الاثنين 23 سبتمبر 2024
32°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأولى   /   الافتتاحية

قصة والي دمشق والحمار وزوجة الامبراطور الألماني

Time
السبت 13 مايو 2023
View
10
السياسة
أحمد الجارالله

حين يُصبح المواطنُ البسيطُ مُعلماً للمسؤولين، عندها لا بدَّ من إعادة النظر في المنظومة الإدارية التي تحكم أي دولة، ونقول الإدارية؛ لأنها الأصل في فرض النظام، والحفاظ على سمعة الدولة، وهيبتها، وجعلها أمثولة مُتقدمة بين الأمم.
لكن عندما يكونُ هناك من يتزلَّفون للمسؤول، ويسعون إلى جعله أكبر من مسؤولياته، فهؤلاء يُخلخلون أركان المؤسسات، وفي هذا الشأن ثمَّة قصة واقعية نشرتها صحفٌ عربيةٌ في أواخر القرن التاسع عشر، إذ حين زار الامبراطور الألماني غليوم الثاني، دمشق، ضمن جولة في الدولة العثمانية عام 1898، حينها ﺨﺮﺟﺖ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻋﻦ ﺑﻜﺮﺓ أﺑﻴﻬﺎ ﻭﺍﺳﺘﻘﺒﻠﺘﻪ ﺍﺳﺘﻘﺒﺎﻻً حافلاً.
ﺧﻼﻝ ﺍﻻﺳﺘقبال، ﻭﻋﻨﺪ ﻣﺪﺧﻞ ﺍﻟﻘﻠﻌﺔ، ﻻﺣﻈﺖ ﺍﻻﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﺓ ﺯﻭﺟﺔ ﻏﻠﻴﻮﻡ، ﺣﻤﺎﺭﺍً ﺃﺑﻴض ﺟﻤﻴﻼً ﻓﺄﺛﺎﺭ ﺍﻧﺘﺒﺎﻫﻬﺎ، ﻭﻃﻠﺒﺖ ﻣﻦ ﻭﺍلي دمشق حينها ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻋﺎﺻﻢ ﺑﺎﺷﺎ ﺃﻥ ﻳﺄﺗﻴﻬﺎ ﺑﻪ ﻟﻜﻲ ﺗﺄﺧﺬﻩ ﻣﻌﻬﺎ ﺫﻛﺮﻯ ﺇﻟﻰ ﺑﺮﻟﻴﻦ.
ﺭﺍﺡ ﺍﻟﻮﺍﻟﻲ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺤﻤﺎﺭ، ﻭﻛﺎﻥ ﻳُﺪعى أبو ﺍﻟﺨﻴﺮ ﺗﻠﻠﻮ، ﻓﻄﻠﺐ ﺇﻟﻴﻪ ﺇﻫﺪﺍﺀ ﺍﻟﺤﻤﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﺯﻭﺟﺔ ﺍﻻﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭ، ﻓﺎﻋﺘﺬﺭ الرجل، وهو ما أثار غضب ﺍﻟﻮﺍﻟﻲ، فعرض عليه ﺷﺮﺍﺀ ﺍﻟﺤﻤﺎﺭ، إلا أنه تمسَّك بموقفه المُتشدد، رافضاً مبدأ الحديث في موضوع الحمار، وقال للوالي: "ﻳﺎ أﻓﻨﺪﻳﻨﺎ، ﻟﺪﻱَّ ﺳﺘﺔ جياد ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻴﻞ الأصيلة، ﺇﻥ ﺷﺌﺖ ﻗﺪَّﻣﺘﻬﺎ ﻛﻠﻬﺎ إﻟﻰ ﺍﻻﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﺓ هدية باسم الشعب السوري من دون مقابل، ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺤﻤﺎﺭ ﻓﻼ".
