منوعات
لصوص أحبهم الله
الثلاثاء 28 أبريل 2020
5
السياسة
إعداد - أحمد فوزي حميدة:"عاشوا معظم سنوات حياتهم في ضلال بعيدا عن الإيمان وتمادوا في ارتكاب المعاصي واحتراف سرقة الناس وأكل حقوقهم ، وحينما أنار الله بصيرتهم وهداهم للإيمان استجابوا وتابوا وانقطعوا عن السرقة وزهدوا في الدنيا ومتاعها حتى نالوا درجة الولاية والاصطفاء والمحبة من الله عز وجل."هذه السرقة هي الحالة الوحيدة التي سكت عنها الرسول صلى الله عليه وسلم، وصارت قضية تناولها المحدثون ودارت حولها آراء الفقهاء ونتج عنها تشريعا فقهيًا.صاحبة الواقعة هي الصحابية هند بنت عتبة (رضي الله عنها) أم الخليفة معاوية بن أبي سفيان، مؤسس الدولة الأموية، أسلمت بعد زوجها أبو سفيان بن حرب بليلة واحدة عقب فتح مكة على الرغم من أنها وزوجها كانا من أشد الناس عداوة للرسول صلى الله عليه وسلم والإسلام، خاصة بعد مقتل أبيها عتبة وعمها شيبة وشقيقها الوليد في غزوة بدر، فخرجت تحرض المشركين على القتال في غزوة أحد وحين استشهد حمزة بن عبد المطلب فرحت بذلك وعمدت إلى بطنه فشقتها وأخذت كبده فلاكتها ثم لفظتها، لكن في يوم الفتح أسلمت وبايعت وحسن إسلامها حتى ماتت في خلافة عمرو بن الخطاب وقيل في خلافة عثمان (رضي الله عنهما).يحكي الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي في كتابه "حياة الصحابة" تحت عنوان "بَيْعة النساء"، أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول للمرأة أن تبايع على أن لا تشركي بالله شيئاً ولا تسرقي، ولا تزني، ولا تقتلي ولدك، ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك، ولا تنوحي، ولا تبرَّجي تبرج الجاهلية الأولى.وأخرج الحاكم في تفسير الممتحنة من "المستدرك" عن فاطمة بنت عتبة بن ربيعة أن أبا حذيفة بن عتبة (رضي الله عنه) ذهب بها وشقيقتها هـند للمبايعة فلما اشترط الرسول صلى الله عليه وسلم ولا تسرقن، قالت هند: "لا أبايعك على السرقة، إني أسرق من زوجي"، فكف النبي صلى الله عليه وسلم يده وكفت يدها، حتى أرسل إلى أبي سفيان فتحلَّل لها منه، فقال أبوسفيان: "أما الرُّطَب فنعم، وأما اليابس فلا، ولا نعمة، قالت: فبايعناه".وذكر ابن كثير في تفسيره، أن أبا سفيان قال: "ما أصبتِ من شيء مضى أو قد بقي فهو لك حلال".وروي الإمام مسلم في صحيحه تحت عنوان "كتاب الأقضية - باب قضية هند" عن عائشة (رضي الله عنها)، أن هند بنت عتبة قالت يا رسول الله: "إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم"، فقال: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف".وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف"، أي لا حرج عليك أن تطعميهم بالمعروف، قال القرطبي: قوله "خذي" أمر إباحة بدليل قوله "لا حرج" والمراد "بالمعروف" القدر الذي عرف بالعادة أنه الكفاية، قال: "وهذه الإباحة وإن كانت مطلقة لفظا لكنها مقيدة معنى، كأنه قال: إن صح ما ذكرت"، وقال غيره: "يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم علم صدقها فيما ذكرت فاستغنى عن التقييد". واستدل الفقهاء بهذا الحديث إذا كان الزوج بخيل على زوجته وأولاده ولا يقوم بالصرف عليهم وحرمانهم من أساسيات الحياة، فالسرقة هنا ليست حرام ولكن بشرط الأخذ على قدر الحاجة.ويظهر من سياق القصة أن منزل أبو سفيان كان فيه كل ما يحتاج إليه؛ إلا أنه كان لا يعطيها إلا من القدر الذي أشارت إليه، فاستأذنت أن تأخذ زيادة على ذلك بغير علمه، ووجه ابن المنير قوله: "إن في قصة هند دلالة على أن لصاحب الحق أن يأخذ من غير جنس حقه بحيث يحتاج إلى التقويم، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن لها أن تفرض لنفسها وأولادها قدر الواجب، وهذا هو التقويم بعينه؛ بل هو أدق منه وأعسر.