم إلى ابنتها جانيت، ثم قالت: لا بأس، نحن متدينتان ولنا جيران مسلمون، وهم ناس طيبون جداً، ومستقيمون، وعلمنا منهم أن دينكم يعترف بالسيد المسيح نبياً، ويعترف بأمه السيدة مريم، ويعترف بالدين المسيحي، وأن دينكم يأمركم بالاستقامة، وكانوا يسمعوننا القرآن من مسجل عندهم، كان اسم القارئ عبدالباسط، وقد أحببناه وعندنا شريط نسمعه دائماً أنا وبنتي، سوف نفكر في الأمر.
وتواعدنا ان نلتقي في يوم آخر، وفي المحدد المحدد جئت، فقرأت الفرح في عيونهما، وأخبرتاني أنهما مستعدتان للإسلام.
قلت: بقي شرط أخير.
- ما هو؟
- أنا الذي ينفق على فاطمة حتى تنهي دراستها.
سألت جانيت في شيء من خوف: من هي فاطمة؟
قلت: أنتِ منذ الآن فاطمة.
نهضت فاطمة، وهجمتْ عليَّ تريد أن تفعل شيئا، لا أدري ماذا كانت تريد، فأوقفتها وأبعدتها عني.
فقالت والدموع ملء عينيها الخضراوين: أنا منذ الآن مسلمة، واسمي فاطمة، وأنت زوجي وأخي، وأبي، وكل شيء في حياتي.
كان عثمان يتحدث في انفعال، وعندما رفع رأسه كانت دموعه تغسل خديه، ثم قال: عندما تزوجتها كانت في السنة الأخيرة من كلية الطب، وتابعت دراستها وهي الآن طبيبة.
هذه هي حكاية زواجي.
أفلا تذهبان معي لتباركا لي هذا الزواج الذي عمره اثنا عشر عاما، فذهبنا معه ورأينا العجب العجاب من إسلام الطبيبة فاطمة وأمها!
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم".

إمام وخطيب
[email protected]
آخر الأخبار