الأربعاء 16 يوليو 2025
39°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

"فالس الغراب"... مشاهد سردية حول الحروب والسفر والموت والحياة

Time
الأربعاء 30 يونيو 2021
View
5
السياسة
كتب ـ جمال بخيت:

في مجموعته القصصية "فالس الغراب" الأخيرة، يوظف القاص الأردني يوسف ضمرة أجواء الفانتازيا والغرائبية، حيث الأحداث مزيجٌ من التشكيل والرسم والدراما والخرافة والسخرية السوداء، حيث تقترب القصص من مناخات الكابوسية، وتتحرك ضمن أطر غير واقعية وإن امتلكت منطقها الخاص.
تتسم المجموعة الصادرة عن "الآن ناشرون وموزعون" في عمّان "2021"، بلغة مرنة قادرة على الجمع بين الحقيقة والخيال، وبقدرتها على نقل ما وصفه ضمرة بأنه "مكتوب في مكان ما"، في إشارة إلى الخيط الشفيف الذي يجمع القصص جميعها، وينهلُ من أحداث تكسر أفق التوقع عند القارئ، وتنقله إلى مستويات حسيَّة غير مألوفة.
وتضم المجموعة 33 قصة تتوزع على 150 صفحة وتتنوع في طبيعة المشاهد التي تقدمها، وإن بقيت منتظمة ضمن إطار يمنحها هوية مشتركة، وجاءت أكثر القصص في صفحتين لتقدم صوراً خاطفة تحدثُ فيها المفارقة قبل أن يُختتم المشهد لينتقل القارئ إلى قصة جديدة ومشهد جديد.
يقول السارد في مشهد يجسد أحد مفارقات العالم الفانتازي للمجموعة: "لا أعرف لماذا أصرّت زوجته أن تُدفَن ساقُه الخشبيّة وهي مربوطة بإحكام في ركبته وفخذه! ما الحكمة في ذلك؟ ولماذا لم تستمع إلى من أخبرها أنّ هذه الساق قد تفيد أحدًا يحتاج إليها ولا يملك ثمنها.
لكنّها منذ الليلة الأولى التي أصبحت فيها وحيدة بعد انتهاء مراسم العزاء، استيقظت على صوت تلك الساق تدقُّ الأرض في اتجاه المطبخ، مشت إلى المطبخ وفرحت لأنّها لم ترَ شيئًا، كذلك توقّف الصوت تمامًا، عادت بعد أن قرأت المعوذتين وحاولت النوم، لكنّ الساق الخشبية عادت أيضًا إلى نقر الأرض برتابة ممزوجة بوحشة".
ويقول في مشهد آخر يُظهر الجانب الأسطوري الذي كان له حضور في أكثر من مكان داخل المجموعة: "إنّ الصرخة تأتي من ملاك يرافق الطفل آن الولادة لحراسته، وإنّ الوليد ما إن يخرج إلى الحياة حتى يرى وجه الملاك فيشعر بالخوف ويصرخ.
ربّما لهذا السبب أُشيحُ بوجهي عن الجدار ليلًا حين تتحرّك الظلال، قلت لزوجتي: إنّني لا أريد ستائر للنوافذ، ولا أريد صورًا أو أيّ شيء يُعلَّق على الجدران، وبعد محاورات وسجال وصراخ صمتت زوجتي مكرهة، واضطُرت المسكينة كلّما زارنا أحد أن تقول بعتب كبير إنني أنا الذي أمنعها من تركيب ستائر، وتعليق لوحات وصور وشهادات".
وتظهر صورة الغراب في مشهد ثالث مؤكدة "ثيمة" المجموعة التي تكثر فيها مشاهد الألم والموت والخوف، وهي معانٍ يمكن ربطها بالغراب في الموروث الشعبي الذي ينتمي إليه المؤلف: "لكنّ البناية انهارت صباحًا، ومات الغراب وصاحب البناية في يوم واحد".
وأثناء الحفر ورفع الركام، عثر العمّال على ثعبان ضخم متكوّم في أحد خزّانات المياه، انتقلتُ إلى بناية جديدة، وكان أول ما فعلته أن تفقدتُ خزانات المياه لم يكن ثمة ثعابين في أيٍّ منها، لكنّ الغربان تملأ الحي، ونعيقها يملأ الفضاء.
ومن دون أيّ مقدمات انهارت البناية بعد أسبوعين، نظرت حولي وأنا أراقب الأغربة الجميلة، وأخمّن أيّ البنايات سوف تكون التالية!".
وتنقل القصص كذلك مشاهد تمس الحروب والشيخوخة والسفر والفقد والحنين، وتمزج بين الموت والحياة، والمدن والمقابر، فبدت غنية بالتحولات، وفّاضت بالأسئلة التي تُركت صياغتها واستنتاج إجاباتها للقارئ.
آخر الأخبار