قاعة "مرايا" السعودية... عمل معماري استثنائي يحاكي الطبيعة

كتب - أندريا لوريا:

حتى الآن تحدثنا في هذا العمود عن المتاحف الفائقة العربية فقط في العديد من الدول العربية، مثل الإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر وكذلك في مصر.
اليوم لن أصف متحفًا عربيًا كبيرًا، لكنني سأخبركم عن مبنى ليس متحفًا ولكنه بالتأكيد عمل معماري استثنائي ومعلم لا يصدق. سنقوم اليوم بتحليل قاعة مرايا للحفلات الموسيقية في المملكة العربية السعودية.
كجزء من المناظر الطبيعية المنعكسة نجد قاعة مرايا للحفلات الموسيقية المذهلة متعددة الأغراض في العلا في شمال غرب المملكة العربية السعودية، مفترق طرق للحضارات القديمة مع 20,000 عام من التاريخ، وتهدف إلى أن تصبح مركزًا ثقافيًا للأحداث والحفلات الموسيقية والعروض الإقليمية والعالمية.إن عمودي في صحيفة عرب تايمز هو بعنوان "من إيطاليا إلى العالم" وبصفتي مؤرخًا إيطاليًا للفن يدرس الدول العربية، فإنني مهتم بشكل خاص بالكتابة عن قاعة مرايا للحفلات الموسيقية. "مرايا" التي تعني المرآة باللغة العربية لها قلب يتكلم الإيطالية وأنا فخور بذلك.
تم تصميم الهيكل في الواقع من قبل "فلوريان بوجي" Florian Boje من استوديو "جيو فورما" Giò Forma للتصميم في ميلانو، مستوحى من المناظر الطبيعية التي يقع فيها، تمامًا كما ألهمت الطبيعة الهندسة المعمارية والفن للعديد من الحضارات من عصر الأنباط حتى ايامنا. استوديو التصميم "جيو فورما" Giò Forma، هو شركة معمارية مقرها ميلانو أسستها كريستيانا بيكو وفلوريان بوجي وكلاوديو سانتوتشي، وقد أثبتت بوضوح أنها تأخذ عملها على محمل الجد؛ كما قاموا بتصميم شجرة الحياة لمعرض إكسبو ميلان 2015، قاد أيضًا الإيطاليان ماسيمو فوجلياتي وفابيو بافانيتو من شركة بلاك انجنيرنج Black Engineering إلى إدارة مشروع قاعة مرايا للحفلات الموسيقية. لقد أصبح مكعب ضخم من المرايا جزءًا من المناظر الطبيعية الرائعة للعلا في المملكة العربية السعودية، مفترق طرق للحضارات القديمة، واليوم مرجع عالمي جديد للأحداث والحفلات الموسيقية والاجتماعات.
مرايا هي قطعة فنية مذهلة تقع في وادي الصحراء في وادي عشار. صُمم المبنى ليندمج مع المناظر الطبيعية المحيطة وهو يرتفع من الرمال مثل السراب. تعتبر قاعة مرايا للحفلات الموسيقية في الواقع واحدة من عجائب الدنيا المعمارية: 9740 مترًا مربعًا من المرايا، التي توفرها شركة جارديان جلاس Guardian Glass، تغطي الهيكل المكعب وتعكس المناظر الطبيعية الشاسعة والساحرة في العلا، وهو الموقع التاريخي الأول للمملكة العربية السعودية، الذي يتم ترشيحه من قبل موقع اليونسكو للتراث العالمي. سجل المسرح الذي يبلغ ارتفاعه 26 مترًا رقمًا قياسيًا في موسوعة غينيس للأرقام القياسية في عام 2019 كأكبر مبنى عاكس في العالم.
إن تصميم وبناء مبنى في مثل هذا المكان تحديدا ليس بالمهمة السهلة، خاصة إذا كنت تصمم مبنى مرآة جريئًا يمثل معلمًا قويًا. نحن في منطقة ذات قيمة أثرية وخلابة هائلة وهو وادٍ يسمى وادي القرى في منطقة العلا، والمعروف باسم "بتراء المملكة العربية السعودية" لوجود آثار من الإمبراطورية النبطية.
كما يجب القول أن اختيار المرايا رائع لسببين؛ الأول هو أن المبنى نفسه ليس تدخليًا للغاية في المنطقة وبهذه الطريقة يؤكد احترامه للمنطقة، والثاني هو أن المبنى الذي يعكس المناظر الطبيعية يصبح مسرحًا للبيئة المحيطة وهو عامل الجذب الحقيقي. يعدّ تصميم الديكورات الداخلية، بما في ذلك الردهة ومنطقة الصالة وصندوق كبار الشخصيات في قاعة الحفلات الموسيقية، أمرًا ضروريًا إلى حد ما. كان الاختيار هنا هو استخدام المواد المحلية (خاصة الحجر) قدر الإمكان، لاستحضار مبنى منحوت من الصخر بيد الإنسان والرياح.
