الأحد 06 أكتوبر 2024
29°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

فاطمة رشدي... استعانت بثعبان حقيقي في "كليوباترا"

Time
الأحد 02 أبريل 2023
View
5
السياسة
مذكرات النجوم

* أمير الشعراء أهداها أعماله وألف لها "مجنون ليلى" وهي بجانبه
* نالت إجازة الرقابة لعروضها بارتداء فساتين عارية الصدر والظهر
* "صديقة الطلبة" خصصت بعض حفلات فرقتها مجاناً للتلاميذ
* فتنت مستشرقاً إنكليزياً بتمثيلها فمنحها النصيب الأوفر في كتابه
* محمد عبدالوهاب ساومها على مضاعفة أجره فاستبدلته بصوت آخر


فاطمة مع محمد عبدالوهاب وعلي الكسار


مسرحية "كليوباترا"


فاطمة وسليمان نجيب في أحد الافلام


القاهرة ـ أحمد أمين عرفات:

فتنت الفنانة المصرية فاطمة رشدي، الجمهور والأعيان ونجوم الفن، بموهبتها وجمالها وأعمالها المبتكرة، حتى أنها تعرضت في بدايتها لمحاولة اغتصاب من عجوز، لكنها أفلتت منه في اللحظات الأخيرة، لتبدأ نجوميتها الحقيقية في التمثيل بعد أن تعرفت على المخرج عزيز عيد، الذي تنبى موهبتها ثم تزوجها وأنجب منها ابنة وحيدة تدعى عزيزة، إلا أنها تركته بعد أن تعرفت على مليونير يهودي من المغرب العربي وضع أمواله تحت تصرفها، فأسست فرقتها المسرحية الخاصة التي ضمت أسماء لامعة، ثم أخذها في رحلة إلى أوروبا.
خلال تواجدها في باريس تعرفت ببعض وجهاء المجتمع الفرنسي، وكان بينهم كاتب شهير، قالت إن مجالسه ماجنة حمراء تشعرها بالخجل الشديد، ولما "لاحظ أن الخجل والحياء كانا يوردان وجنتي، قال: إنك تذكريني بحكاية لطيفة من التاريخ، عندما تزوج الملك لويس الرابع عشر مدام دي مانتون العام 1684، كانت تستدعي طبيبها مرة أو مرتين في الأسبوع لكي يفصدها حتى لا تتورد وجنتاها خجلا عندما تستمع إلى الحكايات الصريحة الجريئة التي تروى في البلاط الفرنسي"، فما كان من فاطمة إلا ان ضحكت قائلة: "إذن سأحضر إلى قصرك دائما ومعي الطبيب".

"إبراهيم باشا"
يشاء القدر أن تلتقي فاطمة، في باريس بالزجال الشهير بيرم التونسي، بعد أن تم نفيه إلى هناك، وعن الحالة التي وجدته عليها تقول: "كان في فقر وضنك شديدين" وأثناء اللقاءات المتعددة اتفقت معه على أن يؤلف مسرحية لفرقتها ويرسلها إليها في القاهرة، وهو ما حدث، فقد أرسل لها مسرحية "ليلة من ألف ليلة" والتي كانت من أنجح رواياتها ومثل فيها عزيز عيد أمامها دوره الخالد "شحاتة" وكيف أن نجاحها فيها شجعها على أن تكلف بيرم بكتابة مسرحية أخرى، فألف لها مسرحية "قبلة" والتي صادفت نفس نجاح "ليلة من ألف ليلة".
بعد أربعة أشهر في أوروبا عادت فاطمة، إلى القاهرة ومعها الدرعي، الذي وضع تحت يدها كل ما تريده الفرقة من نفقات، وبدأت الفرقة عروضها بمسرحية "إبراهيم باشا" وللمرة الأولى يشرك عزيز عيد في إخراجه المسرح بالصالة والممثلين بالجمهور في هذه الرواية، وللمرة الأولى أيضا تمثل ابنتها عزيزة وهي طفلة في هذه الرواية، وللمرة الأولى يدخل العرض السينمائي ليقدم بعض مشاهد المسرحية الجماعية، ثم تتابعت المسرحيات "الكابورال سيمون، سلامته بيصطاد، حواء، مادام سان جين، النسر الصغير، غادة الكاميليا".
عن الصعوبات التي واجهتها في تلك الفترة تقول: "لم يكن من السهل مرور معظم هذه المسرحيات من رقابة الداخلية في ذلك الوقت، وكان أعضاء اللجنة المكلفة بالرقابة من الطاعنين في السن، فكنت أذهب إليهم أحمل المسرحية بنفسي وقد ارتديت فساتين عارية الصدر والظهر، فأذهلهم وأثير لواعج ذكريات شبابهم وأخرج من عندهم وقد ختمت المسرحية بخاتم الرقابة وأجيز تمثيلها، وأذكر من بينها مسرحية كان فيها مشهد أسير فيه تحت الأرض في بحر من الدم، حذفوه قبل أن أذهب إليهم، فلما ذهبت صرحوا به ونفذناه كما أردنا.

