قِصَّةُ مواطنين مع موظفٍ سيئ!

صادفت بعض الموظفين، اخيرا، وتعجّبتُ لماذا الناس تنعتهم بأبشع الصفات، وقلتُ في نفسي النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر المسلمين أن يتناصحوا بالحُسنى، فلماذا لا أنْصحهم أولاً "لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَو يَخشَى".
زرتُ أحدهم في مكتبه، مِمَّن كَثُر الكلام عليه، واشتكى المراجعون منه، وقلت له يا أخي الطيّب هل تعلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهُمَّ مَنْ ولِي من أمْرِ أُمَّتِي شيئًا فَشَقَّ عليهم فاشْقُقْ علَيهِ، ومَنْ ولِيَ من أمرِ أُمَّتِي شيئًا فَرَفَقَ بِهمْ فارْفُقْ بِهِ".
(رواه مسلم في صحيحه)
وإني والله لك ناصحٌ أمين ألا تتعسَّف في استخدام صلاحياتك الوظيفية، ولا تعامل المراجعين بهذهِ النفسيّة، وكأنهم يشحذون منك إنهاء ترخيصهم ومعاملتهم، واعلم يا أخي أنَّهُ من شدَّد على الناسِ شدَّد ﷲُ عليه.
ففوجئت بهِ يقول لي: "إذا لك معاملة عندي تراها ما راح تمشي إلا على جثتي"! اقسم بالله العلي العظيم أن هذهِ هي كانت عبارته لي.
كُنت أحسب أننا في بلد مؤسسات وتحكُمه قوانين، وأن هذا الموظف لن يستطيع إيقاف ترخيصي كما هدّدني، لكن للأسف تبيّن لي أنه كان فِعلاً قادر على إيقاف معاملتي، رغم كل علاقاتي الواسعة مع المسؤولين بالدولة!
بعد أن وصلت معاملتي إلى طريقٍ مسدود، وهي أصلاً معاملة بسيطة وإجراءاتها تنتهي خلال أسبوع واحد فقط، لكنه استطاع إيقافها أكثر من عامٍ كامل، قررتُ أن اتصل بالوزير المعني، وهو من الوزراء الإصلاحيين، وقد أثنيْتُ على جهوده، طلب الوزير مني الذهاب فورا إلى المدير العام، ولما قابلت المدير العام وأخبرته عن اسم ذلك الموظف، فوجئت بهِ يقول لي:
لا تكمّل لي يا أخي المليفي، هذا الموظف مشهورٌ عندنا، ولديه شقيق أيضا أخلاقه نفسها، وكلاهما يسيئان إلى سمعة الوزارة، فأرجوك، ما دام لك علاقة طيبة مع سعادة الوزير اطلب منه أن يُطهِّر الوزارة منهما"!
خرجتُ منه وتواصلت مع سعادة الوزير، فطلب مني استكمال معاملتي عند المدير العام، ولما زُرته، وإذ بي ألتقي برجلٍ فاضلةٌ أَخَلاقهُ، سمحٌ وجههٌ، حُلْوٌ مَبْسَمُهُ، سهلٌ طيبٌ، لذيذُ الكَلام، وما إن أعْطَيْتُه معاملتي وقَصَصْتُ لهُ قِصّتي، حتى قال لي: "لَا تَخَف نَجَوتَ مِنَ ٱلقَومِ ٱلظّالِمِينَ".
ثم أخذ هذا المسؤول الطيّب يشكو لي تشوُّه سُمعة الادارة التي يديرها، والسبب هذين الموظفيّن السيئيْن، وأنَّهُ حاول جُهْدهُ تطهيرها منهما، لكن باءت محاولاته بالفشل بسبب أنهما يستمدانِ قُوتُهما مِنَ مسؤول سابق.
هذهِ القِصّة التي روَيتها لكم اليوم ليست من حكايات "كَلِيلَة ودِمْنَة"، بل قصةٌ واقعية بطلها كاتب هذهِ السطور، ولعلَّ ﷲ تعالى أوقعني بهذيّن المخلوقَيْن لكي يُسلِّطني اللهُ عليهما وعلى أمثالها، فأعمل على تحذير الوزارة منهما، ومن على شاكلتهما.
وقد كُنت مُتوقِّفا ردحاً طويلا مِن الزمنِ عن الكِتابة في الصِّحف، فأشعلا بي جذْوة الرجوع كي أشْرع بالعمل على تطهير مؤسسات الدولة من كل من يسيء إلى إليها.
هناك مثلٌ مصريٌ قديم يقول: "يا فرعون مين فرعنك؟ قال: ما لقيتش حد يلمِّني"!
هؤلاء وكل من على شاكلتهم في وزارات ومؤسسات الدولة، لم يكُن لِيَتَمادوا إلى هذهِ الدرجة مِن الرعونة والاستخفاف بالمواطنين والمراجعين، إلا لأنهم لم يجِدوا من يوقفهم عِند حدِّهم مِن البداية من كِبار المسؤولين والشرفاء في البلد، وهذه رسالةٌ مني لجميع القيادات في البلد أن يُطبِّقوا نداء أميرُ الشعراء أحمد شوقي:
"وَإِذا أُصيبَ القَومُ في أَخلاقِهِم ‏
فَأَقِم عَلَيهِم مَأتَماً وَعَويلا".
وليعلم الوزراء والوكلاء أن إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ طرِيقِ المسلمين هو من أجلِّ الأعمال وأطيبُها عند ﷲ، فأميطوا عن مؤسسات الدولة كل من يُشَوِّه سمعتها بأخلاقه.

$ $ $
ما ان انتشرت مقالتي السابقة عن وزير البلدية والمواصلات، فهد الشُعْلة، حتى امتلأت الردود بالثناء عليه والإشادة به، ونقول له: استمر ودع قافلتك تسير بثبات كما عهدناك، ولا تلْتفت للموتورين.

خبير اختصاصي الدراسات الاسلامية
في وزارة "الاوقاف"

محمد يوسف المليفي