

عودة اليهود إلى "بيروبيدجان"
قصص إسلامية
تأسست جمهورية "بيروبيدجان" أو "أراضي الحكم الذاتي اليهودية" في 7 مايو عام 1934، وتعد أول دولة يهودية في العالم، توافد إليها اليهود من شتى بقاع الأرض وتجمعوا فيها، وكان قد أعطاها السوفيات لهم كحل قومي لمشكلتهم.
وعقب ارتفاع موجة العداء لليهود في عموم أوروبا، وبخاصة ألمانيا، جعل الحكومة السوفياتية، ومع تردي أوضاعها الاقتصادية إلى استقطاب اليهود من أجل دعم اقتصادها عبر استقبالهم، ومنح أرضية لهم.
في 28 مارس 1928 أعلنت رئاسة اللجنة التنفيذية المركزية للاتحاد السوفياتي منطقة بيروبيدجان "منطقة قومية يهودية" مفتوحة للاستيطان، وسرعان ما وصل إليها أول المستوطنين في أبريل من العام ذاته، وجرى تأسيس مزارع جماعية لهم، وتم الاعتراف بـ"اليديشية" لغة رسمية في الإقليم، وكان سكان بيروبيجان ينالون الجنسية الروسية.
هذه الحقيقة التاريخية تحاول إسرائيل والصهيونية العالمية إخفاءها، وثمة الكثير من الناس، وبسبب من التعتيم الصهيوني الإعلامي الموجّه والمنظم، لا يعرفون أن هناك أكثر من وطن بديل لليهود في العالم، فرضته الحقائق التاريخية التي تؤكد أن الذين استقدموا إلى فلسطين ليغتصبوا أرضها، ويبنوا دولتهم المزعومة، هم ثلة من الناس تحكّمت بهم الدعاية الصهيونية واقتلعتهم من بلدانهم الأصلية، التي كانوا يعيشون فيها كبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وبولونيا، وروسيا، والولايات المتحدة وغيرها من الدول، ليحلوا محل الشعب العربي الفلسطيني بعد تشريده من دياره وأراضيه، في أكبر جريمة تهجير جماعي، وتغيير ديموغرافي.
لعلّ أبرز هذه المحاولات التي حاربتها إسرائيل وعتمت عليها ما كشفته الليدي البريطانية ميشيل رينوف من أن جمهورية اليهود واسمها "أوبلاست" المعروفة أكثر باسم عاصمتها"بيروبيدجان" هي الوطن البديل، فيما لو أراد ساسة الكيان الصهيوني حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً، وشاملاً.
وترى البريطانية رينوف التي تحمل لقباً شرفياً هو "ليدي" أن هناك حلاً لم يحظَ بالاهتمام الواجب، ويتمثل بعودة اليهود إلى وطنهم الأول الذي يقع في جنوب شرق روسيا، ولا تعلم بأمره الغالبية العظمى في العالم، لأن الكيان الصهيوني لا يسرّه ذلك بطبيعة الحال.
وتقول: إن هذه الجمهورية تمثل الوطن الأول لليهود في العالم، وقد ظلت كذلك إلى أن ظهرت فكرة توطين اليهود في فلسطين، ونجح الصهاينة في تحقيقها، فصرفت الأنظار عن جمهورية اليهود الأولى التي تأسّست سلميا، ومن دون حاجة لاغتصاب أرض من سكانها الأصليين.
ولا تدع الليدي رينوف فرصة تمرّ من دون محاولة نشر الفكرة المتكتم عليها إعلامياً، وقد ألقت العديد من الكلمات والمداخلات حول ذلك في محافل عدة، كانت إحداها تحت قبة البرلمان البريطاني.
والحل باختصار، كما تراه الليدي رينوف، يتمثل بعودة آمنة لليهود من إسرائيل إلى جمهورية بيروبيدجان حيث من الممكن لهم أن يعيشوا بأمان وسلام، ومن دون أي معاداة لساميتهم، وأن ينعموا بأجواء الثقافة اليهودية السائدة بقوة هناك، وأن يتحدثوا اليديشية كما يريدون، على أن يتركوا أرض فلسطين لسكانها الأصليين.
وتؤكد رينوف أن الثقافة السائدة في بيروبيدجان، ومساحتها التي تعادل مساحة سويسرا تسمح بهذا الحل العادل وإنهاء مأساة الفلسطينيين، المشردين في أصقاع الأرض، حيث الكثافة السكانية فيها 14 نسمة في الميل المربع الواحد مقابل 945 في الميل المربع في الكيان الصهيوني (إسرائيل) و1728 في الميل المربع في الأراضي الفلسطينية.
وتؤكد رينوف أن بيروبيدجان تأسّست بدعمٍ وتشجيع من يهود أميركا أنفسهم، ممثلين في هيئة كانت تضم في عضويتها عالم الفيزياء اليهودي المعروف آينيشتاين، والكاتب الأميركي اليهودي المعروف غولدبيرغ.
وتعتبر رينوف أن اليهود الصهاينة كذبوا عندما زعموا إبان الحرب العالمية الثانية أنهم بأمسّ الحاجة إلى أرض فلسطين كوطن لهم، حيث لم تكن هناك حاجة لتشريد الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم، فخيار الانتقال لتلك الجمهورية كان متاحاً أمامهم، لكنهم فضّلوا فلسطين لأنهم كانوا يطمعون بالسيطرة على القدس.
لا نحتاج إلى مبادرات السلام الكثيرة المتعددة خلال 75سنة والتي ترسخ الظلم، والعنصرية، وتسلب أهل الأرض الفلسطينيين وطنهم، وتصادر أراضيهم، وتهدم بيوتهم، وتحرق مزارعهم، وتقتل أطفالهم وشبابهم، وتعطي شرعية للمحتل الغاصب القاتل، وتدين الضحية.
اليوم تواجه الإنسانية أسوأ كوارثها على الإطلاق، إذ يستهدف الكيان الصهيوني قتل المدنيين من النساء الأطفال في منازلهم وداخل المستشفيات والمدارس.
هذا يحدث باستمرار منذ 75 سنة على الطريقة النازية البشعة، وبمباركة الغرب المنافق، الذي يكيل بمكيالين، رغم أن المعاهدات والتشريعات الدولية تعطي الحق للشعوب المحتلة إن تقاوم المحتل، بأي طريقة كانت لإخراجه من أرضها واستعادة وطنها.
إننا نواجه مستويات عالية من النفاق، وأملنا بالله كبير أن يكشف عنّا الغمّة، ويرفع البلاء، والابتلاء عن أهل غزة والفلسطينيين وأن يحقن دماءهم، ويتقبل شهداءهم، ويشفي جرحاهم، ويوحد صفوفهم، ويهزم عدوهم، وينصرهم نصراً مؤزرا.
قال تعالى: "إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِين وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِين".
ويقول تعالى:"وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا".
محمد الفوزان