منوعات
عبدالله النديم خطيب الثورة العرابية الساخر
السبت 02 مايو 2020
10
السياسة
إعداد – نسرين قاسم:يحكي عبد الله النديم أنه قابل رئيس النظار(الوزراء)، رياض باشا ذات يوم فطلب منه الإذن لكي يصدر جريدته، وكتب عن ذلك"اجتمعت برياض باشا في مصر، وقد اضمر لي الأضر فنافقته ونافقني، وجاذبته الحديث فوافقني، حتى أخذت منه إذنا بجريدة التنكيت وما أردت إلا التبكيت، وقصدت أن تكون لساني ليكون لي في كل بلد محافل خطابية"، وقد كان له ما أراد من هذا اللقاء وظفر بما سعى إليه بإصدار جريدة"التنكيت والتبكيت". وبالفعل صدر العدد الأول منها فى الإسكندرية في 6 يونيو، وكانت أول صحيفة هزلية تستخدم الاسلوب الساخر البسيط في التعبير عن الأوضاع الاجتماعية والسياسية في البلاد.وعن جريدته، قال النديم:" لا تظن مضحكاتها هزءًا بنا ولا سخرية بأعمالنا، فما هي إلا نفثات مصدور وزفرات يصعدها مقابلة حاضرنا بماضينا".ولد عبد الله بن مصباح بن إبراهيم الإدريسى، الشهير بعبد الله النديم عام 1261هـ، 1845 م بمدينة الإسكندرية لأب بسيط يعمل في إحدى المهن الحرفية، ويمتد نسبه إلى الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب، أتم حفظ القرآن الكريم في سن مبكر في التاسعة من عمره، ولوحظ عنه منذ صغره ذكاؤه وفطنته وعلو همته ونبوغه الذي يفوق أقرانه بمراحل كثيرة.يُعد عبد الله النديم، رائد فن الصحافة الساخرة في العصر الحديث، فهو أول من اتجه للكتابة الهزلية الساخرة في مواجهة المحتل، وهذا الأسلوب لاقى شعبية كبيرة لدى العامة؛ وقد جعل اتجاهه لهذا النمط الساخر البسيط في الكتابة،البسطاء يتهافتون لقراءة مقالاته وكتاباته، كما كان هذا النمط الجديد من الكتابة في هذا التوقيت هو سلاح "النديم" في مواجهة الظلم سواء من الخديوي أو الاحتلال الإنكليزي.و قد بدأ حياته المهنية بالتدريس لبعض الوقت، فكان مدرسًا من طراز مختلف، حيث أقام مع تلاميذه فرقة مسرحية وقام فيها بدور المؤلف والمخرج، ولم يكتف بذلك؛ بل شاركهم التمثيل، أيضًا كان يقوم بكتابة مقالات في جريدتي "المحروسة"، و"العصر الجديد"، حتى أصدر "التنكيت والتبكيت" التي اعتمدت على الكتابة بالأسلوب الهزلي الساخر لمناقشة وعلاج مشكلات المجتمع.كان "النديم" شغوفًا بالعلم والكتابة، تستهويه مجالس الأدب ودكاكين الشعراء والمثقفين، كما كان دائم البحث عن الأدباء والمثقفين ليتعلم ويغترف منهم؛ فكانت الحياة والشارع هي بمثابة المعلم الأول للنديم، وأصبح من رواد المنتديات والمقاهي والمجالس الأدبية التي كانت تعقد في بيوت الأثرياء، وسمع الأمثال والحكايات من شعراء الربابة ونوادر الظرفاء وأخذ منها ما يشبع رغبته وهواياته. يذكر أنه عندما سمع عن الشيخ جمال الدين الأفغاني سارع في حضور مجلسه واستهوته أفكاره الجريئة وكتابته الرقيقة وكان من أوائل الحاضرين في مجلسه دائمًا وكان من أشد معجبيه واعتبره "الأفغاني" من أنبغ تلامذته، وتنبأ له بأنه سيكون "الرجل المؤثر في عواطف الجماهير"، وهو بالفعل ما كان، كما تعلم "النديم" من "الأفغاني" حرية البحث والنقد والجرأة في الدفاع عن الحق والوطن، كما تشبع منه مبادئ الوطنية. شارك النديم مع أحمد عرابي في جهاده ضد ظلم الخديوي ووقف بجانبه ضد الاحتلال واتخذ من جريدة "التبكيت والتنكيت" الأداة الإعلامية لنشر مبادئ الثورة، ولهذا سُمي بـ"خطيب الثورة العرابية". وعندما فشلت الثورة وصدر الحكم على "عرابي" بالنفي، حُكم أيضًا على "النديم" بالسجن، وصار مشردًا لبضع سنوات مطاردًا حتى قُبض عليه وحكم عليه بالنفي خارج البلاد، واختار فلسطين للعيش بها، ثم سافر إلى الأستانة وأقام فيها حتى وفاته رغم صدور حكم بالعفو عنه من الخديوي وعودته إلى مصر، ولكن يقال إن من كان في الأستانة من أعداء "النديم" لم يسمحوا له بالعودة مرة أخرى، فظل بها حتى وافته المنية.كان "النديم" منمقًا في كتابته مبدعًا فيها يسير بخطى مدروسة ومعلومة لديه، حاول أن يعلمها لتلاميذه، فكانت دعوة لهم بأن يوافوه بمقالاتهم على النمط الذي انتهجه هو لجريدته لينشرها، فقال: "كونوا معي في المشرب الذي التزمته، والمذهب الذي انتحلته أفكارًا تخيلية وفوائد تاريخية وأمثال أدبية وتبكيت ينادي بقبح الجهالة وذم الخرافات". كما عُرف عن "النديم" عدم اهتمامه بفن الإخراج الصحافي مثله كمثل الكثيرين من صحفيي ذلك العصر، ولم يراع فن التبويب وإخراج الصفحات، لذلك كانت الصحيفة عبارة عن صفحات مكتوبة لا يفصل الموضوع عن الخبر إلا عنوان الموضع التالي.