كويتيات عُمانيةالحلقة الأولىكتب - د.محسن الكندي:تبوأت سلطنة عمان مكانة كبيرة في الصحافة الكويتية منذ بزوغ فجرها في عشرينات القرن الماضي وحتى اليوم، تجسد ذلك في نشر فيض كبيرمن أخبارها وحوارات أدبائها وأنشطة مثقفيها وسياسييها وجوانب من نهضتها وتراثها وفكرها في المجلات والصحف الصادرة أنذاك ولم يتوقف هذا التواصل الفكري والصحافي على مرحلة بعينها بل ظل ذلك ممتدا حتى اليوم.الاهتمام الكبير الذي نالتة عُمان في الصحافة الكويتية يبرز حرص واهتمام الكويت وشعبها بسلطنة العز حضارة وشعبا وتاريخا، هذه السلسلة من التواصل الفكري تستعيدها "السياسة" في حلقات بمناسبة ذكرى عيد السلطنة الـ51، وفيما يلي التفاصيل:
* الأحداث السياسية والهم القومي ساهما في إذكاء حضور السلطنة في المجلات الكويتية* حوارسياسي مع الشيخ سليمان النبهاني خلال زيارته الكويت ولقائه الشيخ عبد الله السالم* الطائي قارع الكتاب الكبار بمقالات نقدية... ورسائل أدبية وجهها للأديب زكي مبارك في مجلة الرسالة * الصحف الكويتية أرست دعائم التواصل الفكري مع السلطنة انطلاقا من دورها القوميتشيرُ الدراسات المؤرخة لتاريخ الصحافة إلى اعتبار الكويت من الدول التي ظهرت فيها الصحافة مبكراً الا أن المنجز الصحافي العُماني المهاجر أثبتت الدراسات أسبقيته التاريخية. ورغم ذلك فإن للكويت دورا حيويا بثته صَّحافتها الناهضة في الثقافة العربية منذ طلائعها الأولى ممثلة في مجلة الكويت الصادرة في العام 1928 ، و" ما جاء بعدها من مجلات مثل مجلة "كاظمة" و"البعثة" و"اليقظة" التي صدرت في العام 1952 وجريدة "الكويت اليوم" وهي الجريدة الرسمية للكويت، التي صدرت في العام 1954م ومازالت تصدر حتى الآن، ومجلتي "الرائد " في العام نفسه ثم " العربي" التي صدرت في العام 1958.وفي هذا الفيض من المجلات والصحف كانت الرغبة طموحة نحو طرق ثقافة الأمة العربية والبحث عن مقدراتها وتأكيد دورها في صناعة التاريخ الحضاري وقد كان الهمُّ العربي غاية ومبتغى وبالتأكيد كان طافحاً في الآفاق يسعى إلى تحقيق الوحدة، ويتوق إلى نصرة قضايا الأمة العربية وانتشالها مما ران عليها من آثار قبضة المستعمر الدخيل.ولم تكن عُمان كياناً حضاريًّا وثقافة بمعزلٍ عن هذه المجلات والصحف الكويتية الصادرة في أواخر الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين، فقد عكست الصحافة صورتها وكتبت عنها وحضرت في صفحاتها بمقالات وإبداعاتٍ تمثل ذلك في كتاباتٍ عُمانية مبكرة أبنائها أو بأقلامٍ عربية "خليجية"، ورغم إنها قليلةُ العدد ومحصورةُ الفكرة، وفيها بعض هنات الكتابة الأولى إلا أن قيمتها تكمنُ في تلك الالتفاتة التاريخية المبكرة التي وجهتها تلك الأقلام الشقيقة إلى عُمان.