الاثنين 15 ديسمبر 2025
16°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

"قيثارة الحب" ليلى مراد يهودية اعتنقت الإسلام بسبب أذان الفجر

Time
الأربعاء 29 أبريل 2020
السياسة
نجمات الشباك


القاهرة ـ آية ياسر:


لم تكن المراهقة ليليان زكي، التي لم تبلغ بعد عامها السادس عشر، تعلم ما تخفيه لها الأقدار من شهرة واسعة وحياة حافلة بالنجومية والمفاجآت، يوم دخلت مبنى الإذاعة المصرية للمرة الأولى، بصحبة والدها المطرب زكي مراد لتسجل أولى أسطواناتها. أصابتها الدهشة حين شاهدت "كوكب الشرق" أم كلثوم، جالسة أمامها تستمع لصوتها العذب في الستديو، أثناء تسجيلها الأغنية في الغرفة الزجاجية، فأحست بالرهبة الممتزجة بالفخر والخوف معًا؛ ووجدت نفسها تتشبث بوالدها خوفًا من الإخفاق طيلة أدائها الأغنية، وتنفست الصعداء حين انهت التسجيل بنجاح. في ذلك اليوم عادت ليليان، إلى البيت في حي السكاكيني بالقاهرة، وإحساسًا بالفخر يغمرها وتحلم بمستقبل واعد، لكنها حتى في خيالها لم تتصور أن مستقبلها يبدأ كنجمة وتشارك الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب بطولة فيلم "يحيا الحب" العام 1937 ليتغير اسمها إلى ليلى مراد وتصبح ألمع نجوم الفن بعدها.


محمد عبدالوهاب قدمها في "يحيا الحب" رغم اعتراض محمد كريم

والدها هاجر وترك الأسرة فتحمَّلت مسؤولية كبيرة منذ صباها

تزوجت ثلاث مرات إحداها في السر... وأنور وجدي حب حياتها

حققت أمنية نجيب الريحاني الأخيرة في "غزل البنات"

اتهمت بالعمالة لصالح إسرائيل وبرأتها تحريات قيادة الثورة

ابتعدت عن الأضواء بشكل غامض وأطلت فجأة مع بليغ حمدي



في عمر مبكر بدأت ليليان الغناء بعد أن ورثت عذوبة الصوت من أبيها المغني والملحن إبراهيم زكي موردخاي (زكي مراد)، صاحب أوبريت "العشرة الطيبة" الذي لحنه الموسيقار سيد درويش، وتعلمت خلال دراستها في مدرستي "سانت آنا" و"نوتردام ديزابوتر" التراتيل الكنسية على يد راهبات المدرستين؛ فكان والدها يصطحبها معه للغناء وإحياء الحفلات.
هذه الرحلات منحتها شهرة محدودة، ولحسن حظها أنها وصلت إلى رائدة السينما المصرية بهيجة حافظ، التي أرادت أن تستعين بصوتها، في فيلم "الضحايا" لتضعها على طريق الشهرة.
لكن الحياة أظهرت قسوتها للفنانة الواعدة ليلى، حيث وجدت نفسها وحيدة في مواجهة العالم، بعد مغادرة أبيها اليهودي ذي الأصول المغاربية في رحلة سفر طويلة إلى خارج البلاد وانقطعت أخباره لسنوات، تاركاً إياها مع أمها جميلة روشو، ذات الأصول البولندية، وأشقائها الأربعة دون عائل، واضطرت ليلى للدراسة في القسم المجاني برهبانية "نوتردام ديزابوتر – الزيتون"، وتعرضت أسرتها للطرد من المنزل بعد نفاد أموالهم؛ فلم تجد ليلى أمامها بدٌ من العمل كمغنية.
في ظل قسوة الحياة وجدت ليليان، من يقف معها وهو الفنان محمد عبدالوهاب، الذي آمن بموهبتها وقدمها في فيلم "يحيا الحب" من بطولته وإنتاجه وغير اسمها إلى ليلى، رغم معارضة محمد كريم مخرج الفيلم، الذي نعتها بالخجولة التي لا تجيد التمثيل، لكن موهبتها الغنائية الطاغية سرعان ما أثبتت خطأ المخرج، حين نجح الفيلم كسائر أفلام عبدالوهاب، وأحبها الجمهور، صوتًا وأداءً لتبدأ مرحلة النجومية.
التقطها المخرج اليهودي توجو مزراحي، ليعيد اكتشافها ويمنحها دورًا إلى جانب الفنان يوسف وهبي، بفيلم "ليلة ممطرة" العام 1939، ثم ابتسمت لها الحياة أكثر فتعاقدت معها الإذاعة المصرية على الغناء مرة أسبوعياً نظير عائد مادي يعينها على نفقات الحياة، وفي أولى حفلات الإذاعة في 6 يوليو 1934، غنت المطربة الشابة موشحًا بعنوان "يا غزالاً زان عينه الكحل".

