منوعات
فدى جريس: قصصي هي الحياة بحلاوتها ومرارتها... إنها فلسطين
الخميس 14 فبراير 2019
5
السياسة
القاهرة - السيد حسين:تؤكد القاصة الفلسطينية فدى جريس أن الحركة الأدبية داخل فلسطين وخارجها مزدهرة ومفعمة تنتج الكثير رواية وقصة وشعرًا، وهناك كتّاب يطرقون سبلًا جديدة إن كان في التقنيات أو مواضيع الكتابة. وتضيف جريس حينما تقرأ مجموعتها الجديدة"القفص" تعرف علم اليقين ما ينتظرك عند الحاجز العسكري، ما ستشاهده على التلفاز هذه الليلة، ما ستقرأه على صفحات التواصل الاجتماعي. وأنها ليست قصصًا – بل حياة بكل حلاوتها ومراراتها، بأحلامها وإحباطاتها، بجمالها وقبحها. "إنها فلسطين".ما الهاجس الذي يحرك قلمك؟الوطن وأزمته الهاجس الأكبر بالنسبة لي، ولم أكن أعي ذلك أو أفعله عن قصد، بل بمجرد أن بدأت أكتب وجدت قصص الوطن تتدفق إلى الصفحة. كتبت عن فلسطين، عن قراها ومدنها وواقع الحياة المعاش فيها، بتعقيداته وتركيباته. لكني أيضًا كتبت رواية في طور النشر عن امرأة في كندا، وهمومها وحياتها في السياق الغربي والتي يتقاطع الكثير منها، الشخصي، مع همومنا. حياة الإنسان العادي ويومياته هي الخط الأساس الذي يسكنني في الكتابة، منها أنطلق إلى كل التعبيرات التي أريدها.ما قراءتك للمشهد الثقافي والحركة الأدبية اليوم في فلسطين؟لدينا حركة أدبية مزدهرة ومفعمة تنتج الكثير، رواية وقصة وشعرًا، داخل فلسطين وخارجها، وهناك كتّاب يطرقون سبلًا جديدة إن كان في التقنيات أو مواضيع الكتابة. أيضًا نجد حراكًا واسعًا ضمن فئة الكتّاب الشباب التي بدأت تتواجد على الساحة بقوة وتطرح مفاهيم مغايرة لما اعتدناه في السياق الفلسطيني، وهذا جميل يبشر بانعتاقنا من المفاهيم والطرق التقليدية ودخولنا وتجريبنا في مساحات جديدة. من أين جئت إلى القصة القصيرة؟ لم يقع اختياري عليها عنوة، بل وجدتها تفرض نفسها وأنا أكتب، وأذكر أني أنهيت أول قصة كتبتها ونظرت إليها بفرح ممزوج بالدهشة. كنت أريد الإمساك بحدث معين وطرحه بقالب أدبي، ووجدت القصة تعطي من الكثافة والإقحام المباشر السريع وسرعة الحدث ما كنت أبحث عنه.ماذا تعني لك كتابة قصة قصيرة؟أميل إلى هذا اللون الأدبي بسبب إعطائه قالبًا مكثفًا كامل الاحتواء لحدث أو فكرة ما، وتمكين الكاتب من معالجة قضايا كثيرة في كتاب أو مجموعة واحدة، كأنما هي مشاريع لروايات عدة تُختزل وتثير خيال وشهية المتلقي إلى المزيد. سرعة إيصال الحدث ورسم الشخصيات تمتع الكاتب وكذلك القارئ، فهذا اللون يحاكي إلى حد كبير العادة الإنسانية في الحديث اليومي الذي يروي الأحداث بصيغة ومضات مكثفة ينتقل بعدها إلى حدث أو موضوع آخر. أما التحدي فيكمن في إعطاء هذا السرد، القصير مساحة، المعنى والبعد الكافي لئلا يخرج مسطحًا. صدرت مجموعتك القصصية الثالثة "القفص" لماذا هذا العنوان بالذات؟ وما أقرب القصص إلى نفسك ؟لأننا نعيش في قفص بالمعنيين الحرفي والمجازي للكلمة. فالحواجز العسكرية الإسرائيلية تحيط بنا وتشعرنا بأننا في قفص، يُفتح بابه كلما عبرنا الحاجز ببوابته المعدنية كي نخرج، ونعيد الدخول فيه طوعًا ليُغلق علينا حين نعود. وليس متاحًا للجميع الخروج من القفص، فذلك يتعلق بالأوراق الثبوتية التي بحوزة المرء، في واقع سياسي مذل ومهين وبائس. من هنا، نحن في أقفاص مجازية، مسجونون في حالة من الاحتباس السياسي والمعيشي والمجتمعي، تبحث لها عن متنفس وتدق جدران القفص بغير انعتاق.