القاهرة- السيد حسين:في بداية الحوار سألت الروائي اليمني علي المقري: هل وجدت لون إبداعك الأدبي أم انك تتأرجح بين الشعر والرواية؟ فأكد أنه لا يعرف في الحقيقة. وقال: ما أعرفه أنني لم أكتب سوى نصوص شعرية قليلة جداً خلال العشر السنوات الأخيرة، وكرّست كل وقتي للكتابة السردية. هناك حساسية في الوسط الثقافي العربي حول تعدد كتابة الأشكال الأدبية من قبل كاتب واحد، فيما هناك أدباء في مختلف أنحاء العالم يكتبون في الوقت نفسه الشعر والرواية، بل ويغنون، أيضاً، ويمثلون في المسرح والسينما ويرسمون.هذه تفاصيل الحوار:كيف ترى المشهد الثقافي والأدبي اليمني؟لا يختلف المشهد الثقافي والأدبي اليمني عن حال المشهد العربي، فهناك تفكك وتشظ هائل بعد سنوات من القمع والتسلط. وأظن أنها مرحلة مخاض عسيرة ستولد صورها المستقبلية مهما حاول البعض أن يعيق حدوثه.ماذا عن دور المؤسسات الثقافية في اليمن، هل تقوم برعاية المبدع أم أنها أصبحت بيئة طاردة للإبداع والمبدعين؟لم يعد بالإمكان الحديث عن مؤسسات ثقافية في اليمن في الوقت الذي تنهار الأشكال المهترئة لمقومات الدولة في ظل حرب تسود فيها الميليشيات وبقايا النظام الاستبدادي.هل زمنك في الشعر أم زمنك في الرواية؟لم ابحث في يوم ما بمفاضلة أو مقارنة كهذي. هناك شعراء ما زالوا يكتبون نصوصهم في مختلف أنحاء العالم، إذ هناك تجارب شعرية مهمة تتخلق بشكل وأداء مختلفين،كأن يصاحبها الأداء المسرحي أو السينمائي أو التشكيلي. مع أن الملاحظ أن الأعمال السردية صارت أكثرانتشاراً، وهو ما لا يتفق مع مفهوم السرعة في العصر الحديث، فالنص الشعري أكثر تكثيفا واختزالا إلا أن القارئ مازال يبحث عن نص يفكك له جوانب من حياته ويفصّلها.هل أصبحت المعاناة أزمة ملازمة تصاحب المبدع اليمني؟الأحوال المعيشية في أجواء الحرب تؤثر كثيرا في حال الكاتب اليمني وتكاد تخنق تطلعاته للكتابة والإنجاز.هل تصنف نفسك كاتبا ضد السلطة؟ وهل تتعمد إثارت الجدل ورجال الدين والمحافظين بأعمالك؟للسلطة تشكلات عدة، فمنها السلطة السياسية في الحكم وسلطة الهيئات الحزبية والاجتماعية وسلطة المؤسسات الدينية والثقافية وحتى سلطة العائلة، وقد حاولت باستمرار أن أبقى على بعد مسافة من كل السلطات. والكتابة عندي تبحث في إشكاليات ومحن إنسانية وليست مجرد إثارات صحافية أو افتعال ضجيج مؤقت.جدللماذا أثارت روايتك "حُرْمَة" كل هذا الجدل؟أظن أن الإشكالية تكمن في القراءة، فالسلطات القمعية العربية أوجدت مجتمعاً محافظاً يجهل كل إرثه الأدبي وينعزل عن كل ما ينتج في العالم. ولهذا تعتقد هذه القراءات أن ما كتبته يعتبر خروجاً عن تقاليد لابد من التقيد بها.هل يمككنا الحديث عن حدود في الإبداع؟ العالم العربي ليس لديه تابوهات ثلاث فقط، بل فيه العشرات من التابوهات، وليس مهمة الرواية كما يبدو لي أن تتحول إلى خطاب أيديولوجي تصارع هذه المسلمات القيمية والثقافية، وإنما تنشغل بهواجسها الفنية في قراءة الأشياء والعالم من زاويتها الخاصة.الرواية تنحدث عن الجماعات المتطرفة، وتلقي الضوء على تناقضات المجتمع اليمني،هل كانت تتنبأ بما يحدث باليمن؟