"أنا قلبي دليلي"
لمعت ليلى مراد، التي اشتهرت بحسنها وملامح وجهها الهادئة وعذوبة صوتها وموهبتها البازغة في التمثيل، وبسرعة الصاروخ انطلقت لتصل إلى ذروة النجاح الفني وتصبح نجمة شباك بامتياز في الأربعينات من القرن الماضي وأهم مطربة تعمل في السينما، ووصل أجر ليلى مراد إلى 17 ألف جنيه عن الفيلم الواحد كصاحبة أعلى أجر. ونتيجة انشغالها بالسينما، انقطعت عن حفلات الإذاعة، ثم عادت إليها مرة أخرى العام 1947؛ حيث أدت أغنيتها الأشهر "أنا قلبي دليلي".
صارت ليلى، واحدةً من ألمع الفنانات، فقد أدت ببراعة أدوارها في 27 فيلمًا سينمائيًا، لتنال إعجاب الجمهور الذي منحها لقب "السندريلا"، لتكون أول نجمة في تاريخ السينما المصرية تحظى بهذا اللقب. وبسبب شهرتها كنجمة شباك سينمائي؛ قام بعض منتجي ومخرجي الأفلام باستعمال اسمها في عناوين أفلامهم، لتكون الفنانة الوحيدة التي سُميت بعض أفلامها باسمها "ليلى بنت الفقراء"، "ليلى بنت الأغنياء"، "ليلى في الظلام"، "ليلى بنت المدارس".

