منوعات
غزوة نجد... عُرفت بها صلاة الخوف
الخميس 07 مايو 2020
5
السياسة
غزوات الرسول 13إعداد – شروق مدحت:بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مكة إلى المدينة واستحالة الحياة بمكة المكرمة بسبب إيذاء قريش المستمر للمسلمين ، وبعد الاستقرار النفسي الذي حققه المسلمون، أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بضرورة التعرف على المدن والقبائل المجاورة وكذلك الطرق التي تؤدي إلى قريش وغيرها من المدن المحيطة ، من أجل إرساء مفهوم الدين الإسلامي ونشرة لدى تلك القبائل المجاورة ، فكانت هذه هي الرسالة والعقيدة التي أمر الله بها رسوله الكريم. تعد غزوة نجد والتي تعرف أيضا باسم "ذات الرقاع"، من أبرز غزوات المسلمين المباركة، التي وقعت في السنة الرابعة من الهجرة، حيث كانت وراء القضاء على سطوة وتمرد القبائل العربية، كما مكنت المسلمين من التخلص من أذى المشركين الذين استمروا به لعدة سنوات.جاء عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قوله: "خَرَجْنَا مع النبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في غَزْوَةٍ ونَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ، بيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ، فَنَقِبَتْ أقْدَامُنَا، ونَقِبَتْ قَدَمَايَ، وسَقَطَتْ أظْفَارِي، وكُنَّا نَلُفُّ علَى أرْجُلِنَا الخِرَقَ، فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ، لِما كُنَّا نَعْصِبُ مِنَ الخِرَقِ علَى أرْجُلِنَا".وتضمنت أيضًا سيرة ابن هشام سبب تسمية غزوة نجد بـ"ذات الرقاع" وفيها جاء: "وإنَّما قيل لها: غزوة ذات الرقاع؛ لأنَّهم رَقَعَوا فيها راياتِهم"، ويقالُ: "ذات الرقاع شجرة بذلك الموضع يقال لها: ذات الرقاع".بدأت قصة غزوة "نجد"، عندما بدأ خطر الأعراب المتواجدين في صحراء نجد يظهر بشكل واسع على الساحة؛ نظرًا لقيامهم بالعديد من أعمال السلب والنهب في المنطقة، مما جعل الرسول (ص) يريد إيقاف فتنتهم في المنطقة وتحقيق الآمن والآمان من أعمالهم المشينة في هذه الأثناء، لذلك قرر الرسول (ص) غزو الأعراب فعليًا، بعدما وصلته أنباء تفيد بأن الأعراب من بني محارب وبني ثعلبة ومن قبيلة غطفان المتواجدين بصحراء نجد يعملون على تجهيز عدة القتال لمواجهة المسلمين. بعد توارد تلك الأنباء، قام الرسول (ص) مع أصحابه بالتجهيز لمواجهة الأعراب، بجيش يتراوح بين أربعمائة إلى سبعمائة مقاتل من المسلمين، وترك أبا ذر الغفاري (رضي) في المدينة المنورة.بعد خروج المسلمين بدأت العقبات تتضح في طريقهم وتمثلت أبرزها في وجود نقص شديد في أعداد البعير المتواجدة معهم، مما جعلهم يقطعون الطريق مشيًا على أرجلهم، ومع طول المسافة ووجود الكثير من الطرق المتعرجة والحجارة الحادة، أدى ذلك إلى سقوط أظافر المسلمين وتمزق أقدامهم، ولهذا قاموا بلف أقدامهم بالجلود الرقاع، ومن هنا جاءت تسمية غزوة نجد بـ"ذات الرقاع". وعند وصول المسلمين إلى صحاري نجد وتحديدًا في منطقة تسمى "نخل"، أراد الرسول (ص) تثبيت الإيمان في قلوب المسلمين، حيث أدى النبي (ص) صلاة الخوف بالصحابة الكرام لأول مرة في تاريخ الإسلام؛ امتثالاً لأمر الله تعالى بتشريع صلاة الخوف، حيث قال الله عزّ وجلّ: (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا).وبمجرد وصول تلك الأنباء إلى قبائل غطفان من الأعراب بث الخوف والرعب في قلوبهم، وفر جميع المشركين ولم يحدث أي مواجهة أو قتال بين الطرفين، وحقق المسلمون الانتصار في غزوة نجد بدون أي خسائر.، وأثناء العودة من الغزوة، وتحديداً في وادٍ كثر الشجر، غط الرسول (ص)، في النوم بهذا المكان، حيث روي جابر بن عبد الله (رضي) واقعة غريبة، قائلاً: "غَزَوْنَا مع رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- غَزْوَةً قِبَلَ نَجْدٍ، فأدْرَكَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- في وَادٍ كَثِيرِ العِضَاهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ) تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَعَلَّقَ سَيْفَهُ بِغُصْنٍ مِن أَغْصَانِهَا، قالَ: وَتَفَرَّقَ النَّاسُ في الوَادِي يَسْتَظِلُّونَ بالشَّجَرِ، قالَ: فَقالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-: إنَّ رَجُلًا أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ، فأخَذَ السَّيْفَ فَاسْتَيْقَظْتُ وَهو قَائِمٌ علَى رَأْسِي، فَلَمْ أَشْعُرْ إِلَّا وَالسَّيْفُ صَلْتًا في يَدِهِ، فَقالَ لِي: مَن يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قالَ: قُلتُ: اللَّهُ، ثُمَّ قالَ في الثَّانِيَةِ: مَن يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قالَ: قُلتُ: اللَّهُ، قالَ: فَشَامَ السَّيْفَ فَهَا هو ذَا جَالِسٌ، ثُمَّ لَمْ يَعْرِضْ له رَسُولُ اللهِ"(صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ).وجاءت غزوة نجد بالعديد من النتائج أهمها بث الخوف والرعب في قلوب الأعراب، ما جعلهم لا يفكرون بعد هذه الغزوة في مواجهة المسلمين مرة أخرى في المدينة، وأيضًا تراجعهم عن تجهيز الجيوش ضد المسلمين، كما ساعدت تلك الغزوة في تحقيق الأمن والسلام والاستقرار للأهالي المتواجدين بالمدينة المنورة وما حولها، ما أدى إلى نشر الدعوة الإسلامية بشكل كبير.