في ذلك الزمن المفصلي من تاريخ الثقافة العربية كانت عُمان - بتاريخها التليد وحضارتها العريقة - غيَر بعيدةً عن ذلك، ولا خافية عن توجهات تلك المجلات المهمة، لهذا نظرت إليها هذه المجلات - أسوة بنظائرها العربيات - نظرة استشراف وقدّمتها بروح قومية صرفة همَّها التعريف بعُمان والتعاطف مع قضيتها السياسية وما وقع فيها من تجاذبات وصراعات قبلية وسياسية - انطلاقاً من مكونات العروبة ووحدة الدم والتاريخ واللغة وحراك الإنسان ونضاله ضد المستعمر. كانت هذه الغاية المعادلُ الموضوعيُّ المحقق لمطلب النضال القومي والموازي لمطلب صوت السلاح ورفع رايات الأمة العربية عالية خفاقة، لهذا حضرت عُمان ومثيلاتها العربيات بروح عربية وثابة وبصوت إعلامي صارخ مستنهض عبر أعمدة وتحقيقات ومقالات وكُتاب مستنيرين ونقاد حاذقين وشعراء غايتهم بعث مقدرات الأمة العربية الثقافية واستنطاق آدابها وثقافتها وتاريخها وشخصياتها، ويمكن الوقوف على شيء من ذلك فيما قدّمته المجلات الآتية: مجلة "الرائد""الرائد" مجلة شهرية ثقافية صدرت عن لجنة الصحافة والنشر بنادي المعلمين الكويتي في شهر مارس من عام 1952م بجهود من محرريها الأدباء حمد الرجيب وفهد الدويري وأحمد العدواني، ورفعت هذه المجلة شعار تقديمي يستوحي فكرة الإيمان بالإنسان، والسعي إلى رفعه وتقّدمه وسعادته، ومعارضة خطى الرجعية والجمود في عقله، وقد كان حظُّ الكتابات العُمانية في هذه المجلة قصيدة قومية و" حوار سياسي "، فالقصيدة التي بلغت أبياتها تسعة عشر بيتاً بعنوان " عُمان "، وقد نُشرت في الصفحة 47 من العدد الأول، وهي للشاعر صقر بن سلطان القاسمي ،يقول في مطلعها.دَعهُ يَرتاحُ ساعةً من سُباتِهفهو واهي الفؤادِ مِنْ ذكرياتهالقصيدةُ وجدانية ذات نفسٍ ثوري ملتهب يبث فيه الشاعر هواجسه عبر أبيات استنهاضيه وتأس نفسي عميق يسقطه الشاعر على واقعه المليء بالمعوقات والمثبطات يبينها مقطعها القائل: - يا خَدِينَ الطُّهْرِ السَّماوي عفواًإن قعدنا فالعجزُ عزلٌ لذاتهعلمَ اللهُ ما رضينا ولكنْأين منَّا مَنْ نحتمي بقناتهوالشقاقُ المعتوه يلعبُ فيناكالدَّوالي والسمِّ في نفثاتهأمّا الحوار، فهو حوارٌ سياسي اجتماعي نُشِر في باب " حديث الرائد " في العدد الرابع الصادر في نوفمبر من عام 1953 في الصفحة 403 من المجلد ، وخصص مع الشيخ سليمان بن حمير النبهاني الذي أطلقت عليه المجلة لقب "سمو أمير الجبل الأخضر "، وجاء إثر زيارته الرسمية لدولة الكويت ولقائه أميرها الشيخ عبدالله السالم الصباح.وتلخص "الرائد" موضوع اللقاء الذي بدت فيه إجابات الشيخ سليمان مقتضبة مختصرة لا تشي بأية معلومات تفصيلية مكثفة، كما أن حسِّه السياسي بدا خافتاَ لا ينمّ عن شخصية رسمية تضطلع بدور ديبلوماسي سياسي في ذلك الوقت الفارق من الحياة العُمانية ، فقد تحدَّث " عن شؤون الجبل الأخضر وعن أثر الحضارة الحديثة فيه بإيجاز في وقت كان يتطلب التفصيل ، وركز في حديثه ص 404على أن الجبل الأخضر "بلادٌ زاخرةٌ بالمعادن والبترول، ولكن حرصه على سلامتها قد منع من إعطاء الأجانب حق استغلالها، وأنه يرجو استغلال هذه المعادن على أيد عربية تفيدُ منها الوطن العربي" .