الثلاثاء 23 سبتمبر 2025
33°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

قوم شعيب

Time
الأحد 05 مايو 2019
السياسة
على مر الأزمنة، تأتي حضارات وتنتهي، لتحل محلها حضارات أخرى، وكم من حضارات زالت ولم يعد لها وجود، وزالت معها اسماؤها وشعوبها، وقد تناول القرآن بعض هذه الحضارات ولولاه لما عرف الكثيرون عنها شيئا، يقول تبارك وتعالى: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ) [القصص 58]. وفي هذه الحلقات اليومية تتناول " السياسة " قصص هذه الحضارات والشعوب التي ذكرها القرآن في آياته الخالدة.
إعداد - نورة حافظ:

"وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ" الأعراف
قبل بعث الرسول عليه الصلاة والسلام، خاتم الرسل والنبيين، كانت الأقوام إذا طال عليها الأمد هجروا وحدانية الله وأفسدوا في الأرض، يرسل الله سبحانه وتعالى نبيا أو رسولا يردهم عن ضلالهم، ويجدد لهم إيمانهم ويذكرهم برحمة الله وعذابه، وقد أرسل الله إلى أهل مدين،وهي أرض تقع بين شمال الحجاز وجنوب الشام، أخاهم في النسب والمودة والتراحم "شعيب" والذي يصعد نسبه إلى خليل الله إبراهيم عليهما السلام، وهم أهل تجارة ورعي للأغنام، وكان في مدين مكان كثيف الأشجار يسمى الأيكة وقيل أنهم عبدوا هذا الشجر، "وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين"الحجر(78).
قال شعيب عليه السلام، هاديا ومرشدا لقومه: يا قوم اعبدوا الله وحده فليس لكم إله غيره قد جاءتكم الحجج المبينة للحق من ربكم، فأوفوا الكيل والميزان في مبادلاتكم ولا تفسدوا في الأرض الصالحة بإفساد الزرع. فقد كان قومه إذا اكتالوا على الناس أخذوا أكثر مما يستحقون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون وينقصون ولا يعطون الناس ما يستحقون فعرفوا بالمطففين، وزادوا على هذا التعامل التجاري الرديء والخلق المذموم، أنهم كانوا يهددون كل سالك لمسالك الهداية والعمل الصالح،"ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين "الأعراف (86)، ولما آمن مع شعيب طائفة من قومه وبقيت طائفة لم تؤمن، قال لهم شعيب: انتظروا حتى يحكم الله بين الفريقين وهو خير الحاكمين، فسخر الضالون منه قائلين: أصلاتك تأمرك أن تحملنا على ترك ما كان يعبد آباؤنا من الأصنام والامتناع عن التصرف في أموالنا كما نريد ونراه في مصلحتنا؟ إنا نراك أصبحت سفيها، وقد كنت المعروف بكثرة الحلم والرشد.
لم ييأس شعيب منهم واستمر في نصحه لقومه، ألا يجعلوا الخلاف بينهم وبينه يقودهم الى العناد والإصرار، وحذرهم بمصير من سبقوهم، قوم نوح أو هود أو صالح وأن عهد لوط ومكان قومه وهلاكهم ليس ببعيد،" ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود" هود(90،89).
لم يزد حلم الله ونبيه شعيب أصحاب النفوس العامرة بالكفر سوى إغراء بالاعتداء والتهديد برجمه بالحجارة،لأنهم يرونه ضعيفا فاقدا للإقناع لولا أنهم يحسبون حسابا لعشيرته، تحسر شعيب على حالهم وأن ما يردهم عنه المجاملة للعشيرة ونسوا أن الله أولى بالمجاملة ولا يخفى عليه خافية، وسبحانه إن نسوه لا ينسى حسابهم، أما القوم فقد يئسوا من شعيب ومن معه وخافوا أن يكثر المهتدون معه فتنكسر شوكتهم،ويظهر أهل الإيمان عليهم، فاتجه كبراؤهم إلى متبوعيهم يهددونهم قائلين: والله إن طاوعتم شعيبا إنكم لخاسرون شرفكم وثروتكم. وهنا استجاب الله لاستغاثة نبيه وحق عليهم العذاب، سقاهم ربهم ألوانا متعددة منه جزاء كبرهم وكفرهم،فأرسل عليهم حرا شديدا سبعة أيام، حتى أن الماء لم يكن ليروي ظمأهم ولا يجدون ما يظلهم من هذا الحر، ثم أرسل الله عليهم غيمة عظيمة، فتنادوا ليستظلوا بها حتى اكتمل عددهم في مكان واحد أمطر الظل عليهم بأمر الله الشرر والنار، ثم أصابتهم رجفة عظيمة زلزلت الأرض من تحتهم وخلعت قلوبهم، فصاروا في ديارهم منكبين على وجوههم لا حياة فيهم، فلما رأى شعيب هلاكهم أعرض عنهم وقال مبرئا نفسه من التقصير: قد أبلغتكم رسالات ربكم المفضية إلى الإحسان إليكم لو عملتم بها وبالغت في إسداء النصح لكم فكيف أحزن على قوم كافرين؟ وما قصر شعيب ولكن قصر الظالمون وتجاهلوا إهلاك من سبقوهم وأوهمهم غرورهم أنهم بمنأى عن العذاب، " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون" الأعراف(96).
آخر الأخبار