أقرب القصص إلى قلبي ربما تكون "الراتب" فأبو هاني الموظف المحبط الذي يعيش على راتبه "الحكومي" في بلد محتل "حكومته" شكلية وصورية فقط، يعاني من تأخير راتبه باستمرار وفشله في توفير حياة كريمة لأسرته. يتكرر هذا النموذج في شعبنا والشعوب العربية أيضًا، ويمثل الإنسان الذي يصارع في مرارة ظروفنا ويسائل نفسه باستمرار عن الجدوى والوجود.ما نوع الشخصيات التي التقطها حسك وصنعت منها حياة وأبطالا؟هم الناس العاديون. عدد من مراجعات الكتاب لفتت إلى شخوص حكاياتي كونها منّا أو من الناس الذين نصادفهم في حياتنا اليومية، من أقاربنا أو جيراننا أو زملائنا في العمل. وفي هذا السياق كتب الدكتور حنا ناصر، رئيس أمناء جامعة بيرزيت، عن "القفص": تقرأ وتجد نفسك بين السطور. تقرأ وتتعرف على جارك أو جارتك. تقرأ وتتنبه أنك سمعت عن هذا أو ذاك. تقرأ وتتذكر أنك في يوم ما خضت أنت نفسك هذه التجربة. تقرأ وتعرف أن ما تقرأه يجري يوميا تحت الاحتلال المقيت. تقرأ وأنت تعرف علم اليقين ما ينتظرك عند الحاجز العسكري، ما ستشاهده على التلفاز هذه الليلة، ما ستقرأه على صفحات التواصل الاجتماعي. باختصار تقرأ القصص وتعرف أنها ليست قصصًا – بل حياة بكل حلاواتها ومراراتها، بأحلامها وإحباطاتها، بجمالها وقبحها. "إنها فلسطين".ماذا عن تجربتك ومشاركتك في كتاب "مملكة الزيتون والرماد... خمسون عاما من الاحتلال" مع كتاب من جنسيات مختلفة؟هي أول تجربة لي في كتاب باللغة الانكليزية وسعدت بذلك كونه تضمن مقالات لكتّاب عالميين منهم الكاتب البيروي الحائز على جائزة نوبل للآداب ماريو فارغاس يوسا، ووصلت هذه الأنثولوجيا إلى قائمة "الواشنطن بوست" للكتب الأكثر مبيعًا في 2017. حفّزني هذا العمل على إتمام مذكراتي ومذكرات عائلتي التي أكتبها باللغة الانكليزية وهي ثاني عمل مطول لي بعد روايتي الانكليزية التي أسعى إلى نشرها. والرسالة التي ضمّنتها في "مملكة الزيتون والرماد" وكذلك في مذكراتي هي العودة إلى النكبة وتحديدًا إلى وضع السكان الفلسطينيين الذين مكثوا في أرضهم التاريخية وأصبحوا عنوة مواطنين في دولة الاحتلال، والتمييز والاضطهاد الذين يتعرضون له فيها. فالعديد من محافل العالم باتت تعي القضية الفلسطينية كأنما بدأت منذ احتلال 1967، وكأن النكبة مضت وانطوت، لكني أسعى دومًا إلى إعادة الحديث عنها بما ترتب عليها من أمور كبيرة عالقة لا بد من حلّها واسترجاع الفلسطينيين لحقوقهم والتعويض عن الأذى الهائل الذي لحق بهم جرائها.أغلب زميلاتك القاصات مررن إلى الرواية إلا أنت. هل هو خصام مع "ديوان العرب" اليوم، أم وفاء لتلك "الطفلة الأبدية" كما سماها بوزفور؟