المحلية
لستم فوق المساءلة... افتحوا الدفاتر أمام الجهات الرقابية وعلى رأسها ديوان المحاسبة
الخميس 06 أغسطس 2020
5
السياسة
صدَّرت ردَّها بآية "والفتنة أشد من القتل"... فهل تنتهج "التكفير" مع منتقديها ومن يطالبون بالرقابة؟!كلُّ مشاريعها ظلَّت خارج إطار رقابة "الأوقاف" منذ إنشائها في 1986رغم إلزامية المادة الـ"16" من القانونأهي مصادفة أنَّ أغلب العاملين بالهيئة ينتمون إلى الجماعات الإسلامية...أم أن الكفاءة لا تتوافر إلا في "الإخوان"؟!وزارة الخارجية لا تملك الأدوات التنفيذية لمراقبة المشاريع الخيرية... وإلا فأين تقاريرها عن الهيئة؟! تحمل ردود بعض الجهات على ما تواجهه من انتقادات وما يثار حولها من شبهات، أدلة إدانة واتهام، من حيث كانت تريد أن تعلن البراء.في هذا السياق يأتي ردُّ الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية على ما أثارته "السياسة"، من شبهات تجاوزات ومخالفات مالية في ملفات كثيرة لمشاريعها وسياستها الإدارية والمالية.إننا إذ نستغرب هنا كم التضليل والالتفاف على الحقائق والنصوص القانونية الذي احتواه رد الهيئة، الذي حمل تبريرات هي في الأصل أدلة إدانة، نؤكد أن الرد كان يمكن أن يكون محل ترحيب لو أنه "كان أكثر تواضعا وتهذيبا"، لكنه سقط في بئر سحيقة من السباب والشتائم والتشكيك بالنوايا وبالمهنية والأخلاق والمعايير الصحافية في واحدة من أعرق الصحف في الكويت والخليج العربي... وسنورد في ما يلي تفنيداً لما جاء في بيان الهيئة من تناقضات:• إن رد الهيئة نحى منحى "تكفيريا" غريبا ومثيرا، فقد صدرته بالآية الكريمة "الفتنة أشد من القتل"(سورة البقرة، الآية 191)، التي نزلت في مشركي مكة فهل "التكفير" هو نهج الهيئة في التعامل مع منتقديها ومن يطالبون بخضوعها للرقابة والمحاسبة ؟!• تصر الهيئة على وصف ما نشرته "السياسة" بأنه "تهجم" و"إساءات" و"تشويه للسمعة" وكأن ذاتها مصونة ومحصنة لا يجوز مساءلتها ومحاسبتها، وهو أمر مناف للحقيقة والواقع.• وصفت الهيئة نفسها بأنها "واحدة من كبريات المؤسسات الاسلامية العالمية" وتحظى بدعم القيادة السياسية وانها تتمتع باحترام وتقدير كبيرين على مستوى العالم"، اعتقادا منها ان هذه الاوصاف تجعلها فوق مستوى النقد والحساب والمساءلة، رغم ان هذه المقدمة ذاتها من المفترض ان تفضي الى العكس، بمعنى ان تصبح اكثر انفتاحا وشفافية وقبولا للنقد، إلا إذا كانت تقول ذلك على طريقة القذافي حين سأل معارضيه "من أنتم ؟!"• أسهبت الهيئة في شرح وتفصيل خضوعها للرقابة الداخلية والخارجية، وقالت إنها تخضع لرقابة من خمسة مستويات -وهو مستوى للرقابة لا تخضع له حتى شركة "أبل"- على حد وصف الكاتب أحمد الصراف، رغم أن الواقع وما تضمنه من إجراءات يؤكد عكس ذلك تماما. فالهيئة غابت عنها الرقابة الفعلية من قبل الجهة الرئيسية التي خولها القانون فرض تلك الرقابة، ونقصد هنا وزارة الأوقاف، إذ نصت المادة "16" من قانون إنشاء الهيئة، على خضوعها لرقابة الوزارة، بيد أن الواقع يقول: إن كل أعمال ومشاريع الهيئة ظلت خارج إطار تلك الرقابة منذ إنشائها عام 1986، وقد حاولت وزارة الأوقاف تفعيل المادة الرقابية على الهيئة عام 2003 وفق قرار وزاري؛ لكنها لم تستطع وظلت الرقابة حبرا على ورق إلى عام 2019 عندما قادت بعض الجهات الإعلامية حملة لكشف التجاوزات الكبيرة والتعدي على أموال المتبرعين، ما اضطر وزير الأوقاف الأسبق فهد الشعلة إلى تطبيق الرقابة، لكنها ظلت "شكلية هلامية"، وشكل لجنة لم يصدر عنها حتى اليوم أي تقرير، ولم يتم تمكين المختصين فيها من ممارسة التدقيق الميداني، بالذهاب إلى الهيئة والتفتيش في سجلاتها.