الأحد 08 يونيو 2025
34°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

كاميليا : شهرة طاغية اكتوت بنار الحكم واحترقت في السماء

Time
الخميس 09 مايو 2019
View
5
السياسة
اتُهمت بالتخابر مع إسرائيل والاشتراك في صفقة الأسلحة الفاسدة

القاهرة - محمد حليم:

من يقترب من حياة مشاهير الفن، يجدها أكثر درامية ومأساوية من الأعمال الفنية التي قدموها وجسدوا شخصياتها رغم وهج الشهرة والحفلات والثراء الذي تمتعوا به لسنوات طويلة.
في هذه الحلقات تقترب "السياسة "، أكثر من حياة مجموعة من أشهر نجوم الفن، ممن بلغوا قمة النجومية والشهرة وحققوا الملايين، عاشوا حياتهم بالطول والعرض، وأنفقوا ببذخ، لكن النهاية التي كتبها القدر كانت أكثر مأساوية مما نشاهده في الأعمال الدرامية.

* ثورة 1919 حرمتها من أبيها فحملت اسم زوج أمها بدلاً منه
* الفقر منعها من استكمال تعليمها لكنها أتقنت اللغات الأجنبية
* قادتها الصدفة لمقابلة أحمد سالم ففتح لها أبواب النجومية
* لجأت إلى حيلة أوصلتها لقلب الملك فاروق وتزوجته سراً في قبرص
* ماتت عاشقة رشدي أباظة ليعيش أنيس منصور


تميزت بأنوثة طاغية، ودرجة عالية من الجمال، يشع وجهها بالجاذبية التي استقطبت ليس فقط كبار الفنانين، بل "فاروق الأول" ملك مصر والسودان، تشبه نجمات الفن في أوروبا، وقع في غرامها كل من عمل معها، كان آخرهم الفنان رشدي أباظة، لكنها اتهمت بالخيانة والتجسس لصالح اسرائيل، كما نسبت لها الصحافة تهمة الاشتراك في صفقة الأسلحة الفاسدة، وانتهى الأمر بها إلى الموت حرقا على متن طائرة متجهة إلى سويسرا، ولم يتبق منها سوى حذائها، بعدها ترددت أنباء عن تورط الملك فاروق في قتلها.
ولدت كاميليا في الإسكندرية العام 1919، لأب من أصول إيطالية يدعى أفرو كوستانيو، وأم مصرية مسيحية كاثوليكية ذات أصول إيطالية تدعى أولغا لويس أبنور، لم تكن ظروف ميلاد كاميليا أو ليليان وهو اسمها الحقيقي، أقل شأنا من العام الذي جاءت فيه إلى الدنيا، حيث الثورة والاضطرابات السياسية والاحتجاجات التي شهدتها البلاد هذا العام، فقد لعبت هذه الأحداث دورها في حياتها، حيث حرمتها من رؤية والدها الذي لم تعرفه، رغم إنه على قيد الحياة.
بدأت القصة في حي الأزاريطة بالإسكندرية، عندما نشأت قصة حب بين أولغا وأفرو، تاجر القطن الذي يعمل في بورصة الأقطان بالإسكندرية، بينما كانت أولغا تعمل في "بنسيون"، حينما شاهدها لأول مرة في "البنسيون" أعجب بها، وبادلته الإعجاب، تطور الأمر إلى حب، لتنشأ فيما بعد بينهما علاقة أسفرت عن حمل أولغا قبل الزواج، ومع تدهور أوضاع السوق التجارية نظرًا لثورة 1919، خسر أفرو أمواله في البورصة، فاضطر للعودة إلى إيطاليا بعد أن وعد أولغا بالزواج، ومرت الأسابيع، لكنه لم يعد إلى مصر كي يتزوج حبيبته ويستقبل مولودهما، وقتها بادل فيكتور كوهين وهو أحد العاملين بالأزاريطة أولغا الإعجاب، وطلب منها الزواج، فوافقت بعد محاولات من أمها، خلال هذه الفترة كان الجنين يكتمل داخلها، وبعد خمسين يوما من الزواج، أنجبت أولغا ابنتها ليليان، وطلبت من زوجها كوهين أن تحمل ابنتها اسمه، فوافق وتم تسجيلها باسم ليليان فيكتور كوهين، أي أنها نسبت إلى غير أبيها الإيطالي، وكان زوج أمها بمثابة الأب لها.

