الأحد 27 أبريل 2025
25°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأخيرة

قصة المثل "حكم قراقوش "

Time
الخميس 24 يناير 2019
View
1400
السياسة
محمد الفوزان

يقال في بعض أمثالنا العربية عندما يحكم حاكم بحكم ظالم وغريب، بأنه"حكم قراقوش"، و من الروايات التي تنقل انه صدر حكم بشنق رجل قصير القامة، ولما رأى قراقوش ان الحبل لا يصل لرقبة الرجل القصير،أمر بإحضار رجل طويل القامة وشنقه بدلا منه. لكن من هذا القراقوش؟ وهل هو شخصية حقيقية أم مجرد روايات؟
يذكر ابن كثير في كتابه "البداية و النهاية" ج 12 ص 337 - 338 عن قراقوش أنه كان والي صلاح الدين الأيوبي على عكا، وأنه كان أميرا وعالما فقيها، إلا أنه كرّس نفسه للخدمة الإدارية والعسكرية.
ومن طريف الحوادث التي مرت معه في صراعه مع الصليبيين أنه في أول شعبان عام 586 هـ كتب إلى السلطان صلاح الدين يُعلمه أنه لم يبق من الأقوات في المدينة بعد ليلة النصف الأول من شعبان. فلما وصل الكتاب إلى صلاح الدين أخفاه لئلا يشيع الأمر ويستغل الفرنجة الفرصة فيهاجمون المدينة. ثم جهز ثلاثة مراكب من بيروت بزي الفرنج،حتى أنهم حَلَقوا وشدواالزنانيرواستصحبوا شيئا من الخنازير. فلما مروا على مراكب الفرنج اعتقدوا أنهم منهم و لم يعترضوا سبيلهم.
و كان قراقوش من أروع القادة وأشجعهم. و لقد وقع مرة في الأسر فافتديَ بعشرة آلاف دينار و فرح به صلاح الدين فرحا شديدا. و من مآثره بناء سورالقاهرة و قلعة الجبل فيها. ( قلعة صلاح الدين عند سفح المقطم ). ويبدوأن سياسته في القاهرة كانت حكيمة وحازمة في إزالة آثار الفاطميين وتضييق الخناق على بقاياهم. لذلك لم يجدوا سبيلا لمحاربته إلا بالإشاعات وتشويه السمعة، حيث وضعوا عنه كتابا أسموه "كتاب الفاشوش في أحكام قراقوش" وضعه الأسعد بن مماتي، وهو كاتب وأديب، وأحد علماء الجغرافيا في عصره ومؤرخ مسلم مصري من أهل القرن السادس الهجري، يرجع أصله إلى أسرة ممَّـاتي النصرانية التي تبوأت منزلة رفيعة فى عهد الدولة الفاطمية، وهي أسرة كانت تعيش في أسيوط ثم انتقلت إلى القاهرة للعمل في دواوين الدولة، وقد تبوأ جد الأسعد أبوالمليح مينا منصب مستوفي الدواوين ونال حظوة كبيرة عند الفاطميين، اما أبوه المهذب فقد تولى رئاسة ديوان الجيش وأسلم أثناء ذلك. واعتنق الإسلام في سنة 564هـ، 1169م حينما تولى صلاح الدين الأيوبي حكم مصر. وشغل ابن مماتي منصب رئيس ديواني الجيش والمالية في عهد صلاح الدين وبعض خلفائه من أبنائه.
وقد نسب إلى قراقوش أحكام عجيبة في ولايته، وفيه أشياء يبعد وقوع مثلها منه، والظاهر أنها موضوعة، فإن صلاح الدين كان معتمداً في أحوال المملكة عليه، ولولا وثوقه بمعرفته وكفايته مافوضـها إليه.
