الاقتصادية
لماذا ترفع الاقتصادات الناشئة أسعار الفائدة لجذب المستثمرين؟
الأربعاء 08 سبتمبر 2021
5
السياسة
الاقتصادات الناشئة تتسم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بتحقيقها معدلات نمو شديدة الارتفاع، وهذا مرجعيته إلى أنها تتحرك من أساس منخفض أي أنها تبدأ من تحت الصفر، لذلك تحقق معدلات زيادة كبيرة بشكل سنوي.معدلات النمو المرتفعة تعبر عن رغبة شديدة للدول الناشئة في تعويض الفارق بينها وبين نظيرتها المتقدمة، لكن حتى وإن نجحت الدول الناشئة في المضي قدماً وتحقيق قفزات اقتصادية، هذا الإنجاز لا يأتي مجاناً دون ثمن يُدفع، بل ينتج عنه ارتفاع لحرارة الاقتصاد، وهذه الحرارة هي نتيجة السرعة والقوة التي تتحرك بها هذه الدولة الناشئة للحاق بالمنافسة والسباق العالمي.هذا ما يمكن أن نطلق عليه اضطراب "ADHD – للدول"، فالدولة تكون مفرطة في الحركة الاقتصادية وترفع من معدلات التشغيل لكافة مواردها وإمكاناتها في إطار زمني ضيق وقصير، فرط الحركة ينتج عنه حرارة مرتفعة، لذا لا تجد الحكومات سلاحًا أفضل من سعر الفائدة كدواء مخفض للحرارة العالية.أهم نتائج الحرارة المرتفعة للاقتصادات هو معدل التضخم وارتفاع مستويات أسعار السلع والخدمات عن السيطرة بعيدة عن المستهدف والمستوى التوازني، وهذا يضع الحكومات وخاصة السلطة النقدية في حيرة من أمرها، من ناحية هي تريد تحقيق نمو وخلق وظائف لتخفيض البطالة والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي ومنح أمل في غد أفضل للمواطنين، ومن ناحية أخرى فرط الحركة ينتج عنه حرارة عالية وهي ارتفاع مستويات أسعار السلع والخدمات.رفع الفائدة يمنح الفرصة للمستثمرين في الاقتصادات الغنية والمتقدمة لاقتناص فرص ربحية غير متوفرة في بلادهم التي تتسم بالفائدة المنخفضة وأحيانا السالبة، لذا تتجه تدفقات أموال الصناديق والشركات والمؤسسات الاستثمارية بالدولار الأمريكي نحو الاقتصادات الناشئة التي ترفع الفائدة لتبريد اقتصادها.لكن الصناديق والمستثمرين الأجانب لا تجذبهم أسعار الفائدة المرتفعة في دول ناشئة تعاني من تذبذبات اقتصادية عنيفة قد ينتج عنها أمران سيئان: الأول: تضخم يخرج عن السيطرة والثاني: سعر صرف غير مستقر، لأن حدوث أحد هذين الاحتمالين يعني تعريض الصفقة لخطر كبير ينتج عنه ربح أقل من المخطط له أو صافي خسارة. يوظف المستثمرون أموالهم المقومة بعملة صعبة مثل الدولار أو اليورو ويشترون أوراقا مالية لدول ذات أسعار فائدة حقيقية مرتفعة والمكسب يكون من ناحيتين، الأولى من الفارق الكبير بين سعر الفائدة في دولهم المتقدمة وهذه الدول الناشئة، والثانية هو من فارق سعر الصرف بين هذه العملات الدولية وعملات الدول الناشئة الضعيفة. ومن الممكن أن يدخل المستثمر في سوق ترتفع فيه قيمة الدولار أمام العملة المحلية مع ثبات أو تذبذب طفيف للتضخم،هنا يكسب المستثمر من ناحيتين أولا فارق سعر الفائدة وثانيا من تحسن سعر الصرف لصالحه.السيناريو السيئ: أن يدخل المستثمر في سوق يواجه أزمة عنيفة أو مُفاجئة تتسبب في ارتفاع مفرط للتضخم، أو يدخل إلى سوق ترتفع فيه قيمة العملة المحلية أمام الدولار، وهنا ينخفض المكسب عما كان مخططا له وقد يتحول ناتج الصفقة إلى صافي خسارة.في الفترة الأولى للوباء أي في الربع الثاني من العام الماضي، حدث انخفاض كبير وتاريخي لتدفقات الاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين الحكومية المُصدرة من الدول الناشئة، صافي تخارج التدفقات وصل لما يناهز 100 مليار دولار. لكن ما لبثت التدفقات أن لامست القاع التاريخي قبل أن ترتفع مرة أخرى مع تحسن معنويات السوق والتوصل إلى لقاح، القاعدة تقول إن أوقات الأزمات تشهد نزوحا لاستثمارات الأجانب من الأسواق الناشئة وتتوجه نحو الاقتصادات الكبرى للتحوط والحذر وحماية أصول أموالهم من أي تقلبات .