الأربعاء 25 سبتمبر 2024
33°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
كل الآراء   /   الأخيرة

لا تكثّر الدوس يا خلّي ترى يملّونك

Time
الأحد 27 أغسطس 2023
View
94
السياسة

الحياة مجموعة من العبر ووجهات النظر، والعمر حصيلة لما يتعلمه المرء من تجاربته، وتجارب الآخرين، لهذا ثمة من يرى أن ترك مسافة بينه وبين الآخر ضرورة، لكن ذلك ينم عن حذره من تجارب شخصية، ولا ينطبق ذلك على من ينظرون الى الامور بطريقة مختلفة، لذلك في بعض امثالنا الشعبية ثمة خلاصات لتجارب لا يمكن الحكم عليها بالمطلق، انما اخذها في مناسبات معينة.
إذ أحياناً نجد أن مثلاً شعبياً كـ"خليك قريب من العين تصير جنب القلب"، يناقض فكرة ترك مسافة؛ لأن التواصل بين الناس يكشف الخفايا، ويبين المعدن الاصيل لبعضهم، لكن هذا التقارب تكون له نتيجة عكسية عما يريده الشخص، لذلك نجد ان هناك من يستنجد بالمثل الشعبي "لا تكثّر الدوس يا خلّي ترى يملونك، لا انت ولدهم ولا طفلٍ يربونك"، بمعنى لا بد ان تترك تلك مسافة معينة مع الاخرين، لكن ثمة مثل آخر يناقض هذا وهو "لا حبتك عيني ما ضامك الدهر"، اي بمعنى ان هذا الشخص حتى لو كان على خطأ الا ان ذنبه مغفور، بل هناك من يدافع عنه، فيما هناك مثل اخر يقول: "اذا تباعدت المخدة تباعدت المودة".
هذه الامثال لها مناسباتها، لهذا ترى في المقابل ان هناك خلاصة او مثلا شعبيا يختلف مع ما سبق، وهو "اللي ماله أول ماله تالي"؛ لأن المرء، كما سبق وقلنا، هو خلاصة تجارب شخصية وعامة، فكيف يمكن التوفيق بين هذه الامثال، وهل يمكن للمرء ان يطبقها في حياته؟
الامثال اتت احيانا من بسطاء، وليس من كلها من فلاسفة، واحتملت اقوالهم الخطأ والصواب، لكن لا شك وقعت في اذهان الناس موقعا حسنا، لانهم عجزوا عن ايجاد خلاصة لما يعانونه الا بها، وبعضها كان احد مصادر المعرفة، بمعنى انه فتح الباب امام الافكار لبعض الاختراعات، لان الحاجة ام الاختراع، والفكرة، ايا كانت احيانا غير منطقية لكنها تجد الهوى عند البعض، واذا توسعت حيالها الرؤية خلصت الى فكرة اعمق.
نحن احيانا نحكم على الاحداث، وفق المعطيات الموجودة لدينا، وحين نتطلع على كل اسبابها، وخفاياها نحاول تغيير نظرتنا اليه، وبالتالي نلجأ الى تبرير ما، ولأن البسطاء لم تكن لديهم الادوات المعرفية فانهم يلجأون الى الاستعانة بحصيلة تجاربهم التي استمدوها من المجتمع، ومن تجارب الاخرين، ولهذا درجت الامثال في المجتمع، ولاقت هوى حتى عند المتعلمين او المثقفين، لانها خلاصة بسيطة تدل على عمق معرفي.
فمن المتدوال بين العامة، ان المرء حين لا يكون لديه ما يكفيه من المال لشراء حاجة قيل له "مد رجولك على قد لحافك"، وفي المقابل هناك مثل عن الذي يخطئ في استثمار بطريقة صحيحة، وهو "ماعنده ياكل عنده يغرم"، الا ان لكل منهما مناسبته!
الامثال تنطبق احيانا على الممارسات السياسية، وعلى الحياة العامة، وطباع الناس، وبالتالي من المهم إحياء الذاكرة الشعبية، عبر سلسلة من الدراسات، والكتب التي توثق احداثها وامثالها، فالعلاقات الصحيّة بين أفراد المجتمع لها أثر كبير على قدرتهم الإنتاجية في جميع المجالات، لهذا لا بد من التركيز على وعي الناس لهذه الذاكرة، التي هي جزء من شخصية المجتمع، ودليل على عراقته.

م. عادل الجارالله الخرافي

آخر الأخبار