لغات وتاريخ
تصادف في الوقت الذي كانت فيه بطلة هذه المذكرات تعرض مسرحياتها، أن زار مصر مستشرق إنكليزي يدعى مستر بارير، والذي جاء لوضع كتابا عن النهضة المصرية، وشاهد ذات ليلة احدى مسرحياتها فأعجب بها وبمسرحها، واخذ يوالي مشاهدة باقي مسرحياتها ثم كان يدعوها للغداء والعشاء على مائدته، وعندما عاد إلى لندن فوجئت به بعد عدة أشهر يرسل لها هدية عبارة عن كتابين، كتاب عن النهضة المصرية، وآخر عن المسرح العربي والذي جعل لها فيه النصيب الأوفر.
كان المسرح بالنسبة لفاطمة، هو حبيبها وزوجها وولدها على حد تعبيرها، حتى أنها إذا منيت في بعض مسرحياتها بخسارة، كانت تلجأ سرا إلى بيع بعض ما أغدقه عليها الدرعي، من مجوهرات وحلي حتى لا تشركه في خسارتها دائما، لكنه كان لا يلبث أن يكتشف ما فعلت فيعوضها الخسارة والمجوهرات والحلي.
ورغم الجهد الكبير الذي كانت تبذله في مسرحياتها، إلا أن ذلك لم يمنعها من أن تخصص وقتا لدراسة اللغة العربية وآدابها واللغتين الإنكليزية والفرنسية والتاريخ، فقد كانت مغرمة بالتاريخ والسير، وكيف أنها تعلمت من نابليون أنه لا مستحيل في الدنيا، ما شجعها على المضي قدما في مغامراتها لدعم المسرح بالعروض والإخراج والعناصر الفنية الممتازة ليأخذ مكانه بين مسارح العالم، بل إنها خصصت بعض حفلات فرقتها لطلبة المدارس والجامعات، لكي يشاهدون فيها مسرحياتها بالمجان، وقد ظفرت من وراء هذه التضحية منهم بلقب "صديقة الطلبة" فأضافت إلى اللقبين السابقين اللذين منحهما إياهما الجمهور لقبا جديدا عزيزا.
من أهم المحطات في حياتها الفنية، محطتها مع أمير الشعراء أحمد شوقي، وعنها قالت: "فجأة ذات ليلة بين فصول إحدى المسرحيات، طرق باب مقصورتي عزيز عيد ودخل علّى ومعه رجلان أمير الشعراء أحمد شوقي ومستر سمارت السكرتير الشرفي بالسفارة البريطانية، وقدمهما إلي، حيث تنافس الرجلان في تهنئتي وإطرائي، وكانت أول مرة أتعرف فيها بشوقي، وجلس معي فترة في مقصورتي، وقال أنه يتابع مسرحياتي الواحدة بعد الأخرى، وأنه معجب بي وبفني كل الإعجاب، وفاجأني في النهاية وهو يصافحني: سأهديك هدية عظيمة تستحقينها".