وتحدث - في الصفحة نفسها - عن العادات والتقاليد العريقة مؤكداً أصولها وعراقتها العربية، وأنه إذا جاء ضيف لأمير وهو مع حاشيته يقوم الأمير والحاشية لاستقباله، ولا يجلسون حتى يجلس الضيف ويأخذ مكانه من المجلس ثم يأمرهم بالجلوس ، وإذا كان لدى هذا الضيف مشكلة ويرد أن ينفرد بالأمير يخرجان معا من المجلس لحل المشكلة أو التحدث بها على انفراد . ويعرج في هذ الحوار على الجبل الأخضر، فيصف سكُّانه وصادراته من الرُّمان والحنطة والقطن والثوم والفواكه والنباتات العطرية وخاصة الورد، وينهي حديثه بإضفاء آيات الشكر على الكويت حكومة وشعبا على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة.مجلة "البعثة"ويمكن اعتبار ما نشره الأديب الطائي في مجلة "البعثة" واحداً من مظاهر الكتابة العُمانية المميزة في مجال النقد والسجال الثقافي، وقبل أن نفصّل ما دار بينه وبين الشاعر العربي المعروف " محمد الفيتوري "1936 – 2015" من تجاذبات فكرية حول أدب البحرين نشير إلى أن الطائي كتب هذه المداخلة إبان إقامته في البحرين وعمله فيها " 1951 – 1959" مدرّساً وموظفاً وصحافيًّا، ولم تعن هذه المجلة كثيرا بالأخبار العربية لهذا لم تحضر فيها أي كتابات عمانية عدا مقال يتيم نشرته في العدد السادس الصادر في أغسطس من عام 1954 م نقلاً عن مجلة " صوت الشرق " وهو للأستاذ عبدالله الطائي الذي كان وقتها مقيماً في البحرين ويكتب في صحافتها.مقال مداخلة وتعقيب ورد على عمود نشرته " البعثة" للشاعر المعروف محمد الفيتوري، ويحظى بأهمية كبيرة في تقديرنا كونه يمثل أول مساجلة فكرية بين علمين أحدهما أخذ مكانته الشعرية عربيًّا ، والآخر استوحى المكانة ذاتها من خلال ما ينشره في مجلات الخليج من مقالات وقصائد وروايات ملتهبة. يقول الطائي - محتجاً على ما نشره الفيتوري في مجلة "العالم العربي": كان مقال الأستاذ الشاعر محمد الفيتوري " أدباء البحرين تحت الأضواء" رائعاً يستحق الإعجاب لولا أن الشاعر الحُرَّ قد أطلق عنان قلمه حتى غمط حق الغير باعتباره الباني الأول لدراسة النهضة الأدبية بالبحرين، ولو أتانا بالجديد في ذلك لما وقع في اتهام السطو، أو على الأقل لو اعتمد على آرائه الخاصة ".ثم يُفصّل اتهامه الصريح للفيتوري بالسطو قائلا: " إن مقالَ الكاتب الحر يعتمد اعتماداً أساسيّاً على مقال نُشِر في مجلة البعثة الكويتية الصادرة بالقاهرة في عددها الخاص بالبحرين، وتناول فيه كاتبه المعطيات الآتية:1- إجحافه بحق بعض مؤسسي اليقظة الفكرية والأدبية في البحرين.2- قيامه بنقل ما جاء في المقال المنشور في مجلة " البعثة " دون توثيق أو إشارة معتبرة، فبدا مقاله كأنه من بُناة أفكاره، والحقيقة أنه منتحل.3- إلصاقه لبعض أدباء البحرين صفاتٍ خارجة عن توجهاتهم ومشاغلهم بل لا تنسجمُ مع طبيعة اهتماماتهم.