قيل أن قراقوش سابق رجلاً بفرس له، فسبقه الرجل بفرسه، فحلف أنه لايُعلفه ثلاثة أيام. فقال له السابق: يا مولاي يموت، فقال له قراقوش: احلف لي أنك إذا علفته ياهذا لاتعلمه أنني دريت بذلك. قيل وأتوه بغلام له ركبدار،أي صاحب الركاب، وقد قَتَل، فقال: اشنقوه. فقيل له: إنه حدادك، وينعل لك الفرس، فإن شنقته انقطعت منه. فنظر قراقوش قبالة بابه لرجل قفاص،أي صانع أقفاص، فقال: ليس لنا بهذا القفاص حاجة. فلما أتوه به، قال: اشنقوا القفاص، وسيبوا الركبدار الحداد الذي ينعل لنا الفرس. قيل:وأتاه شيخ وصبي أمرد، كل منهما يقول: يا مولاي داري! فقال عند ذلك قراقوش للصبي: معك كتاب يشهد لك ؟ فالدار ماتكون إلا للشيخ الكبير، ياصبي ادفع له داره، وإذا صرت في عمر هذا الشيخ الكبير دفع لك الدار. وأتوه بغلام، وفي يده ديك. فقال: ياهذا إن هذا الديك لو نقر عينك لكان يقلعها، ياغلمان، خذوا منه دية عينه. فحلف الغلام ألا يقعد في مدينة يكون حاكمها قراقوش أبدا. حُكي عن قراقوش أنه نشر قميصه، فوقع من على الحبل، فبلغه ذلك، فتصدق بألف درهم، وقال: لو كنت لابسه ووقع بي لانكسرت!. وحُكي أن شخصاً شكا له مماطلة غريمه، فقال له المدين: يامولانا، إني رجل فقير، وإذا حصلت شيئا له، لاأجده، فإذا صـرفته جاء وطالبني. فقال قراقوش: احبسوا صاحب الحق، حتى يصير المديون إذا حصل شيئاً يجد له موضعاً معلوماً، يدفع له فيه. فقال صاحب الحق: تركت أجري على الله، ومضى.
فمن هو قراقوش؟
هوأبو سعيد قراقوش بن عبد الله الأسدي الملقب بهاء الدين،فتى رومي خصي أبيض ولد في بلاد آسيا الوسطى، وفيها عاش فترة طفولته،ثم في ظروف غامضة اتصل بأسد الدين شيركوه عم صلاح الدين، وبعد وفاة شيركوه سنة 564 هـ التحق قراقوش بخدمة صلاح الدين الأيوبي،حيث برزت مواهبه منذ أول يوم تولى فيه صلاح الدين الوزارة في مصر، وتمثل ذلك في سعي قراقوش مع الفقيه عيسى الهكاري لإقناع معارضي تولية صلاح الدين الوزارة، ثم قيام صلاح الدين بتولية قراقوش إدارة القصر الفاطمي الذي كان مصدر إزعاج لصلاح الدين،بسبب ما كان يضمه القصر من حاشية كبيرة زاد نفوذها وأصبحت ذات دور مؤثر في إدارة البلاد،ولم تكن راضية على تعيين صلاح الدين في الوزارة،وقد استطاع قراقوش إدارة القصر بحنكة واقتدار، ثم تولي أمور عكا وعمارة سورها لصد هجمات الصليبيين، تم تكليفه ببناء عدد من القلاع والحصون منها قلعة صلاح الدين بالقاهرة وبناء القناطر الخيرية.
وكان رجلاً مسعودًا، حسن المقاصد، جميل النية، وصاحب همة عالية، فآثاره تدل على ذلك، فهو الذي بنى السور المحيط بالقاهرة، ومصر وما بينهما، وبنى قلعة الجبل، وبنى القناطر التي بالجيزة على طريق الأهرام، وعمّر بالمقس رباطا، وعلى باب الفتوح بظاهر القاهرة خان سبيل، وله وقف كثير لا يعرف مصرفه.
وعندما أخذ صلاح الدين مدينة عكا من الفرنج سلمها إليه، ثم لما عادوا واستولوا عليها وقع أسيرًا في أيديهم، وافدى نفسه منهم بعشرة آلاف دينار في سنة 588هـ، ففرح به السلطان فرحًا شديدًا، وكان له حقوق كثيرة على السطان وعلى الإسلام والمسلمين، واستأذن في المسير إلى دمشق ليحصل مال إقطاعـه فأذن له. وكان صلاح الدين معتمدا عليه في أحوال المملكة، ولولا وثوقه بمعرفته وكفايته مافوضها إليه، وتوفي بالقاهرة سنة 597. رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.
آخر الأخبار