بشكل ما وجدت نفسي في القصة القصيرة في كتاباتي باللغة العربية، وفي المقال والرواية بالانكليزية. ويبقى أمامي التجريب في هذه الأنماط باللغة الأخرى، أي القصة بالانكليزية وربما الرواية بالعربية، إلا أني لست مشغولة كثيرًا بقالب التقديم ولا أقرر مسبقًا أني أريد كتابة قصة أو رواية. الشكل ببساطة يفرض نفسه بسبب ما أريد أن أكتب، فإذا كان حدثًا مكثفًا فيه عبرة أو طرافة أريد أن أقدّمها بقالب سريع أتجه إلى القصة، وإذا كنت أريد قول أكثر والغوص في قضية معينة أتجه للرواية، وليس فرضًا على الكاتب أن يجرب جميع المساحات إلا فيما يتأتى من رغبته وميوله، فالكتابة في النهاية فعل انتقائي وإبداعي ولا يجب أن توضع لها ما يشبه طقوس المرور التي تفرض على الجميع سلكها.قدرة على التكثيفالبعض يتهم الومضة القصصية بالاستسهال وعدم الاهتمام من قبل كتابها، ماذا تتطلب الومضة؟على العكس من ذلك، يتطلب الأمر الكثير من الحكمة والقدرة على التكثيف والإقصاء في الكتابة، بغية إلقاء الضوء على فكرة وإبــرازها بشكل تصاعدي متسارع ثم الانتهاء منها وهي في ذروتها.وهو ليس بالأمر السهل، فعليك في مساحة صغيرة لا تسمح لك بالإسهاب أن تطرح مكونات العمل السردي من مشهد وحدث وشخوص وتوصلها إلى القارئ بشكل سريع يقحمه داخلها ويبقيه فيها إلى نهايتها، حتى وإن كنت قد أظهرت له هذه النهاية في بداية القصة ثم سردت الأحداث بأسلوب ارتجاعي.ما زالت المعركة بين القصة و الرواية محتدمة، كما يشير بعض النقاد. فهل هذه النظرة واقعية، أم لكلا الجنسين أغراضه ورواده ؟فعلًا، أرى أن النقاش في هذه المسألة عقيما، كالنقاش في الأشكال الموسيقية أو الفنون البصرية المختلفة، فلماذا يترتب علينا أن نختار أفضلية ما لشكل معين وكل منها لها محبّوها وروادها؟ أقرأ الروايات بكثرة أيضًا ولا يعني هذا أن أفضّل القصة أو الرواية، فلكل لونها وأسلوبها ومذاقها الخاص لدى القارئ.هل الكتابة تمرد؟يتوقف ذلك على ما نكتبه. كما لا أحب إقحام لون أدبي معين في "صدر" الكتابة، كذلك لا أستسيغ طرح المرادفات للفعل الأدبي التي تثقله وتجعل منه في بعض الأحيان واجبًا شعاريًا، نحن بأمس الحاجة إلى التخلص منه في عالمنا العربي.الكتابة تمرد وحنين وشوق وألم وغضب وفرح وحزن ورغبة وتأمل وتفكير، هي كل هذه مجتمعة في سياقات مختلفة، هي الفعل الذي يلح علينا لإيصال شيء ما من أفكار أو مشاعر أو هواجس، وكما أنها تستطيع أن تعبر عن التمرد، تعبر أيضًا عن كامل طيف المواضيع الإنسانية.هل يفقد العمل الأدبي الكثير من إبداعه بالترجمة؟مسألة الترجمة تحتاج إلى الحذر والاهتمام في نقل النص أدبيًا بحيث يُبقي على الروح التي كُتب بها، وهذا ليس بالأمر السهل، فثمة صراع معين بين طرحه كما هو وبين تقريب اللغة والأسلوب من اللغة المترجم إليها حتى تحاكي الثقافة اليومية لتلك اللغة وتسهّل على القارئ فهم المضمون المُترجم. وهو خيط رفيع يجب التفكير به مليًا لكل نص.شخصيًا لديّ اهتمام كبير بالترجمة خصوصا أني أكتب باللغتين، وأطمح أن تكون كتاباتي متوفرة بهما ومترجمة بينهما، وأنوي في القريب خوض ترجمة "القفص" بنفسي ولو على سبيل التجربة، إذ أن قلة من الكتًاب تترجم أعمالها بنفسها ويُقال أنه من الأفضل أن يترجمها شخص ما غير الكاتب، الذي يمتلك نظرة للنص تحددها كتباته باللغة الأصلية. لكني أيضًا أرى أن ذلك من شأنه تعميق الترجمة أكثر، لأن كاتب العمل في النهاية هو أكثر من يعرف ما يريد أن يقول من خلاله، لذا أنوي خوض هذه التجربة ورؤية ما يتمخض عنها.