وينهي الطائي مقاله الجدلي "المهم" مُدَافعاً عن نهضة البحرين الأدبية مُقَرّعاً الفيتوري مُفندًا ما كتبه بالبرهان والدليل ويقول: " وعلى كلٍّ، فليت الأستاذ الفيتوري قد بذل قليلاً من الجهد، بالإضافة إلى ما بذله من جهد الكتابة، فأظهر لنا جديداً من يقظة البحرين الأدبية ، وبذلك يكون قد وضعها تحت أضواء بحثه حقاً لا أن يكتفي باستعارة مصابيح الغير، ويسجّل حتى آراءهم الخاصة في كلّ أديب.إنَّ مقال الطائي يُعدُّ من حيث قيمته التاريخية وطرقه لهذا الموضوع الجدلي الملتبس من أوائل المقالات النقدية لكاتب عُماني، وهي أولوية تؤكد ريادة الطائي للمجالات الأدبية فقد عرفناه شاعراً مجدداً ،وكاتباً مقالياً مكثراً، ومبدع نصوص روائية تاريخية مميزة. وقد تجلت في روايته "ملائكة الجبل الأخضر" و"الشراع الكبير كما عرفناه كاتب قصة قصيرة تجلت في قصصه الثماني منها "أسف" و"مأساة صبحية"، وأيضاً كاتب مسرحية وَضُحُتْ في نصيّه "بشرى لعبد الملك" وجابر عثرات الكرام، وهو في هذه الأجناس سجَّل سبقاً عُمانياً يحسب له، ويسجل باسمه في تاريخ الثقافة العُمانية المعاصرة.وهو إذ يضيف في مقاله النقدي هذا ليتبوأ المكانة الريادية نفسها؛ إذ لم يعرف الأدب العُماني قبله خطاباً نقدياً مكرَّساً لمناقشة الأدباء والمفكرين عبر الصحافة، وتلك قيمة مضافة لشخصيته الأدبية التي أنتجت دراسات تاريخية وأدبية عدة، ونحن لا نعجب أن نرى مثل هذا السجال الأدبي ومقارعة الكتاب الكبار متجليًّا في هذا المقال ، فالطائي سبقه برسائل أدبية أخرى نشرها في مجلة الرسالة ووجهها إلى الأديب الكبير " زكي مبارك " في أربعينات القرن العشرين، وناقشه فيها عدم التفاتته إلى الأدب العُماني، وعرض عليه فكرة الكتابة عنه كونه أحد الآداب المجهولة على القارئ العربي آنذاك، وتلك سمة وطنية عرفت في الطائي وتكرست في مجمل كتاباته وقصائده الملتهبة التي حواها ديوانيه "الفجر الزاحف" و"وداعاً أيَّها الليل الطويل".وأخيراً يمكن القول: إن الصحف الكويتية أرست دعائم التواصل مع عُمان في وقت استثنائي ولم تتنصل من دورها القومي الذي اضطلعت به منذ طلائعها المبكرة، بل كانت كما يقول الدكتور محمد منسي قنديل عنها في مقاله المنشور الكترونيًّا: "علامة واضحة على تفتّح الوعي، بالتوازي مع بناء مؤسسات الدولة". وربما كان هذا هو السر الذي حافظ على حيوية هذه الصحافة حتى هذه اللحظة، فهي لم تنشأ وسط مؤسسات عتيقة، ولم تواجه بقوانين مستمدة من أيام القمع العثماني كما حدث في الكثير من الدول العربية الأخرى، ولكنها عايشت عملية التطور التاريخي الذي شهدتها هذه المؤسسات، وكانت طرفًا في كلِّ معارك التحديث السياسي والاجتماعي.يستوي هذا القول على مجمل المحاولات الرائدة التي قام بها روَّاد مصلحون وأدباء متفتحون، كان عبدالعزيز الرشيد أبرزهم، فقد كان أديبًا مصلحًا اجتماعيًا فذّا ،وصاحب فكر قومي مستنير جعله يتخطى حدود الكويت الضيقة إلى عالم أوسع. كانت عُمان في ذلك الوقت أحد بُقعه الجغرافية المستهدفة تحقيقاً للوحدة العربية وغاية الإصلاح والتنوير.أكاديمي وكاتب عماني