منوعات
غزوة دومة الجندل...ضربة استباقية
الأحد 10 مايو 2020
5
السياسة
إعداد – شروق مدحت:بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مكة إلى المدينة واستحالة الحياة بمكة المكرمة بسبب إيذاء قريش المستمر للمسلمين ، وبعد الاستقرار النفسي الذي حققه المسلمون، أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بضرورة التعرف على المدن والقبائل المجاورة وكذلك الطرق التي تؤدي إلى قريش وغيرها من المدن المحيطة ، من أجل إرساء مفهوم الدين الإسلامي ونشرة لدى تلك القبائل المجاورة ، فكانت هذه هي الرسالة والعقيدة التي أمر الله بها رسوله الكريم. قاد الرسول- صلى الله عليه وسلم- جميع الغزوات بنظرة عسكرية حازمة وحكيمة، عادت بالخير والنفع على المسلمين، كما ساعدت حكمة رسول الله وفراسته على القضاء على أسطورة المشركين والأعراب والمنافقين، حيث كان يعتمد دائماً على منهج المبادأة لكسر شوكة وهيبة الأعداء والتخلص من شرورهم بشكل مبكر.سجلت غزوة"دومة الجندل" وقوعها في ربيع الأول بالسنة الخامسة من الهجرة، تحديدًا بعد غزوة "بدر الآخرة" بنحو ستة أشهر وقبل غزوة "بني المصطلق"، وسميت بذلك الاسم نسبة إلى منطقة "دومة الجندل" وهي مكان يقع شمال المدينة المنورة في شمال شبه الجزيرة العربية على حدود بلاد الشام وتحديدًا في منطقة تسمى الجوف في شمال شرق منطقة تبوك، وهي حاليًا في المملكة العربية السعودية.تعود أسباب هذه الغزوة إلى توارد الأنباء إلى الرسول (ص)، عن وجود قوم في منطقة تسمى بـ"دومة الجندل"، يمثلون إحدى القبائل التي تدعى قبيلة قضاعة، الى جانب بعض القبائل في حدود قبائل الغساسنة الموالين للدولة الرومية البيزنطية، حيث كانوا يتعمدون نشر أعمال النهب والسلب على القوافل المارة بحدود الشام، ويعملون على قطع الطرق على الناس وسلب كل من يمر بهم، ولما بلغ النبي أنهم يستعدون لقطع الطريق على المسلمين ومهاجمتهم، قرر على الفور وفي خطوة استباقية عدم ترك الفرصة لهم لظلم الناس ومنعهم من نشر الفساد في الأرض، ومن هنا بدأت أحداث هذه الغزوة.خرج الرسول (ص) لغزو قبائل دومة الجندل ليلاً في جيش يتكون من ألف مقاتل من المسلمين، واستخدم رجلاً يكشف له عن الطريق يدعى مذكور من بني عذرة، كما ترك على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري، وكان جيش المسلمين يعمل على السير ليلاً ويستريح في النهار، حتى يتمكن من تحقيق المفاجأة لقبائل دومة الجندل.وعند وصول جيش المسلمين إلى "دومة الجندل" لم يجدوا أحدا، حيث هرب جميع الأهالي من تلك المنطقة إلى أماكن مختلفة، فيما حصل المسلمون على العديد من الغنائم والفوائد الاقتصادية في تلك الغزوة التي تمثلت في العديد من الإبل والماشية والأموال التي تركها الأهالي عند هروبهم، وعثر المسلمون على رجل يدعى عيينة بن حصن، فأخذوه إلى رسول الله( ص)، الذي أخبره عن إصابة قبائل دومة الجندل بالخوف والرعب فور علمهم بقدوم المسلمين، مما جعلهم يفرون بعيدًا عن أماكن إقامتهم، وعندما عرض عليه النبي (ص) اعتناق الدين الإسلامي، أسلم ذلك الرجل الأسير وأعلن إسلامه، ثم عاد جيش المسلمين إلى المدينة دون حدوث أي قتال. حققت غزوة دومة الجندل العديد من النتائج ومنها تحقيق الأمن والاستقرار للمسلمين ونشر الدعوة الإسلامية، عن طريق التخلص من أسطورة القبائل التي تقوم بقطع الطرق، كما ساعدت على تأمين الطرق في ربوع المنطقة العربية، خاصة بين المدينة وبلاد الشام، مما تسبب في رواج القوافل التجارية، والحماية من أي هجوم محتمل، كما سجلت انتصار المسلمين بدون وقوع أي قتال ونشر الدين الإسلامي في شبه الجزيرة العربية، كما تأكدت قوة المسلمين بعد اعتناق عيينة بن حصن للدين الإسلامي، وهو من رجال العرب وزعمائهم في الجاهلية كان يعرف بكونه فظاً غليظًا سليط اللسان، حيث استأذن الرسول (ص) في أن يرعى بإبله وغنمه في أرض بينها وبين المدينة ما يقرب من خمسة وستين كيلومترًا، مما يدل على قوة الدول الإسلامية وبسط هيبتها في شبه الجزيرة العربية، كما ساعدت تلك الغزوة على تدريب وتثقيف وتقوية الجيش الإسلامي على الفتوحات العظيمة بعدما توجه الجيش وقطع مسافات طويلة في أماكن نائية لم يكن يدركها من قبل.