د.عمر الحسن في خطوة استفزازية جديدة، صرح وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو أثناء زيارته لإسرائيل في 14 الجاري، التي التقى خلالها رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو، ورئيس الحكومة البديل، بيني غانتس، ورئيس الموساد، يوسي كوهين، أن "الالتزام الأميركي لإسرائيل لم يكن يومًا قويًا كما هو اليوم في ظل إدارة الرئيس، دونالد ترامب"، في محاولة منه لإظهار دعم واشنطن للاتفاق الائتلافي الجديد بين حزبي الليكود وأزرق أبيض، الذي يتضمن من جملة مضامينه الخطيرة؛ ضم غور الأردن الذي يمتد على طول الحدود مع الأردن، وشمال البحر الميت والمستعمرات، ومناطق من الضفة الغربية وبسط السيادة عليها، بعد موافقة الإدارة الأميركية وهو الشرط الذي اشترطه غانتس مع نتانياهو للدخول معه في ائتلاف حكومي.في واقع الأمر، لم تكن هذه التصريحات مفاجئة، أو وليدة اللحظة، أو مصادفة، بل كان مخططا لها بعناية من قبل الإدارة الأميركية، حيث تعد استكمالاً لعدد من الهدايا التي قدمها ترامب، منذ وصوله إلى البيت الأبيض في يناير عام 2017، من خلال سلسلة من الخطوات والقرارات التي يناهض فيها الحقوق الفلسطينية، ويصطف فيها خلف الباطل، وينتهك القوانين والقرارات الدولية، من أهمها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها، ووقف الدعم لوكالة تشغيل وغوث اللاجئين (أونروا)، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، واعتراف الرئيس الأميركي، رسميا بضم إسرائيل لمرتفعات الجولان السورية المحتلة، وغيرها من القرارات، لتجيء تصريحات بومبيو الجديدة لتدق المسمار الأخير في نعش التسوية السياسية، التي تتعمد الإدارة الأميركية الحالية حرفها عن مسارها، وتكون جزءا من خطوات أعادت تشكيل الدور الأميركي في المنطقة لمصلحة إسرائيل.وفي تصريحات سابقة، كان "بومبيو" قد أعلن أن "حكومة إسرائيل، التي أقسمت اليمين يوم 17 الجاري، هي من يقرر مسألة الضم أين ومتى، وأن واشنطن ستكون مع قرارها أيا كان"، وكان ترامب قال في يوم 18/11/2019؛ أن المستوطنات الإسرائيلية التي أقيمت على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، "ليست مخالفة للقانون الدولي، وأن بناءها شرعيً"، في خطوة أشاد بها، "نتانياهو"، ووصفها بـأنها "تعكس حقيقة تاريخية"، موجها الشكر لترامب وإدارته.وسبقت زيارة بومبيو، تصريحات للسفير الأميركي في إسرائيل، "دافيد فريمان"، يؤيد فيها الضم وبسط السيادة الإسرائيلية عليها، ويرى الأمر "مسألة ملحة"، ومن المعلوم أن السفير صاحب التوجهات الصهيونية، معروف بتورطه في دعم جرائم الاحتلال ويجد لها ما يبررها، وباستخفافه بالقانون الدولي وبالشرعية الدولية وبقراراتها، ويتبنى أيديولوجية اليمين الإسرائيلي المتطرف.ويصادف تنصيب "نتانياهو"، لرئاسة الحكومة الجديدة للمرة الخامسة، الذكرى الثانية والسبعين للنكبة الفلسطينية، وتدشين نكبة جديدة بإعلان أنها ستحسم توقيت وآليات تنفيذ خطة ضم المستوطنات وفرض السيادة عليها وعلى مناطق في الضفة الغربية المحتلة وغور الأردن الذي يشكل30% من مساحة الضفّة الغربية والمستوطنات والقدس الشرقية مع بدايات يوليو المقبل.