• على الرغم من أن الوزير الشعلة وضع آلية تنظيمية للرقابة، فإن شيئا لم يتحقق على الأرض، بل كانت رقابة الشعلة "استرضائية" إذ ضمت اللجنة عناصر من الهيئة نفسها، وهذا لا يستوي مع قواعد الرقابة التي تتطلب الحيادية، وظلت خطوات شكلية لذر الرماد في العيون والالتفاف على الجهات الرقابية. والدليل على أن الرقابة لم تتحقق فعلا طوال 16 سنة، أن هذه الملاحظة ظلت ثابتة ومتكررة في تقارير ديوان المحاسبة السنوية الخاصة بوزارة الأوقاف.• ردَّت الهيئة بأن حملات التبرعات التي تصل إليها تخضع لرقابة وزارة الشؤون الاجتماعية، بينما الأدلة على تلاعب الهيئة بأموال التبرعات تقول غير ذلك، وما أثير عن مبلغ الـ26 مليون دولار التي كانت حصيلة تبرعات حملة "الكويت معكم" لإغاثة منكوبي فيضانات باكستان عام 2010، يؤكد ذلك، فالمبلغ الضخم لم تعرف مسارات صرفه ولا وجوه انفاقه حتى اليوم، ولم تأت رقابة "الشؤون" ولا "الأوقاف" بجديد، وظل الأمر غامضا، وهو ما أثارته بعض وسائل التواصل الاجتماعي وقدمت وقائع ووثائق تؤكد إبرام عقود تنفيعية ومشاريع وهمية، ذهبت الملايين من خلالها في قنوات غير شرعية، وسط غياب رقابة "الشؤون" على تلك الحملة، وحتى "الأوقاف" التي لم تراجع العقود، ولم تكشف على المشاريع، وهو ما يثير شكوك المتبرعين على مصير تبرعاتهم، وسلامة صرفها.• إن تعاقد الهيئة مع مكاتب تدقيق داخلية وشركات عالمية -الذي تتفاخر به- لا يعدّ دليلا على ممارستهم الرقابة ولا يدفع للاطمئنان الى خلو سجلاتهم ونشاطهم العام من الشوائب والانحرافات، بل إن هذا التأكيد منهم بالاستعانة بهذه المكاتب والشركات دليل على التهرب من الرقابة الحكومية الأصيلة، وهي رقابة إجبارية بحكم القانون، ولجأت إلى رقابة وهمية طوعية، إذ يعرف الجميع ان الهيئة تزود تلك الشركات والمكاتب بالمعلومات بصفة اختيارية، وتتدخل في عمليات التدقيق، ما يجعل تقاريرها غير دقيقة وقد تصدر وفق هوى الإدارة نفسها، بل إن الهيئة تملك الغاء التعاقدات مع تلك المكاتب بجرة قلم في حال لم تعجبها التقارير الصادرة عنها!• ثم إن ما اعتبرته الهيئة دليلا على الانضباط هو بحد ذاته ينطوي على شبهة هدر المال الخيري، فالهيئة ليست جهة تجارية، وأموالها ليست ملكية خاصة، بل حصيلة تبرعات تدخل في إطار الصدقات والزكاة، فهل الاولى بتلك الأموال أن توضع بين يدي شركات ومكاتب على غرار "ارنست آند يونغ" و"بروتيفيتي" -تدفع لها الهيئة مبالغ ضخمة لانجاز تقاريرها- أم الأفضل ان تراقبها الدولة والأجهزة الرقابية الرسمية وتتعرف على مسارات صرفها الشرعية التي أهدرت فيها منذ سنوات؟• ذكرت الهيئة أنها تخضع، في أحد المستويات، لرقابة وزارة الخارجية، وهنا نسأل هل لوزارة الخارجية الصفة الكاملة ولديها الأدوات التنفيذية لمراقبة ومعاينة وإجازة المشاريع الخيرية الخارجية والاطلاع عليها عن كثب، ومراجعة العقود مع الجهات الخارجية؟ وإذا كان لها ذلك فأين تقاريرها بشأن مشاريع الهيئة وتعاقداتها وتحويلاتها الخارجية للأشخاص والمؤسسات؟