منذ انطلاق منظمة التجارة العالمية قبل ربع قرن من الزمان، ظل يصفها الأميركي "روبرت لايتيزر" بأنها تهديد للسيادة، ونظرًا لسلطتها القضائية، فإنها تعيق جهود بلاده لمواجهة منافسيها الاقتصاديين، وخاصة الصين.تم تشكيل المنظمة في الأساس لحل النزاعات التجارية الدولية من خلال قواعد ومؤسسات متعددة الأطراف، وبدعم قوي من كلا الحزبين الأميركيين، رغم أن انتقاداتهما للمنظمة تزايدت مؤخرًا.ويبدو أن "لايتيزر" الذي يشغل منصب الممثل التجاري للرئيس الأميركي "دونالد ترامب"، سيفوز قريبًا في معركته طويلة الأمد ضد المنظمة، والتي يقول إنها خطوة على طريق الاستقلال الوطني من التحيز لصالح من يخالفون القواعد بشكل مستمر. يقول مؤسس "جلوبال تريد ووتش" المعنية بمراقبة أداء منظمة التجارة العالمية والاتفاقات التجارية "لوري والش": كانت ترغب المنظمة في تعزيز سلطتها على حساب جوانب أهم في حياة الناس قبل عشرين عامًا، لكن الاحتجاجات الواسعة في أمريكا ومناطق أخرى، حالت دون ذلك. بيد أن المبادئ الأساسية للمنظمة ظلت تحكم العالم وتشكل الاقتصاد منذ ذلك الحين، وأدى الرفض العنيد لتغيير هذا النموذج من العولمة إلى تزايد الاحتقان ضد التجارة، وفي السنوات الأخيرة باتت المنظمة على وشك الانهيار.
و تطبق منظمة التجارة العالمية مجموعة من القواعد غير التجارية على بلدانها، ومثلًا يجب على الأعضاء توفيق القوانين واللوائح الإدارية مع قواعد المنظمة، وبقول آخر مع مصالح الشركات.و بحلول الحادي عشر من ديسمبر، لن يكون لدى المحكمة التابعة لمنظمة التجارة العالمية في جنيف، عدد كاف من القضاة لإصدار القرارات الملزمة، بسبب الشواغر والجهود التي بذلتها إدارة "ترامب" على مدار عامين لمنع التعيينات الجديدة، ما يشل المؤسسة بشكل فعال. هذا المأزق لم يربك الأسواق بالطريقة التي فعلتها الحرب التجارية، لكن تأثيره المحتمل سيكون أكبر منها وربما يمتد لعقود، حيث يفضل "ترامب" و"لايتيزر" المنهج أحادي الجانب مع تهميش منظمة التجارة العالمية، لتعزيز النفوذ التجاري والاقتصادي الأميركي. وهددت الإدارة الأميركية خلال الأسابيع الماضية بحظر دعم موازنة منظمة التجارة العالمية لعام 2020، لكنها قدمت عرضًا بعد ذلك يسمح بمواصلة عمل المنظمة من شأنه تعطيلها عن الفصل في النزاعات التي تؤثر على مليارات الدولارات من التجارة سنويًا. العرض الأميركي يعني أن واشنطن ستدعم ميزانية المنظمة لعام 2020 والبالغ حجمها 197.2 مليون فرنك سويسري (197.6 مليون دولار)، بشرط ألا يتم دفع أكثر من 100 ألف فرنك لأعضاء هيئة الاستئناف، بتخفيض قدره 87% إضافة إلى الحد من إنفاق الصندوق التشغيلي للهيئة بنسبة 95%.و قال "لايتيزر" آنذاك إنه كان أمام خيارين إما انتقاد المنظمة ومحاولة قتلها، أو الذهاب إليها ومحاولة تطبيق وجهة نظر بناءة وصارمة، ويبدو أنه بعد هذه السنوات وجدت المنظمة نفسها مجبرة على الاختيار بين الموافقة على سلطة قضائية أقل أو الاكتفاء بمشاهدة نظامها يتداعى.