يقول "دوف ليبر" في صحيفة "وول ستريت جورنال": "هذه الخطوات إذا نفذت ستُشكل تحديًا جوهريًا لما اتفق عليه الإجماع الدولي، وأي تقدم نحو تطبيع العلاقات مع العالم العربي سيتم تقويضه إلى حد كبير"، وأن السلام الذي تطمح إليه إسرائيل مع الدول العربية والخليجية يصبح غير ممكن.ويشير "غيث العمري"، من "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، إلى أن "عملية الضم ستخلق بيئة سياسية مشحونة بالتوتر والسخط بين الفلسطينيين الذين سيحاولون الرد بقوة على مثل هذه الخطوة، وقد تلجأ السلطة الفلسطينية لإنهاء التعاون الأمني مع إسرائيل وقطع العلاقات معها"، إضافة الى ذلك، فإن هذه الخطة قد تدفع إلى تصعيد عمليات المقاومة الفلسطينية بكل بأنواعها كتدابير انتقامية ضد مخطط الضم وتنتشر الفوضى".ويعتقد الكثير من الخبراء والباحثين عربًا وإسرائيليين، أنه بخلاف تهديدات سابقة للسلطة الفلسطينية بقطع العلاقات ووقف التنسيق الأمني، فإنها في هذه المرة جدية، وعندها ستضطر إسرائيل لإدارة شؤون حياة أكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني يرون أن خطوة الضم هذه ستغيّر واقعهم وواقع المنطقة بأكملها.وحذر سياسيون وأكاديميون وخبراء أمنيون إسرائيليون من خطورة هذه الإجراءات ومن عواقبها الأمنية والسياسية السلبية باعتبار أنها ستؤدي إلى أعمال شغب وإرهاب في الضفة الغربية. وأوضحت تسريبات صحافية إسرائيلية، أن الولايات المتحدة "باتت بسبب هذه التحذيرات أقل حماسة حيال تطبيق مخطط الضم خارج نطاق صفقة القرن"، ونشرت حركة "قادة لأجل أمن إسرائيل" الإسرائيلية، استطلاعًا يفيد بأن غالبية الإسرائيليين يعارضون فكرة الضم، الأمر الذي أكده أيضا الاستطلاع الذي أجراه موقع "واللا" العبري بأن "26% فقط من الإسرائيليين أيدوا الخطة، وأن40% منهم فضلوا حل الدولتين"، كما أظهر أن غالبية الإسرائيليين بمن في ذلك اليمين يعارضون ضم الأغوار خوفا من تضرر العلاقات الإسرائيلية مع الأردن، ومن تبعاتها الكارثية على السلطة الفلسطينية.وهناك تحذيرات أخرى أيضًا من "مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي"، التابع لجامعة "تل أبيب" الذي يرى في تقرير له: "أنه لا توجد دولة في العالم أو في الشرق الأوسط تعترف بهذا الضم وتشجعه سوى إدارة الرئيس دونالد ترامب الذي يحرص على دعم حكومة إسرائيل وبرنامجها الاستيطاني والتهويدي، وأن الضم يعني تفككا تدريجيا للسلطة الفلسطينية، وأن تعاونها الأمني مع إسرائيل سيتوقف، وهو ما سيكون له أبعاد على إسرائيل والمنطقة سياسية وأمنية وعسكرية واقتصادية.وحذر التقرير أيضا، من أن عملية الضم تعد تهديدًا أمنيًا خطيرًا لإسرائيل، وأن ضمًا من طرف واحد هو تهديد لمستقبلها وأمنها وطبيعتها كدولة يهودية، وأن تفكك السلطة وتوسيع السيطرة الإسرائيلية سيؤديان إلى تعظيم فكرة الدولة الواحدة التي تنال تأييدًا من قبل غالبية الفلسطينيين الذين سيطالبون فيما بعد بمساواة في الحقوق المدنية وغيرها مع الإسرائيليين، وهي بالتالي ستقضي على فكرة يهودية الدولة، وسيؤيده العالم الغربي بما في ذلك الولايات المتحدة، وسوف تتصاعد أعمال حركة مقاطعة إسرائيل دوليًا، وستقبل محكمة الجنايات الدولية البحث في الجرائم التي ارتكبتها في الأراضي المحتلة، حتى لو اعترضت على ذلك أميركا أو إسرائيل، مما سيعرض جنودها وقادتها من السياسيين والعسكريين إلى أوامر اعتقال وإجراءات قضائية، كما تقول الكثير من الدراسات والبحوث.