كل الآراء
ما يحدث في تونس وقصتنا مع "الربيع العربي" (1-2)
الثلاثاء 10 أغسطس 2021
5
السياسة
عبدالنبي الشعلةالتطورات المؤسفة التي شهدتها، وما زالت تشهدها، تونس، هي بكل وضوح من تداعيات ما حدث في أواخر عام 2010 ومطلع عام 2011 عندما اختيرت تونس لتكون الأرض التي انطلق منها شعار"الشعب يريد إسقاط النظام"، وانطلقت منها شرارة حركة تدميرية سماها مخططوها ومنفذوها "الربيع العربي"، نجحت في إطاحة انظمة سياسية في دول عربية عدة، والتي ما تزال نتيجة لذلك تعيش حالة من التشتت والفوضى، وتعاني تحت وطأة ما سببته تلك الحركة من خراب ودمار؛ وليبيا واليمن مثالين.ولقد كانت الدول العربية الخليجية مرشحة ومستهدفة أيضًا في تلك الفترة، وكان يراد للبحرين أن تكون تونس الخليج، إلا أن إرادة الله سبحانه وتعالى شاءت أن تحمينا وتنجينا. ليس خفيا على أحد حاليا، أن عاصفة "الربيع العربي" التي عصفت بالدول العربية لم تهب فجأة أو صدفة، أو أنها كانت من حسن أو سوء الطالع، ولم تأت تلقائيا، فقد كانت عملا مهيأ ومدبرا ومخططا له بدقة وإحكام، منذ قرار الدول العربية المصدرة للنفط بقيادة الملك فيصل بن عبدالعزيز، رحمه الله، في عام 1973 وقف إمدادات النفط عن الولايات المتحدة وباقي الدول الغربية المساندة لإسرائيل؛ لدفع هذه الدول للضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضي العربية المحتلة في حرب 1967. وكانت اعتداءات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية التي نفذها عدد من المواطنين العرب في قلب الولايات المتحدة هي الحدث الذي جعل معاقبة الأنظمة العربية أمرا لا يحتمل التأخير؛ فكان غزو العراق بعد عامين، في عام 2003، الذي تم ونفذ بالأسلوب العسكري التقليدي، اما باقي الدول العربية، ومنها الخليجية، فقد استخدم معها أسلوب "الحرب الناعمة". كانت فكرة "الحرب الناعمة" ضمن مفهوم "الجيل الرابع للحروب" قد نشأت في عام 1989 عندما تم هُدم جدار برلين كمقدمة لانهيار الاتحاد السوفياتي وكتلته الشيوعية الاشتراكية، وهزيمتها الساحقة والمحرجة أمام الولايات المتحدة والمعسكر الغربي والنظام الرأسمالي، من دون إطلاق صاروخ أو رصاصة واحدة على أي منها، لقد تم تحقيق ذلك باستخدام الوسائل والأسلحة الناعمة أو "القوة الناعمة" (Soft Power)؛ وهو مفهوم صاغه وعرَّفه استاذ العلوم السياسية والمفكر الستراتيجي الأميركي جوزيف ناي بـ"التأثير على الرأي الاجتماعي والعام وتغييره من خلال قنوات أقل شفافية نسبيا، والضغط من خلال منظمات المجتمع المدني السياسية وغير السياسية"، كما اوضح أن "حسم الصراعات بالقوة العسكرية وحدها أصبح أمرا من الماضي خصوصا أن الانفتاح وقوة وسائل الاتصال والبرمجيات قد تشكل عائقا كلما حاولت الولايات المتحدة شن حرب جديدة"، ودعا إلى "اعتماد ستراتيجية القوة الناعمة لضمان حلفاء ليس من الحكام فقط، بل من شعوب المناطق التي تريد أميركا فرض سيطرتها عليها بشكل ما" واضاف:"في عصر المعلومات تعد المصداقية أندر الموارد". وخلال العدوان الأميركي على العراق طور ناي هذا المفهوم في كتابه "القوة الناعمة: وسيلة النجاح في السياسة الدولية"، ليؤكد أن أميركا كانت قادرة على كسب المعركة مع العراق بقوتها الناعمة من دون كلفة تذكر. في حروب الجيل الرابع، والحروب الناعمة، يجوز، بل يجب استخدام، أو عدم استخدام، أو إساءة استخدام القيم والمبادئ والمعتقدات ضمن الأسلحة الناعمة، وكانت الدعوة إلى تطبيق الديمقراطية بنسختها الغربية في بلداننا المبدأ، أو الشعار، أو الراية التي حُمِلت في الحملات الناعمة التي تعرضت لها دولنا، والتي أدت في النهاية إلى اندلاع نيران "الربيع العربي". في الحروب الناعمة تصبح الدولة تحارب نفسها، وفي هذه الحروب لا تستخدم الأسلحة التقليدية، فوسائل الإعلام والمعلومات هي الأسلحة المفضلة، ولم يعد جنود المعتدي في هذه الحروب عسكريين، بل هم خبراء في القدرة على النفاذ الى صفوف الرأي العام بالدولة المستهدفة، وإدارته، وتحريكه، وتعطيل الوعي، وبث الإشاعات، واستثمار معاناة الناس لخلق حالة من الاحباط والتذمر، والاستياء والتوتر في المجتمع، بما يؤدي إلى نمو شعور الكراهية والعداء للنظام الحاكم، وفي كل الأحوال فإن المعتدي في هذه الحروب لا يستخدم جنوده، بل يستخدم مواطني الدولة المستهدفة من خلال شبكات ومؤسسات المجتمع المدني، السياسية منها وغير السياسية، وجماعات ما دون الدولة التي يرتبط ولاؤها بالدول أو الجهات التي تمولها وترعاها. وزير العمل البحريني السابق