إعداد – إيمان مهران:بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مكة إلى المدينة واستحالة الحياة بمكة المكرمة بسبب إيذاء قريش المستمر للمسلمين ، وبعد الاستقرار النفسي الذي حققه المسلمون، أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بضرورة التعرف على المدن والقبائل المجاورة وكذلك الطرق التي تؤدي إلى قريش وغيرها من المدن المحيطة ، من أجل إرساء مفهوم الدين الإسلامي ونشرة لدى تلك القبائل المجاورة ، فكانت هذه هي الرسالة والعقيدة التي أمر الله بها رسوله الكريم.

لم يتردد رسول الله صلى الله عليه وسلم للحظة واحدة في نشر تعاليم دين الله في جميع أرجاء المدن، وبخاصة تلك التي بها الكثير من التجمعات وتنفر وتتولى عن هذا الدين، ومن بينها قبيلة بني سُليم التي كانت متحالفة مع قبيلة قريش ضد المسلمين، ودائمًا ما كانت تنوي الهجوم على المدينة والنيل من المسلمين؛ إلا أن رسول الله كان يهاجمهم قبل أن يهاجموه، ولكن هذه الغزوة والتي سميت بـ"غزوة بحران" بدأت عندما علم رسول الله (ص) بتجمع أعداد كبيرة من قبيلة بني سُليم في منطقة وادي حجر بالحجاز بالقرب من منطقة بحران، فأمر جيشه بالخروج إليهم، ولكن عند وصول الخبر إلى المشركين فروا هاربين من قتال المسلمين، وبمجرد قدوم رسول الله (ص) إلى مكان تجمعهم لم يجد أحدا وعلم أن الخبر وصلهم وهربوا جميعًا قبل أن يتمكن منهم.استخلف الرسول (ص) بالمدينة الصحابي عبد الله بن أم مكتوم وهو بن خال السيدة خديجة أم المؤمنين أولى زوجات النبي (رضي الله عنه)، وكان "عبد الله" ضريرًا، ونزلت فيه بداية سورة عبس، عندما جاء إلى النبي (ص) طالبًا منه تعليمه بأمور الدين لكنه كان مشغولاً بدعوة كبار وأسياد قريش، فلما أكثر "عبد الله" على النبي (ص) انصرف عنه عابسًا وتضايق منه، فنزلت السورة لمعاتبة رسول الله (ص) على عبوسه ومنذ ذلك اليوم أكرم عبد الله بن أم مكتوم وكان يناديه دائمًا: "مرحبًا بمن عاتبني فيه ربي"، وكان هو وبلال من يؤذنان للصلاة، ويتمنى الجهاد مع جيش المسلمين؛ إلا أنه كان ضريرًا.أقام رسول الله (ص) وجيشه بمنطقة بحران قرابة الشهر؛ تحسبًا لأي هجوم أو تحركات مفاجئة من جيش بني سليم أو أي من الجيوش الأخرى المحالفة لهم، وكانت تلك الغزوة هي الثالثة التي كان يحاول النبي (ص) شنها على أعداء الله من قبيلة بني سليم، فالغزوة الأولى كانت بعد معركة بدر بسبعة أيام، ثم غزوة ذي أمر، وبحران هي الغزوة الثالثة.وفى كل مرة كانت قوات قبيلة بني سليم تفر من مكان تواجدها خوفًا من ملاقاة المسلمين فلم يحدث قتال ولا مواجهه بين الجيشين، وعرفت بأنها عبارة عن دورية قتالية كبيرة يخرج بها المسلمون وعلى رأسهم قائدهم محمد (ص) وكان عددهم 300 مقاتل.كانت هذه الغزوة امتثالا لأمر الله في مبادرة الأعداء والمشركين بالغزو عليهم، لأنهم كانوا يقومون بزرع الفتن وإرغام الناس على الابتعاد عن هذا الدين الجديد، وحتى يتمكن الناس من اختيار الدين دون ضغط أو تعنيف أو إجبار، فكانت تقف قريش في طريق الدعوة بكل قواها هي والدول المتحالفة معها من القبائل المجاورة، فأراد الرسول بتلك الغزوات كسر شوكة قريش والدخول في دين الله أفواجًا دون تدخل من قريش، وكانت غزوة بحران مثل غيرها من الغزوات التي يقوم بها رسول الله (ص) بعد الهجرة إلى المدينة واستقرار الدولة الإسلامية ونشر الدعوة إلى دين الله ولو كره المشركون الذين يبذلون قصارى جهدهم للانتقام من المسلمين بعد هزيمتهم الساحقة في غزوة بدر وقتل الكثير من قادتهم وشعورهم بالخزي والعار وتحطم مكانتهم أمام القبائل العربية، لذا لم يتركوا فرصة للهجوم على المسلمين حينما تحين لهم الفرصة؛ إلا أن الرسول وأصحابه كانوا يقفون بالمرصاد أمام جميع تحركاتهم.