وعلى الجانب الآخر، قوبلت تصريحات "بومبيو"، بردود فعل فلسطينية وعربية ودولية، رافضة ومستنكرة؛ لافتقارها للدلالة السياسية، والتاريخية، والقانونية، والستراتيجية، والأخلاقية، محملة الإدارة الأميركية المسؤولية كاملة عن تداعياتها الخطيرة، واعتبرتها غير مخولة ولا مؤهلة لإلغاء الاتفاقات وقرارات الشرعية الدولية، بتأييدها ضم المستوطنات وفرض سيادة إسرائيل على أراضي من الضفة الغربية وغور الأردن. ولم تستغرب القائمة العربية المشتركة ـ التي تشكل15 نائبًا عربيًا في الكنيست يمثلون21% من عدد السكان العرب في إسرائيل- الموقف الأميركي واعتبرت أن التحالف بين نتانياهو وغانتس يعني استمرار الاستعمار الإسرائيلي واحتلال الضفة والقطاع وفرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات والأغوار، وبذلك لن تقوم لفلسطين دولة، وتعهدت القائمة العربية، بمواجهة هذه الحكومة العنصرية وسياستها اليمينية المتطرفة المعادية للفلسطينيين.من جانبه، وصف الملك "عبد الله الثاني"، عملية الضم بأنها تعني "صدامًا مع الأردن الذي له خيارات تخضع حاليًا للدراسة"، ويقود الملك الجهود لحشد المجتمع الدولي ضد الخطوات الإسرائيلية. وقال وزير الخارجية الأردني، "أيمن الصفدي": "إن الضم ينسف كل أوهام السلام والتسوية ويضرب بالصميم روح الشرعية الدولية، ويفضي، إذا حصل، إلى وقف تعاون الأردن مع إسرائيل، ويعتبر خرقًا لما تبقى من اتفاق "وادي عربة" الموقع بين الدولتين عام 1994، وأن الخطر الأكبر في حال الضم هو تقويض السلطة الوطنية الفلسطينية الذي لا يشكل خطرا مباشرا على الأردن بقدر خطورته المباشرة على إسرائيل. ولعل مثل هذه التداعيات والمخاطر متوقعة أيضا على مستوى العلاقات مع مصر التي لن توافق لا هي ولا أي دولة من الدول العربية الأخرى على الضم، الذي سيغير الواقع على الأرض. والدليل بيان وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم في نهاية أبريل الماضي، الذي رفض بشدة أي ضم للمناطق الفلسطينية المحتلة، واعتبرها "جريمة" حرب جديدة.وعقد وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي، يوم 15 الجاري، اجتماعا لمناقشة ما سيكون عليه موقفه في حال قامت إسرائيل بعمليات الضم؛ ولكنه قرر الانتظار إلى حين جلاء موقف الحكومة الإسرائيلية الجديدة من موضوع الضم، مع أن بعض الوزراء كان يرى ضرورة إقرار خطوات عقابية رادعة مسبقًا تصبح سارية المفعول في حال قامت إسرائيل بالضم، منها التهديد بإلغاء اتفاق الشراكة الذي في حالة تنفيذه سيتسبب بضرر اقتصادي كبير لها، وإخراجها من برنامج "الأفق 2027" الذي يضم مؤسسات بحثية وعلمية تحصل إسرائيل منها على هبات بمئات الملايين من الدولارات وغير ذلك.