محمد الفوزانتوقف القطار في إحدى المحطات بمدينة بوسطن الأميركية وترجل منه زوجان يرتديان ملابس بسيطة، وتوجها مباشرة إلى مكتب رئيس"جامعة هارفارد"، ولم يكونا قد حصلا على موعد مسبق. قالت مديرة مكتب رئيس الجامعة للزوجين القرويين:"الرئيس مشغول جدا، ولن يستطيع مقابلتكما قريبا، لكن سرعان ما جاءها رد السيدة الريفية التي قالت بثقة:" سوف ننتظره.وظل الزوجان ينتظران ساعات طويلة، أهملتهما خلالها السكرتيرة تماما، على أمل أن يفقدا الأمل والحماسة البادية على وجهيهما وينصرفا، لكنهما انتظرا طويلاً، فقد حضرا، فيما يبدو، لأمر مهم جدا.ومع انقضاء الوقت، وإصرارهما، بدأ غضب السكرتيرة يتصاعد، فقررت مقاطعة رئيسها، ورجته أن يقابلهما لبضع دقائق لعلهما يرحلان.هز الرئيس رأسه، وبدت عليه علامات الاستياء، لكنه وافق على رؤيتهما لبضع دقائق لكي يضطرا للرحيل. عندما دخل الزوجان مكتب الرئيس، قالت له السيدة إنه كان لهما ولد درس في"هارفارد" لمدة عام، لكنه توفي في حادث، وبما أنه كان سعيدا خلال الفترة التي قضاها في هذه الجامعة العريقة، فقد قررا تقديم تبرع للجامعة لتخليد اسم ابنهما.لم يتأثر الرئيس كثيراً لما قالته السيدة، بل رد بخشونة:" سيدتي، لا يمكننا أن نقيم مبنى ونخلد ذكرى كل من درس في "هارفارد" ثم توفي، وإلا تحولت الجامعة غابة من المباني والنصب التذكارية". هنا ردت السيدة:" نحن لا نرغب في وضع تمثال، بل نريد أن نهب مبنى يحمل اسمه لجامعة "هارفارد". فرمق بعينين غاضبتين ذلك الثوب القطني والبذلة المتهالكة ورد بسخرية:" هل لديكما فكرة كم يكلف بناء مثل هذا المبنى؟ لقد كلفتنا مباني الجامعة ما يربو على سبعة ملايين ونصف المليون دولار".هنا ساد الصمت برهة، ظن خلالها الرئيس أن بإمكانه الآن أن يتخلص من الزوجين، ثم استدارت السيدة وقالت لزوجها:" سيد ستانفورد، ما دامت هذه هي تكلفة إنشاء جامعة كاملة فلماذا لا ننشئ جامعة جديدة تحمل اسم ابننا"؟هز الزوج رأسه موافقا، غادر الزوجان ليلند ستانفورد وجين ستانفورد، وسط ذهول وخيبة الرئيس، وسافرا إلى كاليفورنيا حيث أسسا جامعة "ستانفورد "العريقة، التي ما زالت تحمل اسم عائلتهما، وتخلد ذكرى ابنهما الذي لم يكن يساوي شيئا لرئيس جامعة "هارفارد"، حدث هذا عام 1884.وهذه قصة حقيقية رواها مالكوم فوربز، ومازال اسم عائلة "ستانفورد" منقوشًا في ساحات ومباني الجامعة.أحيانا قد نتخذ قرارات نحسبها ضدنا، فنكتشف أنها في الحقيقة باب كبير لخير جاءنا "فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا"(النساء:19).وكذلك عدم الاهتمام والإنصات للآخرين واللامبالاة في معرفة التفاصيل بدقة ودراستها هو خطأ فادح نقع فيه عندما نريد أن نتخذ قرارات مصيرية في حياتنا، فكم مشروعا تجاريا فشل، وكم قرارا اتخذ بتسرّع فكانت العواقب وخيمة بسبب عدم الاهتمام بالتفاصيل واستيعابها، وقديماً الحكماء قالوا:" إذا فات الفوت ماينفع الصوت"، وقالوا أيضاً:" سبق السيف العذل".كذلك لا تحكم على الآخرين بسبب مظهرهم ومايلبسون أو المركبات التي تُقِلهم،"مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ: مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟ فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ، هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ، هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لا يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لا يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا".وشعر جميل حكيم لكثيّر عزّة يصور مثل هذه الحال:"ترى الرجل النحيف فتزدريه وفي أثوابه أسدٌ هصورُويعجبك الطرير إذا تراه فيُخلف ظنَّك الرجلُ الطريرُضعاف الأُسْد أكثرها زئيرا وأصرمها اللواتي لا تزير"إمام وخطيب
[email protected]