لست مع القول بأن العمل الفني يتنبأ أو يتوقع. نحن في حال إعادة لكل الإشكاليات التي قد تمت من قبل في مجتمعات مختلفة. نحن بحاجة إلى أن نرمم الماضي ونستكشفه قبل أن نتنبأ بما سيحصل في المستقبل.شخصيات الرواية عبد الرقيب، نورا، فالنتينا، لولا، سهيل، أبوعبدالله، أنديرا، والوالد، وأستاذ الجامعة كم اقتربت من الواقع؟لا أظن أن معيار فنية أي رواية هو اقترابها من الواقع.هل تروي الواقع اليمني بعين المثقف والكاتب؟لا أظن أنها على هذا النحو من القراءة التبسيطية.هل يجد الروائي المنتمي إلى مشهد متعدد العرقيات والمذاهب صعوبة في أن يكتب ما يعتبره حقيقة روائية؟الروائي المنتمي يعبر عن خطاب أيديولوجي، ولهذا هو يبتعد عن اشتغالات السرد المفتوحة، ولا أظن أن هناك ما يسمى بـ "حقيقة روائية" كما قلت، فالرواية، كما تبدو لي، لا تتوافق مع مفهوم الحقيقة المطلقة أو الحق.لماذا قدمت في رواية "بخورعدني" صورة أفضل للمجتمع اليمني من حيث التنوع الثقافي وغيرها؟لا أظن أن هناك صورة أفضل أو اسوأ في الرواية، هناك صورة تحاول أن تقترب من المشهد الخاص بالإشكالية المسرودة.يرى البعض أن رواية "بخورعدني" تتويج سردي حول موضوع تعددية القوميات والأعراف والأديان وامكانية التعايش فيما بينها، ما رأيك؟
أقدر كل الآراء، لكن لا أظن أن هناك نهائية أو تتويجا لأي إشكالية فالبحث السردي سيبقى في محاولاته تفهم هذا العالم.صدر "طعم أسود... رائحة سوداء"، رواية "اليهودي الحالي"، وغيرها من الأعمال،كيف ترى تلك الرحلة؟هو اختيار لحياة وجدت نفسي فيها.يرى البعض أن الكثير من أعمالك الروائية تعتمد على الرواية التاريخية فهل هذا أفادك؟لم يعد هناك رواية تاريخية بالمفهوم المتعارف عليه في الأدبيات النقدية العربية. ولم أتعامل في رواياتي مع التاريخ سوى في بضع صفحات عدت إليها لدراسة إشكالية ما، هي ضمن سياق اشتغالي السردي. وأنا لا أكتب رواية تاريخية وإن احـــتوت كتاباتي بعض الإشــارات إلى أحداث وأزمنة. التاريخ بالنســــبة لي محنة إنسانية وأتعامل مع أحداثه من زاوية أدبية تختبر الجوانب الاستثنائية أو غير المكتشفة فيه.هل أثرت ثورات الربيع العربي على النتاج الإبداعي،وهل يقوم المثقف اليمني عموما بالدور المنوط به؟ليس بالضرورة أن يعبر الأدباء عن التحولات، فليس من المهم أن يكونوا جزءا من الخطاب السياسي ليعبروا عنه. وحال اليمن جاء بعد ثلاثة عقود من ضغط النظام الديكتاتوري الذي استحوذ على السلطة والثروة وقمع كل رأي مختلف معه. هناك محاولة من بقايا هذا النظام وتحالفاته للعودة إلى السلطة، بأي شكل كان، وهو ما يرفضه أغلب الناس الذين رأوا في ما يسمي الربيع العربي فاتحة أمل لحياة مختلفة. أما عن المثقف ودوره فعلينا، كما يبدو لي، أن نفرق بين مصطلحي الأديب والمثقف. فالأول لا قوة له في أحوال كهذي سوى القيام بدور الشاهد الصامت قد يبوح بشهادته فنياً في يوم ما، والأمر يعود إلى حساسيته الخاصة تجاه الأحداث حوله، وإذا لم تكن الحروب قد هشمت ذاكرته وتماسكه النفسي. أما بالنسبة للمثقفين، فالجميع يمكنهم أن يحملوا هذه الصفة. فمجرمو الحروب والقتلة ورجال السلطة هم أيضاً من المثقفين، ويمارسون ثقافتهم في هذا المجال باحترافية عالية.