الخميس 19 يونيو 2025
34°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الدولية

عنوسة الإيرانيات تدفعهن إلى خطبة الأموات

Time
الثلاثاء 31 ديسمبر 2019
View
5
السياسة
* رئيسة "البسيج" النسائي: الفتيات اللائي أعلن خطبتهن للشهداء واهمات ومضطربات نفسياً
* عشرات الفتيات ينشرن صوراً وتفاصيل عن معشوقيهنّ من الشهداء عبر وسائل التواصل
* مغردون: "خِطبة الشهداء" أفكار منحرفة تضع هؤلاء الأبرار في موضع السخرية والتهكم
* معارضون للنظام: إيران تتحول إلى مستشفى ضخم للأمراض النفسية يضم ملايين المرضى

د.إبراهيم سعد عبد العزيز

انتشرت خلال الأشهر الماضية على وسائل التواصل الاجتماعي منشورات لفتيات إيرانيات، معظمهن أعضاء في ميليشيا قوات التعبئة الشعبية "البسيج" التابعة للحرس الثوري، وهنّ يعلن خطبة أنفسهن لجنود إيرانيين قُتلوا إبّان الحرب العراقية الإيرانية (1980 – 1988)، وكذا في العمليات العسكرية التي نفذتها قوات إيرانية في سورية والعراق خلال السنوات القليلة الفارطة، وقد أثارت هذه المنشورات جدلًا محمومًا على المنصات الاجتماعية الإيرانية بين متعاطف ومستنكر.
بدأ النقاش حول هذه الظاهرة عقب تغريدة بدت غريبة للصحافي بهنام قلي پور رئيس تحرير موقع "ديكربان" المعارض- قال فيها: "منذ سنوات طِوال نرى فتيات حزب الله" [يقصد الفتيات الإيرانيات المحافظات والمواليات للنظام] يحرصن على زيارة مقابر الشهداء في جبانة "بهشت زهرا – جنة الزهراء" جنوبي طهران، وتختار كل فتاة شهيدًا لتتخذه صديقًا ولترتبط به "ارتباطًا سماويًّا".
ولم تكد تنتشر تغريدة "قلي پور" حتى تواترت على منصّات التواصل الاجتماعي منشورات تظهر صدق ما زعم؛ حيث نشرت فتاة إيرانية في حسابها على "تويتر" صورة لجندي إيراني وصفته بـ "شهيدي"، وغرّدت سائلة: "هل من فتيات أخريات ارتبطن بـ"صداقة" مع الشهداء؟"، ثم دعتهُنّ لمشاركة صور "الأصدقاء الشهداء" على منصات التواصل، وتفاعلاً مع هذه التغريدة، نشرت عشرات الفتيات صورًا وتفاصيل عن معشوقيهنّ من الشهداء.
ونشر مغرّد يدعى"مهران محمدي" -يُعرّف نفسه بأنه "ناشط سياسي، يقيم في أصفهان- تغريدة أقرب إلى روايات اللا معقول، تحدث فيها عن لقاء جمعه بطريق الصدفة مع فتاة عند قبر جندي يُدعى "مسعود" في مقبرة "جلستان"، وعندما سأل الفتاة عن قرابتها للجندي الشهيد، أجابته قائلة إنها خطيبته، فذُهل من ردها وقال إن هذا الجندي تحديدًا لم يكن مرتبطا بأي فتاة قبل موته، فقالت له إنها تنتمي إلى مجموعة من فتيات “البسيج” اللائي يختطبن للشهداء ويرتبطن بهم بـ "رابطة روحية".
وقد أثارت هذه الشهادات، وتلك التغريدات ردود فعل عاصفة على الشبكات الاجتماعية؛ حيث عبّر معظم المتابعين عن صدمتهم وذهولهم من هذه الظاهرة الغريبة، لدرجة أن بعضهم شكّك في موثوقية تلك المنشورات، بينما وصف كثير من المتابعين أولاء الفتيات اللواتي يخطبن أنفسهنّ للشهداء بأنهن، مختلات عقليا، ويعانين من أمراض "اشتهاء الموتى – Necrophilia" و"اقتناء جمادات للإشباع الجنسي – Fetishism" وغيرها من حالات الشذوذ النفسي.
وعلق آخرون بردود تسخر من هؤلاء الفتيات، متسائلين عما اذا كان واردًا أن يحْمَلْن من،أحبائهن الموتى. فيما تساءل أحد المغردين مازحًا، عما إذا كان يستطيع بوصفه رجلا مسلما أن يتزوج بأربع نساء شهيدات ويحصل على الدعم المالي من "صندوق الشهيد الإيراني" الذي يقدم العون لأسر ضحايا الحرب.

تقدير وتحفظ
المغردون الذين تعاطفوا مع أولئك الفتيات وقدّروا مشاعرهن تجاه الشهداء، أعربوا في الوقت نفسه عن تحفظهم الشديد على طريقة تعبيرهنّ عن تلك المشاعر، قائلين إن تصرفات هؤلاء الفتيات تنال من هيبة الشهداء وعظيم مكانتهم في النفوس، هذا فضلا عن تعارضها مع مبادئ الإسلام وأحكامه، بينما قال أحد المغردين إن تخليد ذكرى الشهداء له وسائل عدة أفضل كثيرا مما فعلته أولئك الفتيات، فهن بما فعلن قد استهزأن بذكرى الشهداء وجعلنها مثارا للسخرية.