• تطرق رد الهيئة لقضية عضو مجلس الإدارة السوداني عصام البشير الذي يواجه اتهامات من سلطات بلده الجديدة تتعلق بالإرهاب وغسل الاموال، وفق ما أفادت به صحف سودانية ولم ينف الرد تلك التهم، ومر عليها مرورا سريعا، داعيا لانتظار نتائج التحقيق في التهم الموجهة للبشير. والسؤال لماذا لا تراجع التحويلات والشيكات الصادرة باسم البشير داخليا وخارجيا؟ ولماذا لا يتم تتبع تحويلات الهيئة عبر السفارة السودانية في الكويت، من حيث عددها والمبالغ المالية فيها؟ ولماذا لا يتم التأكد من أنها صرفت بصفة شخصية أو بموافقات رسمية؟ ولماذا لم تذهب عن طريق وزارة الخارجية؟• والسؤال الأكثر إلحاحاً: إذا كان القائمون على الهيئة مطمئنين لسلامة موقفهم المالي والإداري، وعدم وجود أي شبهات في مشاريعهم الداخلية والخارجية، فلماذا لا يخضعون كل تلك المشاريع التي جرت في غياب الرقابة لتدقيق ديوان المحاسبة والجهات الحكومية المستقلة مثل هيئة مكافحة الفساد "نزاهة"؟ فهذه الجهات لديها الإمكانيات الكبيرة للقيام بهذا الدور بشكل كامل.• تدعي الهيئة في ردها أن قرارات التعيين وانهاء العقود تسلك مسارا واحدا هو مسار الكفاءة والاهلية، ولا تخضع لاعتبارات الخلفية الفكرية او السياسية او العرقية، وهنا نتساءل: أهي مصادفة أن السواد الاعظم من العاملين في الهيئة ينتمون بشكل أو بآخر إلى الجماعات الاسلامية، وهل تنكر الهيئة هيمنة عناصر ذوي التوجهات الحزبية الإخوانية سواء في مجلس الإدارة أو الإدارة التنفيذية أو على صعيد قطاعات الموظفين وحتى تسجيل الأعضاء في الجمعية العمومية، رغم ان الامر بات معروفا ولا يمكن التنصل منه ولمزيد من تمحيص التوجهات والانتماءات يمكن اللجوء إلى الأجهزة الأمنية والخبراء في شؤون الجماعات الإسلامية السياسية للفصل في مثل هذه المسائل وقد كتبت "السياسة" قبل أيام خبرا عن الاستعانة بالإخواني علاء المنسي للعمل في الهيئة براتب كبير وفي ظل ملابسات مريبة ولكن بيان الهيئة تجاوز هذه الفضيحة الكارثية.• يتغنى بيان الهيئة بأعضاء مجلس الإدارة ويصنفهم على أنهم علماء ومفكرون، ونتساءل: أين مثلا يعيش عضو مجلس الإدارة حاليا د.أحمد توتونجي "سعودي الجنسية"، هل هو مقيم في بلده أم مهاجر إلى تركيا وما الأسباب التي دعت إلى هجرته ؟ كما أننا نتساءل كذلك عن حجم الدعم الكبير الذي تلقاه عضو مجلس الإدارة أيضا عبد الرحمن بن عقيل "سعودي الجنسية" والمشاريع الضخمة التي أشرف عليها وهل تمت مراجعة هذه المسائل من قبل وزارة الأوقاف وتم فحص الجوانب المالية والعقود وغير ذلك، وماذا عن استثمارات وملكيات الهيئة الخيرية في السعودية وما إذا كان بالإمكان معرفة طبيعتها وحجمها وهل سجلت باسم الهيئة الخيرية أم بأسماء أشخاص من أعضاء مجلس الإدارة؟• خلاصة الاستنتاج من بيان الهيئة، أنه مارس لعبة التضليل والالتفاف، وأوهم القارئ بأن الرقابة قائمة، فأين التقارير؟ ولماذا تكررت ملاحظات ديوان المحاسبة حول غياب رقابة وزارة الأوقاف عليها؟• في الختام، نؤكد أن لغة التهديد والوعيد لا تليق بمؤسسة خيرية تمارس دورا عالميا، ونتحدى أن تثبت الهيئة وجود رقابة فعلية موثقة بتقارير رسمية، وليس اللجوء لشركات ومكاتب تدقيق خارجية تدفع لها الهيئة رواتب موظفيها وايجار مقراتها!• وتبقى رسالتنا الأخيرة إلى سمو رئيس مجلس الوزراء، بتكليف الجهات المعنية "ديوان المحاسبة، هيئة مكافحة الفساد، وزارة الأوقاف" لممارسة رقابة حقيقية وفاعلة على الهيئة وتشكيل لجان تحقيق في كل ما أثير من شبهات تجاوز وتعدّ على المال العام، لصيانة المال الخيري من العبث به والحفاظ على سمعة الكويت الإنسانية ناصعة.