استبداد السلطةهناك من يرى أن ثورات الربيع العربي كشفت فشل النخبة المثقفة وتراجعها عن أداء دورها. ما رأيك؟بل كشفت ثورات الربيع العربي عن عجز السلطات العربية الاستبدادية وفشلها في استمرارية بقائها في السلطة التي احتكرتها كما احتكرت الثروات والحق في التعبير.هل ترى أن الحريات العربية مازالت تعاني من القيود؟السلطات العربية بمشاريعها التجهيلية والتسلطية تركت كل فرد عربي يمشي ومعه قيده الخاص الذي يتحكم فيه ويسيّر حركته.هل يمكن أن تنتج الرواية بطلا يحمل انتصارا أو يبشر على أقل تقدير بمستقبل أفضل؟لم يعد من مهمة الرواية صنع الأبطال أو التبشير بهم. قد تقرأ الرواية، من بين قراءتها، العتمة أكثر من قراءتها للضوء المزيف.هل الكتابة تمرد؟الكتابة حياة، كما أظنها.لك حكاية طويلة ومؤسفة مع الرقيب واليمن بشكل خاص هل تعتقد أن مشروعك الروائي لا يمكن أن ينمو ويترعرع ويستوي على عوده إلا في سياق من الحرية والديمقراطية؟في كثير من الأحيان تبدو الكتابة مشوهة إذا أنتجت في واقع قمعي وتسلطي، مع هذا هناك اجتهادات فردية لتجاوز ذلك.ما دور الرقيب الذاتي داخل الكاتب العربي في تحجيم حرية الإبداع لديه؟لا يمكن للكاتب أن يكون كاتبا مع وجود رقيب ذاتي، فهذا الرقيب أسوأ من الرقيب الخارجي.ترجمت العديد من أعمالك للغات عدة كيف تري دور الترجمة في نشر الثقافة العربية والأدب العربي وصداها لدى القارئ الأجنبي؟بالتأكيد للترجمة، إذا كانت متقنة، أهمية في توصيل طرق سردية من ثقافات مختلفة. ولا أفرق بين قارئ وآخر، ولا أحبذ عبارة القارئ الأجنبي، ففي فعل قراءة الأدب، كما في فعل الكتابة، الناس سواء.القراءة تأتي لاحقاً، وقد نُشرت الكثير من الكتابات الصحافية حول هذه الكتب المترجمة. وبالنسبة لي استحضر دائما قول وليم فوكنر إن الفنان الجيد يعتقد أن لا أحد جيد بشكل كاف حتى يقدم له الرأي حول عمله.كيف ترى الفروق بين الجوائز العربية والغربية؟وهل يمكننا اعتبار الجوائز معيارا حقيقيا وصادقا يؤشر للأعمال الجيدة؟الجوائز قد تحفز البعض لمواصلة الكتابة إذا ساعدته من الناحية المادية، مهما كانت مصادرها.القارئ لروايتك "اليهودي الحالي" يجد أن العنوان لا يعبر عن مضمونها الذي يعيد القارئ إلى قرون مضت، ما سر التسمية؟أظن أن العنوان قابل للقراءة من زوايا مختلفة، حسب ما يريد القارئ. طبعاً مع الأخذ بالاعتبار أن فاطمة كانت تنادي سالم اليهودي بـالحالي، وتعني به المليح.تطرقت في رواية "اليهودي الحالي" إلى صراع الآباء المسلمين واليهود وغرام الأبناء، ما الرسالة التي تريد إرسالها من هذه الجدلية؟لا أظن أنني قصدت أن أحمل رسالة ما، لقد حاولت أن أختبر هذا الصراع المرير والطويل عبر محن إنسانية. ولا أظن أنني قدمت حلولاً لهذا الصراع أو أجوبة لأسئلته. لو كنت أملك أجوبة لما كتبت الرواية واكتفيت بتقديم مقالة إرشادية أو نحو ذلك فقط.ما أهمية أن يكون لدى الكاتب مشروع يعمل على تحقيقه؟لكل شخص طريقته في إيجاد مشروعه وتحققه أو إنهائه وعدم مواصلته.