معجزة شعرية
لم تغب عنها طويلا هدية أمير الشعراء، وكانت تحفته مسرحية "كليوباترا" أول مسرحية بالشعر العربي، والتي كانت حدثا في حينها، ووصفها الكثيرون بأنها المعجزة، وقد جسدت من خلاله فاطمة رشدي دور "كليوباترا"، الذي أصبح أحد أدوارها الخالدة عبر مشوارها الفني، وأثناء إعداد المسرحية فوجئت فاطمة، بالشاعر أحمد شوقي يأتي إليها ومعه محمد عبدالوهاب ليغني قصيدة "أنا انطونيو وأنطونيو أنا"، التي أصبحت فيما بعد من قصائده وألحانه الخالدة، وهنا تكشف فاطمة ما حدث من عبدالوهاب، إذ كانت قررت له أجرا في الليلة قدره عشرة جنيهات، فلما بدأ عرض المسرحية في دار الأوبرا، توقف عبدالوهاب وساومها على رفع أجره كل ليلة إلى ثلاثين جنيها، فما كان منها إلا أن وافقت مضطرة، لكن ما ان انتهى موسم عرض المسرحية في دار الأوبرا، حتى استبدلته بالمغني سيد فوزي ليحل محله في المواسم التالية.
واصلت فاطمة، عرض "كليوباترا" في المواسم التالية بنجاح كبير ورغم سعادتها بذلك إلا أنها كانت كل ليلة تعيش حالة من الرعب، قالت عنها: لم أكن أخشى شيئا كما أخشى الحشرات والهوام، فما بالك بالثعابين التي كنت أموت منها فزعا، ومع ذلك فإن موقف انتحاري في مسرحية "كليوباترا" كان يحتم أن أضع في صدرى ثعبانا حقيقيا، وقد أحضر لي عزيز عيد أحد الحواة الرفاعية، فدربني على مسك ثعبان نزعت أسنانه وبالرغم من ذلك لم أكن اطمئن للمسات الثعبان اللينة وكنت أرتعد خوفا كل ليلة.
لم تكن تلك الهدية الوحيدة التي قدمها أحمد شوقي لفاطمة، ففي قمة نشوته بنجاح مسرحيته الشعرية الأولى قال لها "لابد أن أكافئك يا فاطمة؟ فماذا تطلبين؟ فقالت له "عدني بألا ترفض طلبي"، فرد قائلا "أعدك"، فكان طلبها مسرحية شعرية أخرى، فوافق لكنه اشترط عليها أن تكون إلى جانبه وهو يكتبها، وقد كان، لتكون ثاني مسرحياته الشعرية لها "مجنون ليلى".
تتابع فاطمة: "كنا نجلس في عش أمير الشعراء الجميل على النيل، ومعنا محمد عبدالوهاب يغني لشوقي وأنا إلى جانبه وهو يربت على كتفي في حنو حتى يروح في غيبوبة الوحي، ثم يصحو فيكتب على الورق الذي أمامه وحيه من شعر المسرحية الجديدة، فإن لم يجد الورق كتب على أكمام قميصه الأبيض".
انتهى شوقي من "مجنون ليلى" وبدأت البروفات بقيادة مخرجها عزيز عيد، الذي أفرغ فيها عبقريته، حتى أنه أصر على أن يقدم الصحراء في طبيعتها على المسرح، وجاء بحمولة 15 عربة رمل فرشها على خشبة المسرح كثبانا ومهادا كما تبدو الصحراء الحقيقية، وأسند دور المجنون للممثل أحمد علام، وفور بدء عرضها حققت نجاحا أعظم من نجاح "كليوباترا"، وبسبب هذا النجاح الكبير حاولت فاطمة أن تدفع أجر المسرحيتين لشوقي، لكنه أصر على أن تكونا هديتين لها.

