على مر الأزمنة، تأتي حضارات وتنتهي، لتحل محلها حضارات أخرى، وكم من حضارات زالت ولم يعد لها وجود، وزالت معها اسماؤها وشعوبها، وقد تناول القرآن بعض هذه الحضارات ولولاه لما عرف الكثيرون عنها شيئا، يقول تبارك وتعالى: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ) [القصص 58]. وفي هذه الحلقات اليومية تتناول " السياسة " قصص هذه الحضارات والشعوب التي ذكرها القرآن في آياته الخالدة.قال تعالى: "وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا. فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا" سورة مريم" 16 و17."حمل عيسى الإنجيل كتابا منزلا من عند الله ومصدقا بتوراة موسى ليجدد عقيدة قومه، فناله منهم التكذيب والأذى، كما نال من سبقوه وخلفوه إلا الفئة المؤمنة التى ناصرته، وقد شهدت قصة ميلاد عيسى عليه السلام خرقا للعادة ولكنها تشهد كذلك على طلاقة قدرة الله.
كانت مريم ابنة عمران الذى يرتفع نسبه إلى داوود عليه السلام، فى محرابها تصلى لله إذ جاءها جبريل فى صورة بشر، ففزعت والتجأت الى الرحمن منه، طمأنها الملك أنه رسول من ربها وسببا ليهبها غلاما طاهرا، قالت مريم: وكيف ذلك ولم يقربنى إنسان ولست بفاجرة ؟ رد الملك: ستعطين غلاما بلا أب. تحققت إرادة الله وولد عيسى، وكما جاء في القرآن بأنه ولد في المكان القصي البعيد الذي ذهبت إليه مريم باتجاه الشرق عن قومها، فهناك دراسات تقول بأنه ولد في بيت لحم، وأخرى تؤكد بأنه ولد في كربلاء، موضع قبر الحسين عليه السلام، بينما ترى دراسات أخرى أنه ولد على صخرة بيضاء في أرض برثا في موضع مسجد برثا حاليّا.حملت مريم العذراء عيسي إلى قومها، فلما رأوا الغلام استنكروا الأمر فأشارت إليهم أنها صائمة عن الكلام بأمر الله، وأشارت إلى عيسى ليكلموه، وهنا بدأت المعجزة الأولى لنبي الله عيسى عليه السلام، فقد أنطقه الله فى المهد، بعدها فتح الله على نبيه عيسى بالمعجزات لتكون دليلا على صدق دعوته، فكان يصور من الطين صورة مثل صورة الطير، ينفخ فيها فتحل بها الحياة وتتحرك طائرا، وكذلك يشفى من ولد أعمى فيبصر ومن به برص فيزول برصه، ويعيد للحياة من فقدها، تلك كانت حجة عيسى ومدد الله له وعليه للتصديق برسالته، ودحض الباطل وتصحيح العقيدة ونشر قيم الخير والتسامح،والتبشير برسول يأتى من بعده اسمه أحمد هو خاتم المرسلين ورسالته جامعة وكاملة إلى أن تقوم الساعة، فآمنت معه جماعة وصاروا من خاصة أصحابه "الحواريون"، فلما أحس عيسى منهم الكفر، قال:من أنصارى إلى الله ؟ قال الحواريون: نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون. سأل "الحواريون" عيسى أن ينزل عليهم مائدة من السماء لتكون معجزة جديدة له وليكونوا عليها من الشاهدين، فاستجاب لهم عيسى وطلبها من الله فأجابه سبحانه قائلا: إنى سأنزل المائدة من السماء، فأى أمرئ يجحد بعد هذه النعمة فأنى أعاقبه عقابا لا أعاقب بمثله أحدا من الناس، لأنه كفر بعد ما شاهد دليل الإيمان الذى طلبه. أما من كذبوا عيسى عليه السلام، وهم الفسقة من قومه من بنى إسرائيل كما كذبوا الرسل من قبل فقد قالوا: هذا سحر مبين، ودبروا خفية لقتله، فقال الله: يا عيسى إنى مستوف أجلك، ولن أمكن أحدا من قتلك، وإنى رافعك إلى محل كرامتى ومنجيك من أعدائك الذين قصدوا قتلك، وجاعل المتبعين لك ظاهرين بالقوة والسلطان على الذين لم يهتدوا بهديك إلى يوم القيامة، ثم إلى مصيركم جميعا فأقضى بينكم فيما تنازعتم فيه من أمر الدين، وينجي الله عيسى من مكرهم برفعه إلى السّماء.