القفص الذهبي
في يوليو 1945، طرق الحب قلب ليلى، فاستسلمت وفتحت له الأبواب على مصراعيها، لتدخل طواعية إلى قفص الزوجية الذهبي، أثناء تصوير فيلم "ليلي بنت الفقراء"، ففي اليوم الأخير من التصوير، فوجئ كل فريق العمل بدعوة مخرج الفيلم أنور وجدي لهم لحضور تصوير المشهد الأخير للفيلم، ولكن المفاجأة أن الدعوة لم تكن سوى لحفل زفاف المخرج والمنتج السينمائي أنور وجدي على بطلة فيلمه اليهودية الديانة ونجمة الشباك ليلى مراد في الستديو ضمن الفيلم والواقع أيضًا.
جاء خبر الزفاف الغريب بمثابة مفاجأة للوسطين الفني والإعلامي، وبعد زفاف النجمين عاشا في عمارة "الإيموبيليا" الشهيرة بوسط القاهرة.
كعادة الأزواج كانت حياة الثنائي الفني الزوجية حافلة بالمد والجزر، عاش الزوجان كلٌ على ديانته، أنور وجدي المسلم وليلى مراد اليهودية، حتى جدّ جديد في شتاء العام 1946.
اعتادت ليلى مراد، سماع الصوت الرخيم للشيخ يؤذّن لصلاة الفجر، سحرتها الطاقة الروحانية في الأذان وأخذت تتأمل الكلمات، ويومًا بعد يوم لم تستطع الصمت وأخبرت زوجها أنور بحبها الشديد للأذان وتعلقها به وأنها تريد معرفة الدين الإسلامي عن قرب، وبعد فترة من الوقت وجدت نفسها تريد تغيير ديانتها اليهودية واعتناق الإسلام، نطقت ليلى بالشهادتين وتطهرت وتوضأت، ثم سجدت شكرا لله وأدت صلاة الفجر.
ذهبت بعدها إلى الشيخ محمود أبو العيون، العالم الأزهري، لتسلم الفنانة أمامه شفهيًا وتطلب منه أن يعلمها أكثر عن الإسلام، قبل أن تقوم بتغيير ديانتها في الأوراق الثبوتية بشكل رسمي، وأشهرت إسلامها في مشيخة الأزهر، بداية رمضان العام 1946.
بعد إشهار إسلامها دام الزواج نحو سبع سنوات، شابته عواصف من شائعات الخيانة ومشاعر الغيرة، وكانت شرارة الخلافات بينهما، حين زاد لمعان اسميهما فنيًا، وأسس أنور وجدي شركة إنتاج خاصة، وقلبه مطمئن إلى أن زوجته نجمة الشباك لن تعمل مع غيره.
يقال إن "الصدفة خيرٌ من ألف ميعاد"، وهذا ما حدث مع ليلى مراد ، حين التقت الفنان الكبير نجيب الريحاني في مصعد "الإيموبيليا" لأنه يقطن العمارة نفسها، وخلال الدقائق التي جمعتهما صارحها الريحاني، برغبته في أن يمثل معها قبل أن يموت.
ابتهجت ليلى، بالعرض السخي وعادت بسرعة إلى زوجها لتخبره بما دار في لقائها مع الريحاني، ولأن وجدي كان صائداً للفرص الثمينة، وكأي منتج ومخرج ذكي قرر أن يستغل شهرة زوجته "ملكة الفيلم الغنائي" وحب الجمهور لـنجيب الريحاني، فوافق فورًا، وبدأ في إنتاج وإخراج فيلم "غزل البنات"، لكن القدر كانت له مشيئة أخرى، لم يكمل الريحاني الفيلم وفارق الحياة قبل تصوير آخر مشهد فيه، ولكن أنور وجدي عكف على تعديل السيناريو، والانتهاء منه، ليحقق نجاحًا كبيرًا، حتى أنه احتل المركز التاسع في قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية.
شاءت الأقدار أيضا أن يقطن الموسيقار الكبير محمد فوزي، في "الإيموبيليا"، بجوار ليلى وزوجها، ونمت بينهما صداقة عميقة، قادت ليلى وفوزي للتمثيل معًا في فيلم "ورد وغرام" العام 1951، وحقق نجاحًا كبيرًا، وكانت من ضمنه العديد من أشهر أغانيهما مثل "شحات الغرام" و"ليا عشم وياك يا جميل". لكن الأمور لم تبق على حالها بين الزوجين؛ فعندما رحبت ليلى، بالتمثيل في أفلام من إنتاج شركات أخرى غضب أنور وجدي، واعتبر ذلك خيانة لأن الشركات تنافسه، وبدأت الشكوك من هنا وهناك ولم يدم معها الزواج طويلًا، وسرعان ما فشل الزواج.
ومثلما تعطي الحياة الوجه الجميل لها تأتي أوقات تكون فيها قاسية، ففي العام 1952 انقلب كل شيء رأسًا على عقب؛ فقد بدأ العام ساخنًا بأحداث دامية في الإسماعيلية، تلتها مظاهرات غاضبة وحريق القاهرة، ثم حركة الضباط الأحرار؛ لتتحول مصر من الملكية إلى الجمهورية، وتتغير الأوضاع كثيراً؛ وأخذت الجاليات الأجنبية والأقليات اليهودية تغادر البلاد، تحت وطأة الشائعات والاتهامات التي تلاحقها بسهام العمالة والتخوين.
ورغم أن ليلى مراد، أشهرت إسلامها قبل الثورة بسنوات عدة؛ إلا أنها كانت تشعر بالرعب لما يحدث حولها، خصوصا أنها يهودية النشأة والصبا والعائلة، وصدق حسها فلم تسلم النجمة الشهيرة من الشائعات والاتهام بالعمالة للعدو؛ فأشاعت عنها بعض الصحف أنها زارت إسرائيل أثناء تواجدها في باريس، وتبرعت لها بمبلغ 50 ألف جنيه.
أصيبت "السندريلا" بالصدمة من تلك الأخبار الكاذبة، وزاد من استيائها أن الجمهورية السورية منعت عرض أفلامها، فحاولت الاتصال باللواء محمد نجيب، رئيس مصر ليساعدها في نفي الشائعة التي أضرتها، رغم أنها دعمت ثورة 23 يوليو، وقدمت عددًا من أغانيها الوطنية الشهيرة مثل "الاتحاد والنظام والعمل"، و"الله عليك يا ابن البلد"، إلا أنها لم تتخيل أن الحياة ستصبح أكثر قسوة؛ لدرجة يتم التحقيق معها من قبل مجلس قيادة الثورة بتهمة العمالة، لكن الملحق المصري في السفارة بباريس وتحقيقات المجلس توصلا إلى أنها بريئة تمامًا من هذه التهمة وأنها لم تزر إسرائيل قط؛ بل كانت في باريس مع طليقها أنور وجدي ليتلقى العلاج خلال صراعه مع المرض.
ورغم براءتها إلا أن التهمة المشينة والتجربة النفسية المرعبة التي مرت بها تركت ندبة عميقة لم تتعاف منها قط، لكنها خلال وقتٍ قصير تزوجت سرًا من عضو مجلس قيادة الثورة وجيه أباظة، بعد ممانعة عائلته العريقة، لترزق منه بولدها أشرف، لكن سرعان ما سقط زواجهما فريسة للطلاق.