موعد من الحظ
لم تستمر العلاقة كما بدأت بين أولغا التي أصرت على أن تتلقى الطفلة تعاليم الكاثوليكية، وبين فيكتور كوهين، الذي أراد أن تنشأ على الديانة اليهودية لأنها تحمل اسمه وهو يهودي، وانتهت الخلافات إلى الانفصال، وقامت أولغا وحدها من خلال عملها في البنسيون بتربية ابنتها ليليان، أدخلتها مدرسة انكليزية بالإسكندرية برغم عدم تيسر الظروف المادية، لكنها كان تشعر دائمًا بالمسؤولية تجاهها، خصوصا أنها ليس لديها سواها في الحياة، وخلال الدراسة اتقنت ليليان الانكليزية، حيث كانت على درجة عالية من الذكاء، لكن بسبب عدم قدرة أمها على تحمل المصروفات لم تتمكن من استكمال دراستها.
مرت الأعوام وكبرت ليليان، وأخبرتها أمها بحقيقة ما حدث حينما ولدت، خصوصا بعدما عرفت أن أفرو موجود في قبرص، وأنه نقل تجارته إلى هناك، فاضطرت إلى إخبار ابنتها عن أبيها، لأنها قررت أن تصطحبها معها بحثًا عنه، سافرت ليليان مع أمها إلى قبرص، لكن الرحلة لم تأت بنتائج حقيقية وفشلت أولغا في العثور على أفرو والد ابنتها، الذي عصفت به ثورة 1919، وجعلته يفر هاربا بعدما خسر أمواله.
عادت ليليان من الرحلة، وذهبت إلى نادي "سبورتنغ"، حيث اعتادت أمها ارتياده بسبب عشقها الشديد للخيل، وكانت تحرص دائمًا على حضور كل سباق ينظمه النادي، جلست ليليان بجانب أمها، لمتابعة السباق، ثم نهضت تتجول وسط الحاضرين، كانت جميلة وجذابة تلفت النظر في كل مكان، لما لها من مظهر الأميرات بجانب ملامحها الأوروبية الساحرة، وفي هذه الأثناء شاهدها الفنان أحمد سالم الممثل والمخرج الشهير، فأعجب بها وبجمالها وانجذب إليها، وخلال التعارف وجد فيها فنانة تنقصها الفرصة، وأنه إذا اتاحها لها ستكون نجمة سينمائية، لذا عرض عليها العمل بالفن والمشاركة في بعض أعماله.
هرولت ليليان إلى أمها وأخبرتها بما قاله سالم، خشيت الأم على ابنتها منه، فرفضت أن تذهب ابنتها إليه، حيث كان أعطاها موعدا في جناحه بالفندق، للإتفاق بشكل رسمي على أولى الخطوات التي ستسلكها في طريق الفن، رفضت أولغا الأمر في البداية، لكن وبعد إلحاح ابنتها وافقت بشرط أن تكون برفقتها في هذا المشوار، ذهبت ليليان بصحبة أمها إلى الفنان أحمد سالم، الذي أكد على حسها الفني، مشيرا إلى أنه ينقصها بعض الأشياء التي يمكن تعليمها لها في القاهرة.
سافرت ليليان وأمها إلى القاهرة لمقابلة سالم، وبالفعل بدأ سالم تعليمها دروسًا في الإتيكيت، والإلقاء باللغة العربية الفصحى وأيضًا الفرنسية بجانب إتقانها الإنكليزية، بدأ يهذب تصرفاتها التلقائية لتدخل في حيز الأميرات من حيث التعامل والتصرفات، فقد كان حريصا على أن تشبههن في الفعل كما الشكل، وعلمها أيضًا مواجهة الكاميرا، وجعلها ملمة بأساسيات التمثيل، لتصبح جاهزة لدخول عالم الفن، لكن قبل ذلك اختار لها أستاذها ومعلمها أحمد سالم اسمًا فنيًا هو كاميليا.
انطلقت كاميليا في عالم الفن، لتشارك "سيدة الشاشة العربية" فاتن حمامة فيلم "القناع الأحمر" عام 1947، وتبدأ رحلة الانطلاق في قطار النجومية، وتحقق شهرتها بين الجمهور وفي أوساط الفنانين، الذين بدأوا في السعي خلفها من أجل مشاركتها في الأفلام السينمائية، كما وجد المخرجون والمنتجون فيها الحصان الرابح الذي يصل بهم إلى الشهرة والصدارة أمام الشباك، وكان أبرزهم يوسف وهبي الذي دفع تكاليف تعليمها لأحمد سالم مقابل أن تشاركه أعماله السينمائية، كما شاركت بعدها الفنان عز الدين ذو الفقار فيلميه "الكل يغني" و"قمر 14".
شكلت معاناة كاميليا في صغرها من الفقر، الذي أجبرها على ترك الدراسة في المدرسة الإنكليزية، مصدر ألم في نفسها، وجعلها بعد أن اقتحمت عالم الفن، تسلك كل السبل التي تساعدها في الوصول إلى أعلى الأماكن حيث الجاه والغنى. لذا عندما علمت ذات مرة بأن جلالة الملك فاروق سيحضر إلى كازينو "حلمية بالاس"، راحت تجهز لهذا اليوم الموعود، حجزت لنفسها في مقدمة الصفوف لكي تكون قريبة من الملك، بالصورة التي تمكنها من أن تلفت نظره، وبعد أن دخل الملك القاعة وصفق الحضور كلهم له، وانطلقت الأنغام والرقص على المسرح، بدأت الأفكار تشغل رأسها وظلت تسأل نفسها، كيف يمكن أن تجذب الملك إليها؟، هي الآن أمام فرصة العمر التي تصل بها إلى القمة وتنسيها ألم القاع وفقر الطفولة.
ألهمها تفكيرها أن تصعد المسرح لتشارك الراقصة الاستعراض، بجانب غنائها بروحها التي تحمل خفة الظل والفكاهة، نجحت حيلتها، فهي تتميز بالذكاء منذ كانت في المراحل الدراسية الأولى، استطاعت إتقان الإنكليزية برغم عدم استكمال تعليمها، ولفتت كاميليا نظر الملك فأرسل لها عن طريق مدير شؤونه الخاصة أنطون بوللي رسالة إعجاب ودعوة للسهر معه في الاستراحة الملكية بالهرم، وافقت مرحبة وشعرت بلذة الانتصار لطموحاتها وأمالها.
تطورت العلاقة بين الملك فاروق وكاميليا، فمن الإعجاب إلى الحب إلى الرغبة في الزواج، ولكن فاروق كان حريصا أن يكون الأمر سراً، فانتقل معها إلى قبرص وهناك تزوجها في قصر خاص اشتراه خصيصًا لإتمام الزواج، لكن السرية تنكشف ويصل الخبر إلى مصر، تتفاقم الأمور حيث كانت حرب فلسطين مشتعلة، بجانب التصور العام بانتماء كاميليا للديانة اليهودية، فازداد الغضب تجاه الملك، لم يكن أمام كاميليا سوى العودة إلى القاهرة بناء على نصائح الملك لكي تحاول اثبات ديانتها المسيحية، وحتى ينسى الناس ما حدث تندمج أكثر في العمل الفني، حيث تشارك في العديد من الأفلام منها "أرواح هائمة، الستات كده، صاحبة الملاليم، شارع البهلوان، نص الليل، القاتلة، وولدي"، فتزداد تألقا في عالم السينما.