يبلغ ارتفاع القاعة 26 مترًا، مما يعني أنه يمكن تحريك خشبة المسرح تمامًا كما هو الحال في دور الأوبرا الرائدة في العالم. وتضم القاعة الرئيسية 500 مقعدًا، إلى جانب خمسة صناديق تتسع لما يصل إلى 60 ضيفًا إضافيًا.
يمكن فتح خلفية المسرح العملاق (50 × 20 م) المصممة كأنها نافذة قابلة للسحب بمساحة 800 م 2 للكشف عن التكوينات الصخرية، والتي تُضاء ليلاً وتنتج انعكاسات ملونة. تأثير المنظر لا يصدق. وتشمل المرافق الأخرى تراسًا على السطح ومركزًا للمؤتمرات ومساحة عرض (تحتوي على عمل فني مجسم يدعى "غرفة لا متناهية" بواسطة Yayoi Kusama) ومطعم. فمن مطعم الشرفة الموجود على السطح، يمكن للزوار الاستمتاع بمشاهدة التغير الدائم للضوء على الوادي المحيط، في أي ساعة من النهار والليل. إن قاعة مرايا للحفلات، عبارة عن مبنى غير عادي تم بناؤه في موقع طبيعي رائع، ولكنه يقع على بعد 1000 كيلومتر من العاصمة الرياض، ولا يمكن الوصول إليه بسهولة.
أدرك أن قاعة الحفلات الموسيقية قد تم بناؤها هنا لتطوير الاقتصاد المحلي، مما ينتج عنه أعمال تجارية للسكان المحليين، مما يخلق مكانًا مثاليًا لاستضافة الأحداث المحلية والدولية. فالمنطقة تريد أن تكون الوجهة المختارة للفنانين، للاستلهام من منطقة تسلط الضوء على بقايا الحضارات، التي سكنتها على مر القرون وتؤكد على أهمية العمارة والفن في تطوير ثقافة جميع الأعمار.
ومن أجل تطوير إمكانات مبنى استثنائي مثل قاعة مرايا للحفلات الموسيقية، يجب أن يقع بالقرب من العاصمة، حيث يمكن تصميم مباني بارزة أخرى مثل متحف فائق يصممه نجم معماري شهير. وبهذه الطريقة يمكن تطوير منطقة ثقافية، مثل المنطقة الثقافية في جزيرة السعديات في أبو ظبي مع إمكانات ثقافية وفنية واقتصادية ضخمة.
ومع ذلك لا بد من القول إنه لا يمكن إنكار أن قاعة مرايا للحفلات الموسيقية، هي قطعة معمارية معاصرة مثيرة للاهتمام للغاية. تم إنشاء مثل هذا المعلم القوي بالنظر إلى الموقع، مع احترام طبيعة الصخور المحلية المجزأة و"النحت" من الكتل الصلبة.
هذا المبنى السعودي فريد من نوعه، ويقودنا إلى التفكير في البيئة الجيولوجية الواضحة التي ينغمس فيها، وفي التجريد القوي للمناظر الطبيعية المحيطة، والتوغلات غير العادية للإنسان في المناظر الطبيعية.
فقد استخدمت المرايا نفسها كلوحة فنية معاصرة، تعكس التراث الرائع للمنطقة. في الوقت نفسه تعطي انعكاسات مبنى المرايا إحساسًا بالتوازن: ارتباط عميق للتراث البشري بالطبيعة والعالم.
وما يثير اهتمامي بشكل خاص في قاعة مرايا للحفلات الموسيقية هو أن هذا المبنى، بمراياه من جانب واحد، لا يلوث جمال المنطقة، ولكن في الوقت نفسه يغيّر هذا البناء المنطقة، التي تم بناؤه فيها إلى الأبد، مما يخلق الواقع الميتافيزيقي الفريد من نوعه، كما هو المكان الذي يقع فيه.




الكاتب والمترجم

بروفيسور أندريا لوريا... عالم آثار إيطالي تخرج في أكاديمية الفنون الجميلة في روما. وحاصل أيضًا على درجة في تاريخ الفن من جامعة روما تري في روما . ويحاضر لطلبة الماجستير في علم المتاحف في جامعتي تور فيرغاتا في روما وجامعة تمبل الأميركية (حرم روما الجامعي) .
وفي عام 2020 ، أصبح مؤلفًا منشورًا لكتاب: "من عصر النهضة إلى المتحف المعاصر" وهو أيضًا يعد دليل محاضراته. ومجال بحث لوريا هو ظاهرة المتاحف الفائقة مع اهتمام خاص بالدول العربية مقارنة بالعالم الغربي. الترجمة العربية: المعمارية المصرية ايلاريا عبد المسيح.