الأربعاء 02 أكتوبر 2024
34°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
كل الآراء

فلسفة العقل ما بين الذاتِ والحقيقة (2 من 2)

Time
الأحد 18 يونيو 2023
View
13
السياسة
محمود كرم

...حين تملكُ عقلكَ، تملكُ ذاتكَ وحقيقتك، فمن دون أنْ يكونَ العقل حرَّاً ومستقلاً، أنتَ لا تملكُ ذاتك، وتندرجُ تابعاً ومستسلماً في صورةِ غيرك، فحريّة العقل تمنحكَ حريّة الذات، وتجعلكَ ساعياً إلى حقيقتكَ في التفكير والنّقد والإبداع والتطوّر.
وما تحبّه من عقلكَ هنا، يجعلكَ في الوقت نفسه محبّاً لذاتك وحقيقتك، وتدركُ أنّ الجمال الذي في عقلك، يترجم جمالاً في ذاتك وحقيقتك، وكلّما أخلصتَ لهذا الجمال، تفنّناً وحبّاً وشغفاً، ستدركُ المعنى ناصعاً وخلاّقاً من حريّتك في عقلك وذاتك.
وفي كلّ مستوى من مستويات ذاتكَ المفكّرة والحرَّة والواعِية سترى وميضاً من كلّ ذلك الجمال، يسبقكَ إلى أجمل حقائقكَ في تجلّيات ذاتك المعرفيّة الحرَّة.
وتعرفُ أيضاً أنّ الأمر في هذا الاتّجاه، إنّما يتوقّفُ عليك دائماً، لأنّك أمام ذاتك وحقيقتك أنتَ تبحثُ عن ما يجعلكَ منصرفاً إلى الاهتمام بِحريّتك في عقلك، وكم تزدهر الحريّة هنا في عقلك، لأنّها في ذاتك وحقيقتك تعمل على أنْ تخلقَ ذلك التناغم البديع والملهم مع اختياراتك وأساليبك.
المعرفة في سؤال الذات، هيَ ذاتها المعرفة في سؤال الحقيقة، والعقل بينهما في تفلسفاتهِ المعرفيّة، بوصلتكَ في طريق النّقد والفهم والتبصَّر، وهيَ المعرفة التي تتقصَّد المعنى مِن وجودكَ حرَّاً على قيد الفهم والفعل والتفلسف والتغيير.
لذلك دائماً ما ترى أنّ حاجتكَ إلى التغيير تساوي حاجتكَ إلى الحريّة في ذاتك وحقيقتك، وهذا ما يجعلكَ في اخلاص وتقدير لذاتكَ، وهي تتخلّقُ إبداعاً وتطوّراً في حقيقتها المدركة لفعل التغيير، وإنّك في فعل التغيير، تتلمّسُ بجماليّة تفتّحات عقلك على نوافذ الحريّة.
وفي تلك التّفتّحات الخلاّقة والملهمة، تنشأ قيمة الإنسان المعرفيّة، التي تتلخّص في إمكانيّة العقل الإنسانيّ، إدراك حضوره، وحريّته، وفلسفته في إثارة التساؤلات والتأمّلات والدَّهشات، وهو بذلك لا يتوقّف عن الاهتمام بِحقيقتهِ المدركة للتفكّر والتساؤل، ويعرفُ جليّاً أنّ هذه هيَ طريقتهُ الشّغوفة في اظهار قدرتهِ الفلسفيّة على الاستقلالية والحريّة.
يصدق الإنسان كثيراً أمام ذاته وفي حقيقتهِ، حين يكون كثير الحريّة في عقلهِ وتأمّلاتهِ، وأفكاره وتساؤلاته، إنّه يحضر بالسؤال طريقاً إلى إدراك الحقيقة في ذاته، وإنّه يحضر بالتفلسفِ طريقاً إلى تذوّق الجمال في المعرفة.
وإنّه يحضر بِالحريّة طريقاً إلى استيعاب وجوده، ويحضر بالحبّ طريقاً إلى الشغفِ بحريّتهِ في عقله. إنّه في هذا التّوافق الجماليّ ما بين ذاته وحقيقته، يسعى إلى تحقيق جوهر المعنى من امتلاكهِ عقلاً حرَّاً ومستقلاً، يبدع في تفتيت الأوهام والأفكار البليدة، والمفاهيم الهادمة للتحرَّر والتفكّر والاستقلاليّة.
إنّه هنا يصنع من حقيقتهِ المدركة لحريّتها، عالمه الذي يخلو من ترسبات اليقينيّات الواهمة والأوهام القاتلة، وما يكونُ عليهِ في عالمه، هو بالضبط ما يريدهُ تحديداً.
ولذلك يسعى دائماً إلى أنْ يحصل على ما يعزّز وجود ذاته في حقيقتها الملهمة وفي حريّتها حبّاً، ووعياً وتخلّقاً، واستناداً الى ذلك يرى أنّه لا يكفي أنْ يكونَ خالياً من هيمنة العقل السَّائد ومن سلطة المعتقدات والأدلجات الخانقة، إلاّ إذا كان يستطيع أنْ يذهبَ بِعقلهِ بعيداً في تعزيز قدرتهِ على حماية حريّته وذاته وحقيقته.
وما يدركهُ الإنسان تماماً في فلسفتهِ العقليّة، أنّه ليسَ أمامه إلاّ أنْ يخترع ذاته وحقيقته، وحريّته في مواجهة الواقع البائس، إنّها مهمّته الأكثر استيضاحاً واستدعاءً لوجوده على قيد التفكّر والتفلسفِ والإبداع.
وفي هذا الاختراع يستنطق الحقيقة في أفق التجربة، ويختبر الذات في رحابة الحريّة، ويبتكر الأسلوب في ميدان الفِكر، ويتخلّقُ بالسؤال في مخاض الشّك، ويستدعي المعنى في جمال الفهم، وتبعاً لذلك يدركُ أنّ ما يخترعهُ هنا.
لا تستطيع الأوهام أنْ تسلبَ منه حقيقته وحريّته، ومِن دون هذا المعنى الجماليّ في فلسفةِ اختراعهِ، يعرفُ أنّه سيقع في مهالك الإجابات القطعيّة والنهائيّة والمعتادة، وينتهي به الحال مجددأً إلى المهالكِ ذاتها، ولذلك فإنّ إنسان العقل الفلسفيّ يستطيع أنْ يعرفَ أنّ ما يستخلصه من اختراع ذاته وحقيقته، هو أنّ وعيه في إدراك المعنى من قراره، يتماثلُ جوهريّاً مع وعيه في إدراك المعنى من اختياره، إنّه في هذا البناء الفلسفيّ من الذات إلى الحقيقة، ومن الحقيقة إلى الذات، يستعين كثيراً بتفلسفاتهِ العقليّة في طريق السؤال والحريّة، وإنّه بذلك يحقّق التوافق الخلاّق ما بين ذاته وحقيقته. وانطلاقاً من ذلك أصبح يدركُ أنّه من الضّرورة أنْ يكون واعياً فيما يريد أنْ يعرفه أو يقرَّره أو يختاره أو يغيّره أو يفهمه أو يفعله.

كاتب كويتي

[email protected]
آخر الأخبار