"امرأة من نار"
في العام 1950 شاركت في فيلم "امرأة من نار"، ومن خلاله تعرفت على الدونجوان رشدي أباظة، كعادتها لا يراها أحد دون أن يعجب بها، لكنها أيضًا أعجبت به، ورأت فيه الرجل الذي يمكنها الاعتماد عليه بعد أن خذلها الملك، حيث تركها وحدها تواجه الناس ولم يخرج لتهدئة الرأي العام، أيضا لم يضع حدا أمام الصحافة التي جعلتها هدفا لسيل الشائعات التي سقطت فوق رأسها، بداية من اتهامها بأنها شريكة في صفقة الأسلحة الفاسدة والعمالة مع اليهود إلى تسريب شائعة تتعلق بنظام الحكم المصري إلى الخارج ما يعد جريمة خيانة عظمى، لذا، قررت أن تنتقم من الملك، فبعد أسبوع واحد من معرفتها برشدي أباظة بدأت تعلن للمقربين منها عن العلاقة، حتى يصل للملك أن هناك غراما يربطها به، وكان لها ما أرادت، خصوصا أن الملك فاروق كان يتابع أخبارها بحرص وتأنٍ من بعيد، وذات مرة وصلت الأخبار للملك أنها برفقة عشيقها رشدي أباظة في فندق "مينا هاوس" لتناول العشاء، فيهرول فاروق إلى الفندق بمنطقة الأهرامات، فيحاول رشدي الهرب ومعه كاميليا، لكنهما يتصادما به وقد رفع مسدسه في وجه أباظة، مهددا له بشكل صريح بأنه أن لم يبتعد عنها فسيكون القتل مصيره.
شعرت كاميليا بالندم على ما فعلته، خافت على نفسها وحبيبها من جبروت الملك، وحتى لا تقع في مزيد من المشكلات التي كثيرا ما عايشتها بسبب من عشقوها، سواء مع أحمد سالم أول من أحبها ومن جاؤوا بعده حتى وصلت إلى الملك وأخيرا حبيبها رشدي أباظة، لذا قررت تصفية أعمالها الفنية لتسافر مع رشدي خارج مصر، ولكن قبل أن تختتم أعمالها، طاردتها الاتهامات، فبجانب صفقة الأسلحة الفاسدة التي سبق وتداولت أخبار عن إتهامها في هذه القضية، اتهمت بالتخابر مع دول أجنبية والموساد الإسرائيلي، وكيف أن المخابرات الغربية نجحت في استقطابها نظرا لقربها من رأس الحكم في مصر ومن كبار رجال السلطة الحاكمة والوزراء والعاملين بالحقل السياسي.
يقول الناقد ماهر زهدي ان كاميليا عانت وقتها من آلام في المعدة، قررت بعدها السفر إلى سويسرا للعلاج، وحاولت حجز مقعدا على الطائرة "تي دبليو ايه" التابعة لشركة الطيران الأميركية، كانت الرحلة تسمى "نجمة ميرلاند 903"، لكنها لم تجد مكانًا شاغرا على متن الطائرة، التي كان من بين ركابها الكاتب أنيس منصور، الذي اعتذر فجأة عن رحلته، لتتلقى كاميليا اتصالًا من أحد الموظفين بشركة الطيران، ليعلمها بالخبر ويدعوها للسفر.
اتجهت كاميليا إلى المطار هي ورشدي أباظة، ودعته كاميليا من على سلم الطائرة الأميركية، وهي تحلم بالعودة بعد اسبوعين لإتمام الزواج حسب اتفاقهما، أقلعت الطائرة وعاد أباظة إلى بيته، الفنانة كاميليا في الطائرة اتكأت برأسها على المقعد، ونظرت من النافذة آملة أن تعود بسلام، لتبدأ حياة زوجية سعيدة، بعيدا عن أزمة ارتباطها بدوائر الحكم وعلاقتها بالملك التي لم تصل بها إلى القمة كما توقعت، بل جلبت لها المشكلات وجعلتها حديث الصحف والمجلات، وبدلًا من كونها نجمة ينتظرها الجمهور أمام الشاشات ويقف في دور السينما لمشاهدة أفلامها، أصبحت روحها ثقيلة على قلوب المشاهدين، وانتقلت نجوميتها من فنانة إلى امرأة من حاشية الملك أفسدت البلد، وأيضًا متأمرة لصالح الغرب واليهود على الحكومة المصرية، لم تتحمل كل ذلك، ليتها علمت أن زيجتها هذه من فاروق الأول "ملك مصر والسودان" كانت ستجلب لها كل هذه المشكلات، حتى تبتعد عنه ولا تضع نفسها في طريقه.

