الخميس 15 مايو 2025
33°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

"فلورندة" عجلت بفتح الأندلس ورؤيا طارق بشرته بالنصر

Time
الاثنين 06 مايو 2019
View
5
السياسة
إعداد - محمود خليل:

يقول الفقيه المحدث أبوالعباس القرطبي الأندلسي في كتابه "شارح مختصر صحيح البخاري ومسلم"، عن أسباب سقوط الأندلس في يد الصليبيين" إنما كان ذلك لشيوع الفواحش منهم بالإجماع؛ من شبانهم بالفعل وشيوخهم بالإقرار، فسلط الله عليهم عدوهم إلى أن أزالهم بالكلية".
هذا ما حدث في الأندلس حينما بدأ المسلمون دخولها، كانت بداية دخول المسلمين إليها هي الأسباب نفسها التي أدت إلى خروجهم منها، ليصدق قول الله تعالى في الخلق من الدول والإنسان "كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ"(صدق الله العظيم).
إن الانحلال والتفكك السياسي في الأندلس، بعد الخلافة الأموية بقرطبة، أنشأت ممالك طوائف متعددة، يستقل فيها الحكام بما كانوا يحكمون، تتنافس بينها، فأتاحت الفرصة للصليبيين للإغارة على تلك الممالك واحدة تلو أخرى حتى تم طرد المسلمين من بلادهم.
هذه الدراسة ليست تأريخا لوجود المسلمين في الأندلس، أي أنها ليست دراسة سياسية تهتم بكيفية الفتح، انتصارات المسلمين، سيرة وسياسة الحكام والملوك، لكنها إطلالة على المخفي أو ما لا يعلمه كثيرون عن حياة المجتمع الإسلامي في الأندلس، إنها دراسة عن الإنسان الأندلسي المسلم.

في العام 86 هجرية، في حكم الوليد بن عبد الملك الأموي، تولى موسى بن نصير أمور بلاد المغرب، فأخضع البربر ونشر الأمن في ربوعها، وفتح طنجة، وعاد بعدها إلى القيروان، بعدما ترك بها حامية يقودها مولاه طارق بن زياد، الذي عهد إليه بالعمل على نشر الإسلام في المنطقة، من ثم بدأت أنظاره تتجه نحو أسبانيا.
علم طارق أن ميناء سبتة على مقربة منه فتحرك نحوه، كان حاكمها "يليان" تحرر من سلطان الدولة البيزنطية، أصبح حاكما مستقلا لسبتة وما حولها، لكنه شعر بالخوف تجاه القوة الجديدة "المسلمين"، التي باتت على مقربة من ملكه، أحس بقوتهم وضغطهم عليه، فحاول كسب ودِ طارق بن زياد، الذي كان يتطلع لفتح الأندلس، التي كان يراها من على الجانب الآخر من الممر البحرى الذي أطلق عليه اسمه فيما بعد، مضيق جبل طارق. أما الأندلس فقد كان يحكمها القوط منذ العام 507 م، كانت مقسمة إلى دوقيات، يحكم كل منها دوق، يخضع للملك في طليطلة، انقسم المجتمع فيها إلى طبقات عدة، طبقة الأشراف وتضم أصحاب الأموال والمناصب، حكام الولايات والمدن، الإقطاعيين، ثم طبقة رجال الدين مالكو الضياع، ثم طبقة المستخدمين التي تضم حاشية الملك وموظفي الدولة، ثم الطبقة الوسـطى التي تتكون من الزراع، والتجار، والحرفيين، ثم تأتي الطبقة الدنيا التي تضم الفلاحين، المحاربين، وباقي الحرف الهامشية. وقد مات أكثر من نصـف سكانها في الوباء الذي اجتاحها أعوام 88، 89، 90 هـ.
كانت الأندلس وقتئذ تغوص في الفتن والصراعات السياسية، انقسمت إلى دوقيات، تماما مثلما انقسمت في أواخر عهد المسلمين بها، ومثلما تحالف بعض حكام الدويلات الإسلامية في نهاية العهد الإسلامي بالأندلس مع أعداء المسلمين لتحقيق انتصارات على بعضهم البعض، أو اتقاء لشر الملوك الصليبيين، فإن "يليان"، دعا طارق لغزو الأندلس، انتقاما لـ "شرف" ابنته الجميلة "فلورندة" التي كان أرسلها إلى قصر "لذريق"، ملك طليطلة، لتتأدب، وتنشأ فيه أسوة بغيرها من بنات القوط وقتئذ.
المثير أن لذريق طمع فيها ونال منها، فكتبت إلى أبيها سرا بما فعله بها، تقول الروايات أن "يليان" ركب بحر الزقاق من سبتة، فوصل الأندلس وأقبل على الملك في قصره بطليطلة، فاستغرب الملك قدومه، وسأله: ما جاء بك في هذا الوقت العصيب؟
قال له: مرض زوجتى الشديد، إنها لفي شوق إلى رؤية ابنتها، تتلهف لقائها قبل أن تموت. استجاب لذريق ورد إليه ابنته بعد أن طلب منها كتمان ما حدث منه معها، مجزلا لها وله العطاء،
لذا فكر "يليان" في الانتقام من لذريق، فاتصل بطارق وزين له فتح الأندلس، بل زار موسى بن نصـير في القيروان لإقناعـه بسهولة الفتح، غير أنه شك في أقواله وغرضه فطلب منه القيام بغارة سريعة، والعودة إليه مرة أخرى ليطمئن لأقواله، فأغار على تخوم الأندلس وعاد محملا بالغنائم. تلك إحدى الروايات غير المؤكدة عن فتح الأندلس، لكن المعلوم أن طارق بن زياد كان يرغب في العبور إلى الجهة الأخرى من البحر منذ وصل طنجة، لم يكن ينتظر مساعدة يليان" أو غيره من الحكام الصليبيين.
كتب موسى إلى الخليفة "الوليد" الأموي بدمشق يستأذن في فتح الأندلس، فرد عليه بقوله: خضها بالسرايا حتى تختبرها، ولا تغرر بالمسلمين في بحر شديد الأهوال، فكتب إليه موسى: إنه ليس ببحر وإنما هو خليج يكاد الناظر أن يرى ما خلفه.
رد الخليفة: وإن كان، فاختبره بالسرايا.
أرسل موسى مولاه "طريف" في مئة فارس وأربعين رجلا، في مهمة استطلاعية، إذ جاز الممر البحري في أربعة مراكب، نزل المسلمون في جزيرة صغيرة على مقربة من المكان الذي حمل اسم "طريف" فيما بعد، فقام بسلسلة من الغارات السريعة على الساحل غنموا فيها كثيرًا، مما شجع موسى، فكلف "طارق بن زياد" بالفتح فجهز سبعة آلاف من المسلمين، غالبيتهم من البربر "الأمازيغ".

