الثلاثاء 01 أكتوبر 2024
33°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الافتتاحية

فقدت الدولة البوصلة فدمرت الفئران سد مأرب

Time
السبت 15 يوليو 2023
View
10
السياسة
البطر بالنعم سبب الفقر، والرفاه الزائد يؤدي إلى الخراب، وليس أدل على ذلك من قصة انهيار سد مأرب الذي تسببت به الفئران، وهي أضعف خلق الله، وكذلك القرارات الخطأ تؤدي إلى فشل الدولة، وفي هذا الشأن هناك حكاية عصافير الدوري التي تسببت في موت 15 مليون نسمة في الصين.
فاليمن كان قديماً أكثر البلاد ازدهاراً، وجنات خضراء، تكفيه محاصيله وتفيض عنه للتصدير إلى المحيط، وهذا دفع بالناس حينها إلى البطر بالنعمة، وباتوا يرفسونها، إذ كانوا يمجدون الغني ويحتقرون الفقير، وساد بينهم الشقاق والخلافات، وانتشرت البدع الدينية، كعبادة الشمس، وترك عبادة الله.
وتروي القصة القرآنية: "لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ"، وبدأت بحفر الفئران حجارة السد، حتى انهار.
ورغم معرفة رجال الدولة حين ذاك هذا الأمر، إلا أنهم لم يفعلوا أي شيء لوقف الانهيار، لأنهم كانوا منشغلين بأنفسهم، وصدق عليهم قول ابن خلدون: "يبلغ فيهم الترف غايته بما تبنقوه (تقلبوا فيه) من النعيم وغضارة العيش، فيصيرون عالة على الدولة"، وأصبح كل منهم يفكر في نفسه، وفي هذا قال: "ويتدبر المقتدر أمر رحيله والغني أمر ثروته ويصبح الكل في حالة تأهب وانتظار ويتحول الوضع إلى مشروعات مهاجرين ويتحول الوطن إلى محطة سفر"، ولهذا حين انهار السد بالسيل العرم تفرق أهل اليمن، وذهبت قصتهم مثلا "وَتَفَرَّقُوا أَيْدِي سَبأ".
كل هذا حدث بسبب عدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وكذلك عدم إعمال العقل في مقاربات منطقية للمشكلات، كما كان يحدث في أوروبا بالعصور الوسطى، إذ كان رجال الكنيسة يقدمون على إيقاع الحرم على من يخالفهم، يحرقونه بالنار، أو الإعدام بالمقصلة، لأن هؤلاء حينها هم الدولة العميقة التي تسيطر على الحكم والناس، فيما هذه القرارات التعسفية قادت إلى حروب أهلية في القارة كلها، والكثير من الثورات.
هناك مثال آخر على سوء القرارات التي تتسبب في انهيار الدولة، كما حدث في الصين عام 1958، إذ لاحظ الزعيم الصيني ماو تسي تونغ أن عصافير الدوري تأكل المحاصيل الزراعية وقضت على معظمها، فأمر شعبه بقتل جميع أنواع الدوري، وقرر صرف مكافأة لكل من يقتل أكبر عدد منها، فتنافس الشعب على ذلك للحصول على المكافأة، لكن بعد حين انتشر الجراد الذي كانت تأكله عصافير الدوري بشكل مأسوي، قاضياً على المحاصيل، فكان ذلك أحد الأسباب الرئيسة لمجاعة الصين الكبرى عام 1961 والتي تسببت في وفاة 15 مليون إنسان بالمجاعة.
حين تفتقد الدول البوصلة يكون خرابها من أضعف خلق الله، ولهذا هناك كثير منها وقعت في شر الرفاه والبطر، والسعي إلى تصوير الناس على أنهم طبقات، وكذلك عدم الأمانة في المحافظة على ثرواتها، ولا شك لنا في بعض الدول العربية، ومنها اليمن والعراق ولبنان وليبيا خير مثال، فهل من يدرك ذلك؟

أحمد الجارالله
آخر الأخبار