التقت الممثلتان اللبنانيتان المخضرمتان، رندا أسمر وحنان الحاج علي، للمرة الأولى على مسرح "دوار الشمس" في بيروت، لثلاثة أيام، في عرض مسرحي تعيدا من خلاله قراءة تجربتيهما الطويلتين على الخشبة، ومن خلالهما تسترجعان أرشيفاً حافلاً، لا يخصهما وحدهما، بل يتعلق بذاكرة البلد بأكمله بقي المسرح فيه حياً، حتى تحت القصف خلال سنوات الحرب ورغم حواجز الموت والخطف، كما في أيام السلم.شغلت فكرة المسرحية الكاتبة والمخرجة العمل كريستيل خضر، منذ العام 2018، حين كان المسرح في أوجه، لكن الذاكرة والتاريخ، يشغلانها، وجمع هاتين الممثلتين الكبيرتين مما تسعى إليه. عرضت الفكرة عليهما بتاريخهما الممتد، تقول خضر، لـ "الشرق الأوسط": "عمري 38 عاماً، وحين كانت حنان الحاج علي ورندا أسمر تناضلان على الخشبة لم أكن موجودة بعد. تساءلت دائماً، كيف استمرتا خلال الحرب الأهلية، وبقيتا تمثلان وتبدعان، في مدينة منقسمة إلى شطرين، كل منهما تعيش في شطر، تجربة مختلفة عن الأخرى، فيما يجمعهما هم واحد هو التمثيل". كانت حنان الحاج علي، تعمل حينها مع مسرح الحكواتي بكل هالته التي عرف بها، ورندا أسمر في شطر آخر من بيروت، تعمل في مسرحيات قائمة على اقتباس نصوص عالمية.تقول أسمر، في المسرحية، إنها كانت تشعر بأنها محاصرة تحت هيمنة حزب واحد، وفي منطقة مقفلة. من خلال التمثيل والمسرحيات، كانت تفك الحصار المحيط بها. والمكان الوحيد الذي تشعر فيه بالأمان هو حين تذهب إلى المسرح، لأنه تحت الأرض. هكذا جمعت كريستيل، الشهادات على لسان الممثلتين خلال لقاءات جمعتها بهما في فترة الحجر. وتقول: "تلك كانت مرحلة مثمرة، لم نتوقف خلالها عن العمل". لكن خضر لا تريد فقط أن تقدم شهادتين اثنتين، معزولتين عن محيطهما. لهذا ذهبت وجمعت شهادات العديد من الفنانين الآخرين الذين عايشوا المسرح وحركته، من المجايلين للممثلتين، والأكبر سناً.وخلال البروفات، كانت خضر تضيف إلى النص هنا، وتنقص هناك، وتعدل في أماكن أخرى، إلى أن استوى على ما هو عليه.من ثمانينات القرن الماضي إلى اليوم، أقفلت مسارح عدة، وظروف كثيرة تبدلت، ودفعت بممثلين موهوبين إلى التزام منازلهم.تضيف كريستيل "إذا كنت أعمل اليوم فبدفع من تجربة هذا الجيل الذي اشتغل في عز الحرب الأهلية، ولم يتوقف متغلباً على الصعوبات. لكنني لست متأكدة أن من هم أصغر مني سيتمكنون من إكمال الطريق". تشرح مخرجة المسرحية: "إن تقديم مسرحية في هذه الأيام يشبه اجتراح معجزة، فمجرد التقائنا حول عمل فني، هو بحد ذاته معجزة، خصوصا أن الأماكن تضيق. نحن في طريقنا إلى المسرح نمر بطوابير السيارات التي تنتظر الحصول على الوقود، نرى المآسي التي يعيشها الناس". ولا توافق خضر من يقولون إن المسرح كان يحتضر، أيضاً أثناء الحرب الأهلية "مسرحية الشونسونيه كانت تقدم 400 عرض، مسرحية لزياد الرحباني كانت تقدم 400 عرض أيضاً. فالمسرح كان مكاناً للتنفيس والهروب، نحن اليوم لا نستطيع أن نعرض أكثر من خمسة أيام". لكن مع ذلك ثمة تصميم بين المسرحيين على المضي في المحاولة، على النهوض رغم كل الظروف."لعل وعسى"، عرض يرصد العلاقة بين رندا وحنان، الممثلتين اللتين رغم تاريخهما الفني الطويل، على مسارح هذه المدينة الصغيرة، تلتقيان للمرة الأولى في عمل واحد، لذا فالعمل يرصد العلاقة بين هاتين التجربتين المختلفتين، وعلاقتهما بما يحدث حولهما في هذه السنوات الأليمة، كما الصلة بين الأجيال المختلفة. من خلال الانتقال من الخاص إلى العام، ومن الفردي إلى الجماعي، ومن التاريخ لفهم الراهن الذي يفتقر إلى إجابات."لعل وعسى" عرض، ترسم من خلاله كل من رندا أسمر وحنان الحاج علي، مسارهما الفني منذ أن اتخذتا المسرح مهنة في بداية ثمانينات القرن الماضي، خلال الحرب الأهلية، بالعودة إلى ذكرياتهما الشخصية والمهنية مع إعادة تشكيل ذاكرة بيروت وخريطة المسارح وأماكن العرض التي لم تعد موجودة اليوم. لكنهما سرعان ما تكتشفان أن الأمر شبه مستحيل... أما المخرجة كريستيل خضر، فقدمت أعمالاً مسرحية عدة، وتحضّر حالياً لتقديم عرض موقعي بعنوان "من قتل يوسف بيدس؟" وهو يعود إلى حادثة انهيار بنك "إنترا" الشهير. كما أن خضر حصلت العام 2019 على "جائزة ابسن" عن مسرحيتها المقتبسة من نص "الساعون إلى العرش".

رندا وحنان في "لعل وعسى"