السبت 21 يونيو 2025
37°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأخيرة

"كاليغولا" أشهر طاغية مجنون في تاريخ روما

Time
الخميس 18 أكتوبر 2018
View
5
السياسة
محمد الفوزان

كان يحب نفسه ويعشقها، ويرى أنه أجدر الناس بالحياة على الأرض، وكان يقول لصاحبته: إنني أحيا، إنني أقتل، إنني أمارس قدرة المدمر، قدرة محمومة وهكذا يكون المرء سعيداً، قد يقال إنني مذنب وسفاح، ولكن من ذا الذي يجرؤ على إدانتي في هذا العالم الذي لا قاضي فيه سواي ؟!
والحق إن تلك اللوثة التي أصابت عقل جايوس كاليغولا إمبراطور روما الشاب - من 37 م إلى 41 م - لم تكن جديدة عليه ،فقد سبقه إليها الإمبراطور تيبريوس زوج أمه اجربينا التي استطاعت إقناع زوجها – بعد أن أصيب بخبال في عقله - بأن يولي عهده لولدها الذي لم يكن من صلبه ، وبعد أن أقر مجلس الشيوخ تنصيب ربيب الإمبراطور خلفاً له انتابته نوبة صرع وإغماء لم يعرف سببها، حتى خيل إلى بطانته أنه قضى نحبه، فالتفوا حول كاليغولا الذي كانت أمه قد أوعزت إلى أحد رجالها بأن يكتم أنفاس زوجها بوسادة حتى لا يفيق.
حين جلس كاليغولا على عرش روما أعلن – تقرباً إلى مجلس الشيوخ - أنه سيتعاون معهم في كل الأمور، وأنه سيسير على النهج الذي كان يسير عليه الإمبراطور أغسطس في سياسته، ووعد بتخفيض الضرائب وإقامة الألعاب الكبرى وإعادة ضحايا سلفه المنفيين،ولاح أنه سيكون على النقيض منه في كل شيء ، ولم يمض على اعتلائه العرش ثلاثة أشهر حتى كان قد اكتسب حب الشعب ،فقربوا للآلهة مائة وستين ألفاً من الأضحيات شكراً لها على أن وهبتهم زعيماً رحيماً محسناً !
يحكي التاريخ – كما يقول ول ديورانت في "قصة الحضارة" - أن الشعب الروماني كان قد نسي حسبه ونسبه ،إذ كانت جدته لأبيه ابنة انطونيوس، وكانت جدته لأمه ابنة أغسطس، وهما القائدان اللذان تنافسا بعد مقتل قيصر، وقد تجددت في دم كاليغولا تلك الحرب التي ثار عجاجها بين القائدين ،ورغم أن الإمبراطور الشاب كان يفخر بمهارته في المبارزة والمجالدة وركوب العربات الحربية ،فإنه كانت تنتابه نوبات الصرع ويكاد في بعض الأحيان يعجز عن المشي أو التفكير، وكان يختفي أسفل سريره إذا سمع هزيم الرعد ،ويفر مذعوراً إذا شاهد اللهب. وكان مصاباً بالأرق يطوف به ليلاً في جنبات قصره الواسع يصيح طالباً طلوع الفجر وكان طويل القامة ضخم الجسم.
أقنع المواطنين بأن يذكروه في وصاياهم ويجعلوه وارثا لهم، فكلما احتاج لمال لجأ إلى إلقاء القبض على من يملك أكثر حتى ينال الإرث بعضه أو كله، واندفع كاليغولا بعد ذلك إلى فرض الضرائب على كل شيء ،على كل طعام يباع، وعلى كل الإجراءات القضائية، حتى الحمالين فرض عليهم الضريبة، وكان الأغنياء في أيامه يتهمون بالخيانة ويحكم عليهم بالإعدام لتصادر أموالهم لصالح الخزانة العامة ،وكلما زادت أمواله زاد تبعاً لذلك إسرافه حتى لم يلبث أن أفرغ خزانة الدولة فبددها تبديداً منقطع النظير . وكان من عادته أن ينثر من شرفة قصره النقود الذهبية والفضية على الشعب من تحته ثم يراقبهم في مرح وسرور وهم يتنازعون نزاعاً قاتلاً على اختطاف هذه النقود. كان آخر ما لجأ إليه كاليغولا من العبث وجنون العظمة أن أعلن أنه إله معبود لا يقل شأناً عن جوبيتر، كبير الآلهة عند الرومان، فأمر بتحطيم رؤوس التماثيل الشهيرة المقامة للأرباب لتوضع في مكانها رؤوس للإمبراطور، وكان يسره أن يجلس في الهيكل ويتلقى عبادة الناس وما يقدمونه قرابين، وادعى أن آلهة القمر قد نزلت إليه وعانقته.
يرسم الكاتب الفرنسي ألبير كامو في قصته عن كاليغولا نهاية الطاغية المجنون ،فيقول :يجتمع أشراف روما يتبادلون الشكوى فيما يتعمده الإمبراطور من تحقيرهم والتعسف في معاملتهم، ويتبادلون تذكر ما نالوه منه ،فأحدهم اغتصب كاليغولا داره وممتلكاته، والثاني قتل أباه غدراً ،والثالث سلبه امرأته، والرابع قتل ولده ، وتذكروا أن الأغنياء منهم كانوا يتهمون بالخيانة ويحكم عليهم بالإعدام لتصادر أموالهم لصالح الخزانة، وكان هو نفسه يبيع المصارعين والأرقاء بالمزاد العلني في سوق الرقيق ،ويرغم الأشراف على حضور المزاد والاشتراك فيه ، واشتدت حمية القوم وثورتهم بأن ينطلقوا ليقتحموا القصر ليفتكوا بالإمبراطور "النذل السفيه وأكثر الطغاة جنوناً" كايوس شيريا ضابط الحرس المتآمر على مولاه – الذي طالما أهانه بالألفاظ البذيئة التي كان يبلغها إليه كل يوم لتكون بمنزلة سر الليل وجواز المرور- قال للمتآمرين : بل نترك له الحبل على الغارب ولندفعه في هذا الطريق حتى نجعل من جنونه حقيقة ملموسة ،ولن يلبث أن يحين يوم يصبح فيه وحيداً تجاه دولة مليئة بالمساجين وبالموتى وأبناء المقتولين .
وتمضي أيام ،ثم يفاجأ كاليغولا بقعقعة سلاح خارج غرفته ،ويدخل المتآمرون وينقضون عليه طعناً بينما هو يضحك في خبل، ثم تتحول ضحكاته إلى شهقات ويواصل الصراخ وهو يخرج الكلمات من بين شفتيه مختلطة بالغطيط: إنني حي، لا أزال، فالآلهة لا تموت.
ولكن كاليغولا عرف في ذلك اليوم أنه ليس إلها قط!! وأن الذي حدث له هو ما اقترفته يداه، وأن الظلم عاقبته وخيمة في الدنيا قبل الآخرة.
آخر الأخبار