الثلاثاء 24 سبتمبر 2024
35°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
كل الآراء

لماذا نحن مطالبون بتطوير أنفسنا؟

Time
الثلاثاء 29 أغسطس 2023
View
71
د.سعد عبدالله الجدعان

ثمار الفكر

خلق الله الأرض وزودها بكل لوازمها، كما خلق الإنسان وزوده بالحواس التي يستخدمها كي يستجمع من خلالها معارفه ومعلوماته عن الطبيعة، وأعطاه العقل، كي يفرز ويحلل ويستخدم هذا الكم الهائل من المعلومات.
والبشرية تسمي ما سبق الثقافة، والتي مصدرها التجهيز لما منحنا الله إياه، فيقال ثقف الأرض أي عمل على تسويتها، وجعلها صالحة للزراعة والاستخدام.
ويقال ثقف الرمح أي جعله صالحا للصيد، ومن هنا تظهر أهمية الثقافة بقوة كي يتمكن الإنسان من السيطرة على ما في الطبيعة من ثروات هائلة دفنها الله في باطن الطبيعة كي يتعلم الإنسان، ويستدل بالمعرفة للوصول إليها واستغلال هذه النعم. الفارق بين إنسان الغابة والإنسان الذي يسكن المدن، ويرتاد البحار والمحيطات والهواء، ويغزو الفضاء، هو القدرة على استغلال المعرفة، وتسخير العقل، لخدمة البشرية.
وكما نحن مدعوون للسير في الأرض وعمرانها، فإن هذا العمران يحتاج إلى الفكر، والثقافة، وكلها تحتاج إلى تطوير الذات، وأول درس في تطوير الذات هو تجميع الأفكار والمعارف والثقافات، ثم هضم كل ذلك، لنصل إلى المرحلة الأهم، وهي استغلال هذه الأفكار فيما يفيد تطور الإنسان وكيف يخطو إلى الأمام.
وبطبيعة الحال، فإن الطريق ليس ممهدا، وليس مفروشا بالورود، لكنها العقبات تؤدي دورا إيجابيا في حياة الإنسان إذ تدفعه إلى البحث عن إمكاناته، التي من خلالها يستطيع الوصول إلى حلول لهذه العقبات، وهذا هو دور العراقيل والأزمات والمحن، التي تدفع البشر إلى أن يبحثوا عن طرق جديدة، وحلول ليست مطروقة.
وكما قيل فإن ظهور أزمات جديدة يعني ظهور أفكار جديدة واتجاهات، ورؤى جديدة، وقيادات جديدة تستطيع التعامل مع هذه الأزمات، فالعلماء يفكرون طويلا حول موضوع قدرة الإنسان على مقاومة العراقيل، ولقد طرح أحدهم سؤالا ضخما: أين تكمن قدرة الإنسان على المقاومة؟
وقضى العالم الكبير شتراوس حياته يفكر في الوصول إلى إجابة لهذا السؤال: إن قدرة الإنسان على المقاومة للصعاب قد تجلت في كتابات همينغوي في رائعته "العجوز والبحر"، وفي أعمال الكاتب دوستويفسكي الذي كتب ملحمة أعماق الإنسان، وكشف سراديب النفس البشرية، وغاص في دهاليزها، ووضع أمامنا الإنسان بكل ما تنساب في أعماقه من تيارات، وأمواج، واضطرابات، وأفكار، ووحدة، وأنوار، وانهزامية وقدرة على المقاومة، حتي أخر رمق.
إن قدرة الإنسان على التطوير، لا حدود لها، والعلم يخبرنا أن الإنسان بكل ما وصل إليه من أفكار لا يستغل سوى 2 في المئة من طاقته، ومازالت لديه 98 في المئة، من الطاقات لم يقم باستغلالها بعد، فهل يحق للإنسان أن يشتكي ولديه كل هذا الكم الهائل من الكنوز، ولديه من النوافذ المفتوحة على العالم من حواس
لا يمكن إشباعها على الأطلاق؟
فإذا ما فهم كل إنسان ذاته، يكتشف كما هائلا من الطاقات، التي تتيح له الانطلاق بكل ثقة صوب الحياة يعبئ منها حيث شاء.
قديما قال سقراط "أعرف نفسك"، وكان يقصد أنه ينبغي عليك أن تعرف الطريق الذي يوصلك للسعادة، وهذا لن يكون إلا إذا اكتشف ذاتك، وذات الإنسان مثل قارة بكر، مليئة بالطاقات والإيجابيات، لكننا تقاعسنا عن ركوب الأفكار والعلم والمعرفة التي توصلنا إلى اكتشاف ذاتنا، والانطلاق بها صوب الأهداف التي نضعها أمام اعيننا ونسعى لتحقيقها.
وما خلق الله الإنسان إلا وزود كل فرد بصفات وميزات يستطيع من خلالها ان يصل الى تحقيق مآربه، لو عرف كيف يستغل ما أمدته يد الخالق من نعم لا تعد ولا تحصى.
إن إمكانيتنا مثل الأرض الخصبة، تحتاج للحرث وتقليب باطنها حتى تتعرض لضوء الشمس وتتغذى منه، وتكون جاهزة للبذور، فإذا ما نثرت فيها الثمار، ورويتها بالاجتهاد، فإنك حتما ستحصد ما زرعت.

متخصص في القانون الدولي، كاتب كويتي

د.سعد عبدالله الجدعان

[email protected]

آخر الأخبار