وقد توجهت حكومة الاحتلال لدول أوروبية محددة قبل الاجتماع لإحباط أي قرار محتمل يتخذه الاتحاد. وبموجب دستور الاتحاد الأوروبي، فإن قرارات الشؤون الخارجية تتخذ بالإجماع، وأثناء المناقشات في الاجتماع المذكور رفضت الدول الصديقة لإسرائيل التي تضم التشيك والمجر وبولندا وسلوفاكيا فرض عقوبات عليها.لذلك على الفلسطينيين والعرب ألّا يعولوا كثيرًا على المجتمع الدولي ومنظماته، بما في ذلك مجلس الأمن الدولي الذي سيعقد اجتماعًا بناء على طلب دولة فلسطين لمناقشة هذا الموضوع، ولكن كما هو معروف أنه بوجود إدارة ترامب وما سبقها من إدارات وحتى ما سيلحقها، لا يمكن تمرير أي قرار يدين إسرائيل، ولهذا فإن الحال لن تتغير إذا خسر ترامب انتخابات الرئاسة المقبلة لصالح "جو بايدن"، المرشح الديمقراطي للرئاسة الأميركية المقبلة رغم إعلانه أن على بلاده الضغط على إسرائيل لمنعها من القيام بعمليات ضم جديدة تجعل من حل الدولتين مستحيلاً، قائلاً: إنه "يرفض الضم ويؤيد حل الدولتين"، وأنه إذا انتخب رئيسا فإنه سيستأنف مساعدة الولايات المتحدة للفلسطينيين، ويعيد فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية ويفتح مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن. ويعد "بايدن" من المؤيدين والداعمين لفكرة حل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني عن طريق مؤتمر دولي طالما إسرائيل ترفض كل الحلول وتتنكر لكل الاتفاقات وتتجاهل القرارات الدولية.عموما، مقابل تحركات إسرائيل، نرى تحركات السلطة الوطنية الفلسطينية لمجابهة خطة حكومة نتانياهو متأخرة وضعيفة وهزيلة، فقد اجتمعت برئاسة محمود عباس يوم 16الجاري لبحث ولمناقشة آليات تحرك مضاد، مع أنه كان على القيادة الفلسطينية أن تكون مستعدة لهذه المرحلة، وبخاصة أن خطة إسرائيل كانت معروفة منذ أكثر من عام، لوضع سيناريوهات ما بعد الضم وطرق المجابهة.وبمقارنة ما قامت به إسرائيل ومراكز بحوثها وسياسييها ورجال أمنها، سواء ما زالوا في الخدمة أو في خارجها، مع ما قامت به السلطة الفلسطينية، لوجدنا أنهم عقدوا الندوات وورش البحث وقدموا دراسات تبين مخاطر الضم وتداعياته على إسرائيل وأمنها وسمعتها الدولية وحتى على السلطة أيضًا، ليس من أجل الشعب الفلسطيني ولا من أجل سلطته، وإنما من أجل أمن إسرائيل ومستقبلها.وختاما، مطلوب التصدي لهذا المشروع التصفوي بآليات وأدوات وبقواعد صراع جديدة مختلفة وبخطاب سياسي وإعلامي فلسطيني يصلح للدفاع عن الحقوق، وأشكال نضال خلاقة، ولكن بقيادات وطنية شابة وفاعلة تتسلم قيادة السلطة الفلسطينية، وهي متوافرة وموجودة في الفصائل والأحزاب الفلسطينية، فالقيادات الحالية التي تقود العمل الفلسطيني منذ أكثر من 27 عامًا اجتهدت ولم توفق في إدارة الصراع وفي تحقيق أي نجاحات في إجبار إسرائيل على تنفيذ الاتفاقيات الموقعة، ولهذا وصلنا إلى ما نحن فيه اليوم من ضياع للأرض وتشريد للشعب وحماية للمحتل. رئيس مركز الخليج للدراسات الاستراتيجيةسفير الجامعة العربية في لندن ودبلن سابقًا

من أحد مخيمات الضفة الغربية