اختفاء غامض
تحطمت معنويات ليلى "قيثارة الحب" وكانت تشعر بالخوف والرعب، فلم تجد حلاً غير الزواج للمرة الثالثة من المخرج الكبير فطين عبدالوهاب، بعد زيجتين فاشلتين، وتلاشت آمالها في العودة إلى السينما والغناء، حين أنجبت منه ابنها الثاني زكي، وأصرّ زوجها على إبعادها عن العمل الفني والاستحواذ عليها لتصبح أسرتها محور حياتها معه، التي لم تخل من تعاسة وعذابات نفسية وضغوط فاقت قدرتها على المقاومة.
وبين ليلة وضحاها اختفت نجمة الشباك والمطربة الشهيرة ليلى مراد عن الأضواء وهي في السابعة والثلاثين من عمرها، لتعتزل الفن بطريقة غامضة وهي لا تزال في قمة شهرتها وذروة شبابها، فكان آخر أفلامها في السينما "الحبيب المجهول" العام 1955 مع الفنان حسين صدقي، لكن الحنين إلى السينما راود "السندريلا" من جديد بعد خمس سنوات من اعتزالها، فقامت بمحاولة أخيرة للحصول على دور في عمل سينمائي، لكنها لم تلاقِ سوى صدًا وجفاءً شديدًا لا يتناسب مع تاريخها وشهرتها الواسعة، وأدركت الرسالة بوضوح "لم يعد لي مكان في مصر بعد الثورة". فعادت ليلى بخفي حنين إلى بيت زوجها، تجرجر أذيال الخيبة والحزن، وقررت الاستسلام، واعتزلت الفن إلى الأبد.
اختفت ليلى مراد طويلًا ولم تظهر لجمهورها إلاّ بعدما تلقت دعوة لتكريمها في مهرجان فني بإمارة أبو ظبي العام 1978، وأعقبها دعوة الموسيقار الكبير بليغ حمدي للإطلالة معه على شاشة التلفزيون في برنامج "جديد في جديد"، الذي جرى تصويره في أبوظبي.
حينها تفاجأ الجمهور بالتغيير الكبير في شكل وهيئة الفنانة التي تربعت على عرش الفيلم الغنائي، وأثار اللقاء التساؤلات حولها؛ فهي لم تفصح عن سبب اختفائها ولا عن سبب حضورها المفاجئ، وتناثرت الأقاويل والشائعات عن عزمها العودة للغناء والتمثيل مجددًا.
لكن ليلى، عادت لتختفي مجددا، عقب إطلالتها مع بليغ حمدي، استمرت في رعاية ابنيها حتى بدأ المرض يشتد عليها والحزن يعتصر قلبها لرحيل أحبابها وأصدقائها، فقد رحل أزواجها الثلاثة وصديقها محمد فوزي، قبل أن يرحل مكتشفها محمد عبدالوهاب مطلع التسعينات، أثناء ذلك داهم ليلى مراد "شعور مخيف بالوحدة والفراغ؛ فانتقلت إلى شقة صغيرة في حي غاردن سيتي، وضاعف أحزانها تدهور صحتها، فاضطرت لدخول المستشفى في منتصف التسعينات، متخفية بغطاء عن أعين الناس.

الرحيل
انتهى صراعها مع المرض برحيل المطربة الأشهر في زمانها والنجمة السينمائية الأعلى أجرًا، ذات السبعة والسبعين عامًا، في 21 نوفمبر، مودعة المجد الفني والغنائي، دون أن يعرف أحد الكثير عن غموض حياتها.
أسدل الستار على حياة "قيثارة الحب"، ولم ينس الناس أغنياتها التي بلغت نحو 1200 أغنية، لحنها وكتبها كبار الملحنين والشعراء علاوة على أعمالها السينمائية الباقية في الوجدان، فكرمّ سيرتها واسمها مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بعد رحيلها بثلاث سنوات بمنحها شهادة تقدير تسلمتها عنها الفنانة ليلى علوي، كما أنه في العام 2007 أهدى فريق الفيلم السينمائي "في شقة مصر الجديدة" العمل إلى روح ليلى مراد، بصفتها "صوت الحب لكل الأجيال"، وبعد عامين تم عرض مسلسل "أنا قلبي دليلي" عن حياتها خلال شهر رمضان على معظم القنوات التلفزيونية.








آخر الأخبار