ﺍﺳﺘﻐﺮﺏ ﺍﻟﻮﺍﻟﻲ جواب الرجل، ﻭﺳﺄﻟﻪ ﻋﻦ ﺴﺒﺐ إصرار رفضه، فأجاب ﺗﻠﻠﻮ ﻣﺒﺘﺴﻤﺎً: "ﺳﻴﺪﻱ، إﺫﺍ أﺧذﻭﺍ ﺍﻟﺤﻤﺎﺭ إﻟﻰ ﺑﻼﺩﻫﻢ ﺳﺘﻜﺘﺐ ﺟﺮﺍﺋﺪ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋﻨﻪ، ﻭسيسأﻝ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣن أين أتيتم بهذا الحمار؟ ﻓﻴﺮﺩﻭﻥ: "ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺎﻡ"، عندها ﻳُﺼﺒﺢ "ﺍﻟﺤﻤﺎﺭ ﺍﻟﺸﺎﻣﻲ" ﺣﺪﻳﺚ ﻛﻞِّ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﻭﺭﺑﻤﺎ سيكون ﻣُﻌﺮضاً ﻟﻠﺴﺨﺮﻳﺔ، ﻭﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻨﺎﺱ: ﻫﻞ ﻳﻌﻘﻞ أﻥ ﺍﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﺓ أﻟﻤﺎﻧﻴﺎ ﻟﻢ ﺗﺠﺪ ﻓﻲ ﺩﻣﺸﻖ ﻣﺎ ﻳﻌﺠﺒﻬﺎ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺤﻤير؟".
وأردف: "والله يا سيدي ﻟﻦ أقدم هذا الحمار هدية لإمبراطورة ألمانيا، أو أن أﺑﻴﻌﻪ لها حتى لو أعطوني مال قارون".
ﻧﻘﻞ ﺍﻟﻮﺍﻟﻲ رسالة أبوالخير تللو إلى الإﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭ ﻭﺍﻻﻣﺒﺮاﻃﻮﺭﺓ، ﻓﻀﺤﻜﺎ ﻛﺜﻴﺮﺍً، ﻭأُﻋﺠﺒﺎ ﺑﺎﻟﺠﻮﺍﺏ، ﻭﺃﺻﺪﺭ ﺍلإﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭ ﺃﻣﺮﻩ ﺑﻤﻨﺢ ﺗﻠﻠﻮ ﻭﺳﺎﻣﺎً ﺭﻣﺰﻳﺎً لموقفه الشجاع.
في هذه القصة أكثر من عبرة، الأولى: أنَّ الوالي أراد التزلف للامبراطور الضيف؛ كي يُعزِّز مقامه عند السلطان العثماني، وهو لم يفطن إلى أنَّ سمعة بلده أكثر أهمية من مجرد حمار رأى فيه هدية تخدم مصالحه.
الثانية: أن فطنة أبوالخير لم يُقدرها الوالي؛ لأنه بنى موقفه على مصلحته، فيما تللو رأى أن سمعة بلده أهم من هدية رمزية، إهداء الجياد، وبذلك قدَّم ما يُمكن أن يفخر به الألمان كهدية من الشعب السوري؛ لأنَّ الجياد العربية الأصيلة كانت موصوفة في ذلك الزمان.
الثالثة: هناك من يعيرون سمعة بلادهم الكثير من الأهمية، ويعملون على الحفاظ عليها مهما كلف الأمر، فيما في المقابل يعمل الانتهازيون على استغلال كلِّ شيء من أجل بسط نفوذهم، والإثراء، سواء في الخدمات غير المشروعة التي يُقدمونها من خلال مناصبهم، للمُتنفذين أو الأصحاب والخلان، ولمن يعتقدون أنهم دولة عميقة، أو سن قوانين وتشريعات تخدم مصالحهم، حتى لو كانت على حساب البلد.
هذه العبر تنطبق على دول عربية عدة، سعى البعض فيها إلى الاستماتة بالتبعية للخارج والاستقواء به على شعبه ودولته، سواء كان من خلال أحزاب، أو تسويق أفكار الخارج، أو ميليشيات تعمل على تقويض الدولة ونظام الحكم فيها، أو حتى المسؤولين، الذين يرون أنَّ الخلاص في تكديس الثروات من المال العام، فيعملون على إقرار مشاريع يزكم الفسادُ فيها الأنوفَ، ويُحاولون الدفاع عنها بشتى الطرق، وهؤلاء من يبيعون بلادهم، أو كما قال راوي القصة:
"هناك حمير تبيع البلد بما فيه".
آخر الأخبار