عزيز المجنون
خلال النجاح الساحق لمسرحية "مجنون ليلى"، فوجئت فاطمة بمخرج المسرحية وزوجها السابق عزيز عيد، يقرر أن يمثل أمامها دور المجنون، فأصابها الذعر، فتساءل مستنكرا رد فعلها: "أحمد علام ليس أفضل مني"، فردت: "لكنه أصغر سنا منك وأنت سنك أكبر من الدور"، فقال لها: "الممثل الايطالي المعروف مانوسيللي أدى دور هاملت وعنده سبعين سنة، وسارة برنار ظلت تمثل غادة الكاميليا إلى أن أصبح عمرها سبعين سنة".
أصر عزيز عيد، على موقفه وسارع بسحب ملابس الشخصية من أحمد علام الذي ثار، وما إن علم أحمد شوقي بذلك حتى هدد بسحب المسرحية من الفرقة، كما هدد الدرعي بالتخلي عن التمويل، ولم تفلح كل هذه التهديدات مع عزيز عيد، وقام بتمثيل دور "المجنون" لمدة أربع ليال فقط، لم يجن فيها سوى الفشل الذريع كما توقع الجميع، خصوصا أن علام، كان يستأجر فرقة شبان يجلسون في الصالة ويصفرون لعزيز كلما ظهر على المسرح، بصورة جعلته في آخر ليلة يؤدي فيها الشخصية يصاب بانهيار عصبي وأخذ يمزق الستائر على المسرح ثم لزم الفراش مريضا، وعندما استنجدت فاطمة بأحمد علام ليعود إلى دوره رفض، فما كان منها انقاذا للموقف إلا أن قامت هي بتمثيل دور "المجنون" بعد أن أسندت دور "ليلى" إلى زينب صدقي، وظلت تقدمه حتى استرضت علام، وعاد من جديد ليجسد دور المجنون على المسرح.
الغريب أن نجاحها في تجسيد دور "المجنون"، شجعها على أن تمثل دور مارك في مسرحية "يوليوس قيصر" ودور "النسر الصغير" في المسرحية التي حملت الاسم نفسه عندما قدمتها بعد ذلك.
لم يمر غضب شوقي، بسبب ما حدث مع مسرحيته "مجنون ليلى" مرور الكرام، فقد ساقه هذا الغضب مع إغراء يوسف وهبي له، الذي غاظه نجاح فاطمة في المسرحيتين وأشعل نار المنافسة بين فرقته وفرقتها، على حد تأكيدها، أن يوافق على تأليف مسرحية شعرية له، فألف له مسرحية "قمبيز" لكنها لم تصادفا نجاحا عند تقديمها، ورغم ذلك استطاع يوسف أن يقنع شوقي بضرورة تأليف مسرحية أخرى، فألف له مسرحية "عنترة" والتي كان حظها من النجاح أسوأ من "قمبيز"، بعدها أقسم شوقي الا يكتب مسرحية بعد ذلك إلا لفاطمة رشدي، وبالفعل لم تنقض بضعة أشهر حتى عاد إليها وبدون مقدمات قال لها: فاطمة.. أنا جبت لك هدية ثالثة، هدية من نوع جديد، "غادة الأندلس".. أول مسرحية أكتبها بالنثر، لتحقق المسرحية بدورها نجاحا مذهلا.
من الحوادث الطريفة التي سردتها فاطمة، في مذكراتها أن أحد طلبة كلية الحقوق الأثرياء والذي أصبح فيما بعد من المشاهير، وقع في غرامها، ولأنها في أوج شهرتها لم تكن مقابلتها من الأمور السهلة، فما كان من الطالب إلا أن أرسل لها رسالة يقول فيها بأنه على استعداد لدفع أي مبلغ تطلبه لو حصل على خصلة من شعرها لا يزيد وزنها عن غرام واحد فقط ليحتفظ بها، إلا أن سكرتيرة فاطمة هي التي قامت بفتح الخطاب، فأرادت استغلال العرض، فاتصلت بالطالب المغرم الولهان وطلبت منه الحضور إلى مكتبها، فلما جاء قالت له أنها على استعداد أن تقدم له هذه الخصلة وطلبت منه مبلغا كبيرا، فوافق على شرط أن يأخذ الخصلة من صاحبتها فاطمة رشدي، فلم تجد السكرتيرة مفرا من أن تخبر فاطمة بما حدث، وكانت وقتها بمعية صديقة لها، ما ان سمعت كلام السكرتيرة حتى صرخت بشدة وقالت لها "لا تفعلي لان هذا الشاب يريد أن يعمل لك سحر بخصلة شعرك"، فما كان من فاطمة إلا أن نهرت سكرتيرتها وطالبتها بطرد الطالب فورا، وإن لم يذهب فعليها أن تستدعي الشرطة، وتمر السنوات وتلتقي فاطمة بهذا الطالب بعد أن أصبح محاميا مشهورا، ليؤكد لها أنه كان ينوي عمل سحر لها لكي يتزوجها.

"زليخة" في الأزهر
لم تقتصر فاطمة رشدي، على مؤلفات أحمد شوقي لها، بل اتجهت لتشجيع التأليف المحلي، وعنه تقول: "كان سليمان نجيب في ضنك بوهيميته، وكان صديقا عزيزا لي يستدين من آن لآخر من الدرعي ومني أيضا، وفي يوم جاءنا وقال لنا بعصبيته المعهودة: "سأكتب لكم رواية بما عليّ من ديون لكما" وبالفعل قام بتأليف رواية محلية خفيفة بعنوان "667 زيتون"، أعجبت عزيز عيد، ونجحت عند تقديمها نجاحا مذهلا وكانت من دعامات المسرح المحلي الأساسية. بعد ذلك أرادت أن تقدم مسرحية، بعنوان "زليخة" عن قصة النبي يوسف المعروفة، إلا أنها فوجئت بثورة الأزهر الشريف عليها، ولم يكن أمامها سوى مواجهة مشايخه الثائرين، لكنها لم تفلح في اقناعهم بالتصريح بالرواية، إلا بعد أن قالت لهم بأنها تحفظ القرآن ورتلت أمامهم بعض سوره.
لم تكن تلك الأزمة الأولى مع رجال الدين، فقد سبق أن واجهت أزمة أشد عندما أشهر عزيز عيد، إسلامه حتى يتزوجها، إذ ثار عليها المتزمتون من المسيحيين، وانهالوا عليها بالسب والشتم شفهيا وتحريريا، لذلك لما عرض عليها الدرعي، أن يشهر إسلامه ويتزوجها، قالت له "مستحيل.. اليهود يقتلوني"، فخضع لرغبتها، خصوصا أنه كان يسعى بكل ما يملك من أجل كسب رضاها، حيث تقول: "كان كل همه أن يرضيني، ويعلم أنه لو تركني وهو عجوز، قلما يجد من ترضى به، بينما أنا في انتظاري مليونيرات مثله أو أغنى منه وأصغر سنا، كان الأمر بالنسبة إليه تنازع بقاء".
"يتبع"
آخر الأخبار