كتب - فالح العنزي:
تجربة الإنتاج المسرحي لم تعد سهلة ومن يقدم عليها يجب أن يتمتع بقلب شجاع، لكنها في الوقت ذاته تظل طريق مشروعة لكل من يفكر في خطوة نحو الأمام ويرى في نفسه القدرة على المنافسة بقوة، هذا ما فعلته كل من الفنانتين هيا الشعيبي وإلهام الفضالة في الشراكة الأولى بينهما من خلال باكورة انتاجهما المسرحي "عودة ريا وسكينة" من تأليف هيونة وإخراج ثامر الشعيبي وشارك في بطولتها مجموعة من الممثلين في مقدمتهم داود حسين، خالد البريكي، بدرية طلبة، عبدالله الحمادي، ثامر الشعيبي وغيرهم. في طريقي للمسرحية كنت مترددا فيما سأرى هل هي تجربة مسرحية متكاملة وناضجة أم لا، كان هذا الإحساس منبعه أمور عدة في مقدمتها أنها تجربة إنتاج أولى وربما تواجه فيها هيا وإلهام مشكلات انتاجية لأن المسرح "يبي ضخ بيزات، ديكور، أجور، استعراض، تنظيم وتأجير"، ثم ان إلهام تقف للمرة الأولى على خشبة مسرح الكبار، كما يتعامل ثامر الشعيبي كمخرج لأول مرة مع عمل جماهيري ونجوم أمثال داود وهيا وإلهام والبريكي، نص ثري يضم لوحات استعراضية وغنائية ومجاميع، بالمقابل تخوض هيا تجربتها الأولى في إعداد فكرة النص وتأليف عمل مسرحي للكبار، وهل ستعيد نفس الفكرة المتعارفة عن "ريا وسكينة"، أما البريكي فهو مبتعد لفترة عن المسرح.. أفكار عديدة تزاحمت في رأسي، لكن تزاحم الجمهور وعدم وجود كرسي شاغر في مسرح عبدالحسين عبدالرضا وبعد العرض خرجت بحقيقة وقناعة مطلقة بأنه لا يجب الحكم على أي تجربة ما لم نشهدها على أرض الواقع مهما كانت حديثة العهد أو الخبرة، الواقع هو الحكم وأقولها بتجرد كانت تجربة هيا وإلهام في "عودة ريا وسكينة" ناجحة بكل المقاييس وعمل مسرحي يؤسس لتجارب مستقبلية متى ما تم المحافظة على فريق العمل كمجموعة متناغمة ومتجانسة، خصوصا اننا اليوم نرى أن العمل الفني عموما والمسرحي خصوصا يعتمد على "الغروب أو المجموعة". تبدأ قصة العمل من ازدياد عمليات خطف النساء وسرقة الحلي والذهب الذي يرتدينها، فيتم تكليف الضابط "عبدالعال" خالد البريكي ومساعده "خضر" ثامر الشعيبي للتوصل إلى المجرمين، في الجانب الآخر توجد "أم حنظل" بدرية طلبة وعبدالله الحمادي، التي تضطر لتربية "سكينة" وشقيقتها "ريا" بعد وفاة امهما، تكبر الشقيقتان في منزل "ام حنظل" التي تجعلهما مجرمتين تسرقان النساء بعد ان يقوم الشاب الفهلوي "موتو" داود حسين باستدراج النساء والفتيات من السوق، "ريا وسكينة وموتو" حاولوا مرارا وضع حد لهذه المعاناة والتوقف عن السرقة لكن "ام حنظل" تهددهم دوما بتسليمهم للشرطة، حتى يقرروا جميعا بأن تكون سرقتهم المقبلة هي الأخيرة ويتخلصوا من سيطرة "ام حنظل"، يقودهم حظهم العاثر الى استدراج فتاة صغيرة وثرية تدعى "إلهام"، وينجح الضابط عبدالعال ومساعدوه في التخفي بملابس نسائية وبمساعدة "موتو وريا وسكينة" من القاء القبض على "ام حنظل" وابنها وكشف حقيقتها كمجرمة، ويكتشف بأن إلهام شقيقتهم الثالثة وأن والدهم عجز في البحث عنهما والعثور عليهما بسبب أكاذيب "ام حنظل"."عودة ريا وسكينة" عمل اجتماعي موجه للأسرة بشكل مباشر، يحمل في طياته الكثير من الرسائل الموجهة ويطرح القضايا الاجتماعية من دون تجرد، عمل متزن ومتكامل، في حال استمر الفريق مع بعضه البعض ربما يكون نواة فرقة مسرحية جديدة، خصوصا ان ما قدم فوق خشبة المسرح لم يكن تجربة يافعة بل ناضجة تماما، لوحات استعراضية واغنيات و"شو" بصري تم توظيفه بشكل جيد، أدوار تم توزيعها بمبدأ الممثل "الصح" في المكان "الصح"، ثلاثي جميل بين هيا وداود وإلهام، داود ما يزال شابا يافعا فوق الخشبة اداء وتمثيل وحركة ودخول وخروج بالقلم والمسطرة، الفنانة إلهام في اولى تجاربها بمسرح الكبار كانت رائعة اندمجت بسرعة مع فريق عملها ومثال للممثلة الأنيقة، أما الفنانة هيا الشعيبي فتثبت من جديد أنها الورقة الرابحة وجوكر الكوميديا في أي عمل تقدمه، هيا بصراحة "شايلة شيل"، عودة جميلة ومستحقة للفنان خالد البريكي في دور الضابط وايضا في تجسيده كراكتر المرأة المخفية، البريكي الذي يتحمل مهمة ليست سهلة وهي "الفرش" للممثلين فكل "افيه" يكون بإشارة من عبدالعال، ثامر الشعيبي فنان موهوب ومخرج شاطر، عبدالله الحمادي ممثل جميل و"كراكتر" متلون قدم مشهدا تمثيليا رائعا لكنه ايضا مطالب بالقليل من "الكنترول" على نفسه، مشهد المخفر ومشهد اللوحة الأخيرة بحاجة الى "لم أكثر" حتى لا يتسلل الملل للمتلقي، كما يحتاج الممثل الواعد عبدالرحمن الفهد الى توظيف افضل في المشاهد ويمكن استغلال موهبته بنحو أفضل.