أزمة أخلاقية
على الجانب الآخر، رأى متابعون محسوبون على تيارات المعارضة الإيرانية أن هذه الظاهرة اللا مسبوقة تكشف عما تعانيه الجمهورية الإسلامية والموالين لنظامها الحاكم من عمق الأزمة الأخلاقية وفداحة المأزق القيمي في ظل حكم ثلة من رجال الدين الراديكاليين، ففي تعقيب لأحد المغردين قال: "إن ما نراه الآن ليس سوى نتيجة منطقية لسياسات الجمهورية الإسلامية التي تنشر ثقافة "عشق الموت" على حساب ملايين الأحياء"، فيما تحسّر مغرد آخر على الحال التي آلت إليها إيران قائلا: "إن البلاد تتحول بمرور الوقت إلى مستشفى ضخم للأمراض النفسية تضم عشرات الملايين من المرضى".
وشبّه عدد من المغردين هذه الظاهرة المتشنجة بظاهرة "جهاد النكاح" المنسوبة إلى مقاتلي تنظيم الدولة "داعش" حين أجبروا النساء اللاتي أسروهن على الخضوع لشهواتهم الجنسية.
وفي سياق الرد على نشرِ فتيات “البسيچ” صورَ خُطَّابهن من شهداء الحروب، نشر عدد من المغردين صورا لعشرات الضحايا المدنيين الذين سقطوا في اشتباكات مع قوات الأمن الإيرانية لا سيما في أثناء الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي شهدتها البلاد صيف عام 2009 في إطار ما عُرف بـ"الثورة الخضراء". ومن بين الصور التي انتشر على نطاق واسع صورة الشابة "ندا سلطان" التي قُتلت برصاص قوات الأمن وأصبحت منذ ذلك الحين أحد أبرز أيقونات الحراك المعارض.
بتلك الطريقة عبر هؤلاء المغردون عن رأيهم بأن ضحايا القمع السياسي للنظام الإيراني يستحقون أن يعترف بهم المجتمع والسلطة شهداءً.
على الصعيد الرسمي، دفع الصخب المجتمعي حول هذه الظاهرة بعض الممثلين الرسميين للنظام للتعليق عليها؛ حيث صرّحت مينو أصلاني رئيسة "البسيج" النسائي في مقابلة مع وكالة "إيلنا" للأنباء أنها لا تعرف شخصيًّا أي فتاة فعلت هذا الأمر، ولكنها أعربت عن شجبها الكامل لهذه الظاهرة، ووصفت "أصلاني" الفتيات اللائي أعلن خطبتهن للشهداء بأنهن واهمات ومضطربات نفسيا بما يحتم عليهن مراجعة الطبيب، وأكدت أن ثقافة احترام الشهداء أمر محمود ومرغوب، لكن المذموم والمرذول فعلا هو تطوير الاحترام إلى عشق وخِطبة.

جرح للكرامة
بينما عبرت "زهراء ساعي" النائبة في مجلس الشورى الإسلامي عن رفضها لهذه الظاهرة واصفة إياها بـ "الخطيرة"، ودعت السلطات إلى سرعة التصدي لها، مشيرةً إلى أنه من العبث والسُّخف أن تُقْدِم فتاة حية على خطبة نفسها لشخص ميت، وأنها بوصفها واحدة من عائلات الشهداء ترى في هذه الظاهرة جرحًا لكرامة من بذلوا أنفسهم دفاعًا عن الوطن ومصالحه.
وأضافت "ساعي" في تصريحاتها لوكالة "إسنا" للأنباء: "أن ثقافة الشهادة أمر مقدس ومنصوص عليه في ديننا الحنيف، ولكن الترويج لأفكار منحرفة من قبيل "خِطبة الشهداء" من شأنه أن يضع شهداءنا الأبرار في موضع السخرية والتهكم".
وعلى الرغم من أن ظاهرة "خطبة الشهداء" تبدو محدودة، إلا أن الأصداء التي ترددت حولها على المنصات الاجتماعية تدل دلالة واضحة على فرط الحساسية إزاء قضية الشهداء، سواء من جانب النظام الذي لا يألو جهدا في تخليد ذكراهم، أو من جانب عامة الناس.
وقد استثمر النظام هذه الحساسية التي تكشفت في الخطاب العام لتعزيز ثقافة الاستشهاد رغبةً منه في تعبئة الجماهير ولملمة شتاتهم حول القيم الوطنية الجامعة، وهكذا فإن هذه الظاهرة أكدت من جديد أن الشبكات الاجتماعية هي الأرض الخصيبة التي تنمو فيها جميع الظواهر المجتمعية الغريبة التي تفضح قيم النظام وتكشف عورته.
وختاما أعتقد أن هذه الظاهرة الإيرانية الخالصة "Made in Iran" ليست سوى عرض جانبي لبعض الأمراض الاجتماعية المتفشية في إيران والتي يأتي في مقدمتها ارتفاع نسب تأخر الزواج والعنوسة إلى حدود غير مسبوقة، وقد ناقش بعض الباحثين هذه القضية في دراسات مستقلة، وليس بالإمكان في هذا السياق إغفال أمراض اقتصادية وفكرية مثل الفقر وتدني الأوضاع الاقتصادية، والانسياق الأعمى خلف المراجع الدينية.

كلية الآداب ـ مصر
آخر الأخبار