الانفجار
كان هذا يدور برأسها وهي في الطائرة، حتى شعرت بأن رأسها تكاد تنفجر، وبالفعل حصل الانفجار ليس في رأسها فقط ولكن في الطائرة كلها، بعد اقلاعها بنحو 20 دقيقة فقط، لتسقط وقد مات كل من عليها من الركاب، وبالبحث في حطامها وجدوا أنه لم يتبق من كاميليا سوى حذائها الأخضر التي كانت ترتديه.
بعدها لم يكن هناك حديث في الصحف ووسائل الإعلام وبين الناس سوى عن حادث طائرة كاميليا، حيث تضاربت الأقاويل بين أن ما حدث للطائرة تم بفعل فاعل للتخلص منها بتحريض من الملك بسبب ما تردد من اتهامات عن تخابرها مع إسرائيل، وما تسبب من إحراج للقصر الملكي بسبب زواج الملك منها، وآخرون قالوا إن هذه عملية مخابراتية بفعل جهاز الموساد الذي رفضت أن تدلي له بأخبار كانت تعرفها عن عالمة الذرة المصرية سميرة موسى... أقاويل كثيرة لكن أين هي الحقيقة؟!
لا أحد يعلمها، المؤكد فقط أن كاميليا رحلت عن الدنيا في أغسطس 1950، وقد تجاوز عمرها الثلاثين بعام واحد، رحلت تاركة خلفها لغزا كبيرا، ودرسا بليغا في أن رحلة الشهرة والنجومية والوصول إلى مراكز الحكم والسلطة ليست دائما مصدر سعادة لمن يعيش في سمائها.


كاميليا والملك فاروق


كاميليا في أحد أفلامها مع إسماعيل ياسين وزينات صدقي
آخر الأخبار