رؤيا الفتح
تقول الروايات إن طارقا بينما كان في عرض المضيق على رأس سفينته أخذته سنة من النوم، فرأى النبي، صلى الله عليه وسلم، وحوله المهاجرون والأنصار، تقلدوا السيوف، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا طارق تقدم لشأنك.
فهب مستبشرا بالفتح، ولما نزل طارق إلى أرض الأندلس جاءته امرأة عجوز من أهل الجزيرة الخضراء، أخبرته إن زوجها كان له علم بأخبار الزمان، كان يحدثهم عن أمير يدخل بلدهم هذا فيتغلب عليه، يصفه بأنه ضخم الهامة، وقالت له: أنت كذلك، منها أن في كتفه الأيسر شامة عليها شعر فإن كانت فيك فأنت هو، فكشف ثوبه فإذا بالشامة في كتفه على ما ذكرت، فاستبشر ومن معه.
كان لذريق فى ذلك الوقت مشغولا بإخماد ثورة في الشمال، فلما علم بنزول المسلمين جمع جيشا من سبعين ألف مقاتل، ويقال مئة ألف مقاتل، بينما سار طارقا باتجاه قرطبة حتى وصل لوادي بكة، "لكة فيما بعد"، بينما وصل لذريق قرطبة واستعد للموقعة في سهل البرباط.
أرسل طارق يطلب المدد من موسى، فأرسل إليه خمسة آلاف من خيرة الجنود يقودهم طريف، فيهم عدد كبير من العرب، انضموا إلى طارقً قبيل المعركة، أصبح عدد قوات المسلمين اثني عشر ألفًا، فخطب فيهم مشجعا إياهم على الجهاد، بينما استعد لذريق لملاقاته، وولى ولدي "غيطشة"، الذي غدر به من قبل، على ميمنته وميسرته.
قرر أولاد غيطشة، قبيل المعركة، الغدر بلذريق، فأرسلوا إلى طارق يعلمونه أن لذريق كان تابعا وخادما لأبيهم، فغلبهم على سلطانه بعد مهلكه، وسألوه الأمان، على أن يميلوا إليه عند اللقاء، وأن يسلم إليهم إذا ظفر ضياع والدهم بالأندلس كلها، وافق طارق وعاهدهم عليه.
أرسل لذريق رجلا من أصحابه ليعاين له جيش المسلمين، فلما عاد قال له: خذ على نفسك، فقد جاءك منهم من لا يريد إلا الموت، أو إصابة ما تحت قدميك.

الفتح والنصر
بدأ القتال يوم الأحد 28 من رمضان سنة 92 هجرية، فأظهر فرسان القوط مقدرة عظيمة أول المعركة، ثبتوا لضغط المسلمين، بينما أخذ يليان ورجاله يخذلون الناس عن لذريق ويصرفونهم عنه، قائلين لهم: إن العرب جاؤوا للقضاء على لذريق فقط، وإنهم إن خذلوا لذريق اليوم صفت لكم الأندلس بعد ذلك. إثر هذا الكلام في جنود القوط فقد كان كثير منهم يكرهون لذريق، فخرج فرسانه من المعركة وتركوه لمصيره، فاضطرب جيشه وفر كثير منهم، خارت قواه، يأس من النصر لما رأى جنده يفرون أو ينضمون للمسلمين، هجم طارق عليه فضربه بسيفه فقتله، قيل إنه جرحه فقط فرمى بنفسه في وادي "لكة" فغرق، وحمل النهر جثته إلى المحيط. اتجه طارق لفتح المدن الرئيسية في الأندلس، ففتح شذونة، مدوّرة، قرمونة، إشبيلية، بينما تجمع عدد من فلول عسكر لذريق فى استجة، فقاتلوا قتالا شديدًا حتى نصر الله المسلمين عليهم، لم يلق المسلمون فيما بعد ذلك مقاومة تذكر، استمر طارق في زحفه، حتى انتهى إلى طليطلة وتمكن من فتحها. استغاث طارق، في شهر رمضان سنة 93هـ، بموسى طالبا مددا، فعبر إليه بجيش قوامه ثمانية عشر ألفًا، ففتح مدن شذونة، قرمونة، إشبيلية، ماردة، ثم التقى طارق ووبخه على توغله أكثر ما ينبغي، لأن خطوط مواصلاتهم في خطر، غير إن تلك المعارك جعلت المسلمين يبقون في الأندلس ثمانية قرون بنوا خلالها حضارة عظيمة كانت منارة لأوروبا كلها، وظل الأثر الإسلامي العربي في أسبانيا حتى اليوم.
آخر الأخبار