الاثنين 12 مايو 2025
30°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأخيرة

قصص الذكاء والفراسة عند العرب

Time
الخميس 19 مايو 2022
View
80
السياسة
محمد الفوزان

كان نزار بن معد بن عدنان، الجد الثامن عشر لنبينا محمد( صلّى الله عليه وسلم)، وهبه الله أربعة أبناء الأول، هو مضر بن نزار، وهو الجد السابع عشر لنبينا محمد، والابن الثاني هو ربيعة أما الابن الثالث، فيدعى إياد، والابن الرابع هو أنمار، ولما اقترب الأجل من والدهم نزار دعاهم جميعًا وأخبرهم أنه يحس بدنو أجله.
وقال لهم أريد أن أخبركم بتركتكم قبل أن أموت، ثم أخذ بيد مضر وأدخله قبة حمراء وقال له تلك القبة لك، وبعدها أخذ ربيعة وقال له: "تلك الفرس السوداء والخيمة السوداء هي لك"، ثم أخذ بيد إياد وقال:" الشمطاء لك"، وبعدها أخذ بيد أنمار وقال:": مجلس القوم وتلك البدرة لك، وإن اختلفتم فاذهبوا إلى الأفعى الجرهمي بنجران يفسر لكم كلامي"، والأفعى الجرهمي هذا كان رجلًا يحكم بين العرب.
توفي والدهم وحدث بينهم خلاف، فقرروا الذهاب إلى الجرهمي باليمن، وفي طريقهم نظر مضر إلى الأرض فلاحظ وجود نبات مرعي، وفي الناحية الأخرى نبات أفضل منه، لكنه غير مرعي، فقال لإخوانه:"إن الجمل الذي رعى هنا أعور، لانه رأى تلك الناحية التي رعى بها ولم ير الأخرى، وهي الأفضل".
وبينما هم يتحدثون نظر ربيعة إلى الأرض وقال:" إن هذا جمل أزور، أي يتحامل على إحدى قوائمه، وعندما يمشي تظهر أثار رجله السليمة من تلك الأخرى المصابة"، وهنا قال أنمار:" إن هذا الجمل أبتر"، اي لا ذيل له، وقال إياد:" إنه جمل شرود لأنه يأكل من كل منطقة، فهو يأكل من هنا وهناك".
وفي طريقهم قابلوا رجلًا يبحث عن بعيره، فسألهم:" أرأيتم بعيرًا شرد مني"؟ فقال مضر:" أهو أعو"؟ قال الرجل:"نعم"، ثم سأل ربيعة:" أهو أزور"؟ اجاب صاحبه:" نعم"، وقال أنمار"أهو أبتر"؟ فقال:" نعم"، ثم سأله إياد" أهو شرود"؟ فقال:" نعم"، واضاف الأعرابي:" أنتم من سرقتم جملي، لقد وصفتم كل ما به".
حينها كانوا قد اقتربوا من نجران فأخذهم الأعرابي إلى القاضي، وهو أبو الأفعى الجرهمي حيث أخبره بما حدث له معهم، فسألهم أبو الأفعى:" لماذا أخذتم بعير هذا الأعرابي"؟ فقالوا:" لم نأخذه"، فقال:"لقد وصفتموه"، فقالوا:" لم نأخذه، لكننا عرفنا صفاته من آثاره".
فقال أبو الأفعى:" وكيف ذلك"؟ فأخبروه بتفسيرهم للأعور لأنه يأكل من ناحية ويترك الناحية الأخرى رغم أنها الأفضل، وأيضًا فسروا الأبتر بأنه ليس له ذيل وقد عرفوا هذا لأن البعر (الروث) كان في منطقة واحدة ولو أن له ذيل لتناثر البعر هنا وهناك.
تعجب الجرهمي وقال:" خلوا سبيلهم فتلك فراسة يهبها الله الى من يشاء"، ثم أخبروه بقصتهم مع أبيهم واختلافهم، فأجابهم:" القبة الحمراء هي كل شيء أحمر من دنانير وجمال حمر لمضر، وكل شيء أسود لربيعة من فرس وأموال وغيرها، وأعطوا إياد أرازل المال، أي الشمطاء، وأعطوا الأموال البيضاء من الفضة والمجلس لأنمار".
وبعد ذلك أمر خادمه باعداد الطعام والشرب لهم، ثم جلس بالقرب من مجلسهم جاعلا ساترا بينه وبينهم كي لا يرونه، ويستمع لهم وهم يأكلون، فسمع ربيعة يقول:" ما رأيت أطيب من هذا اللحم لولا أن أمه غذيت بلبن كلبه"، ثم شرب مضر من إناء أمامه، وقال:" شراب طيب لولا أن كرمته زرعت على قبر"، وقال أنمار:" إن الأفعى الجرهمي من ثراة القوم، وهو سيد، إلا أنه ليس من أبيه".
ثم قال إياد:" والله ما رأينا كلامًا أفضل من كلامنا مع بعضنا بعضا".
فذهب الأفعى الجرهمي الى الراعي وسأله عن الشاة ما قصتها؟ فقال الراعي إن تلك الشاة ولدتها أمها ثم ماتت، ولم تكن لدينا شياة مرضعة فأرضعتها كلبة لنا، ثم سأل الرجل الذي أحضر الشراب عن مصدره فأخبره أنه من كرمة يزرعها على قبر أبيه.
ثم ذهب إلى أمه يسألها عن أبيه وعن حقيقة الأمر وألح عليها، فأخبرته أن أبيه لم يكن ينجب وخافت ذهاب هذا الملك لغيره فحدث ما حدث، ثم عاد إليهم، وقال لهم:" لم تعودوا في حاجة إليّ، لكن الناس جميعا في حاجة إليكم"، فسبحان الله الذي وهبهم وأعلمهم بتلك الأمور فتلك هي الزيادة، وهذا هو عطاء الله الذي ينعم به على من يشاء من عباده.

إمام وخطيب

[email protected]
آخر الأخبار