الاثنين 07 يوليو 2025
43°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الافتتاحية

مات عمر بن عبدالعزيز فأكل ذئبُ الفسادِ الْغَنَمَ

Time
الاثنين 10 مايو 2021
View
10
السياسة
أحمد الجارالله

تُعتبر خلافةُ عمر بن عبدالعزيز، التي استمرَّت نحو ثلاثين شهراً، واحدةً من أكثر محطات التاريخ الإسلامي مثالاً على العدل والمساواة، بعد عهد الخلفاء الراشدين، ولذلك أُطلق عليه الخليفة الراشد الخامس.
لقد تميَّز حكمُهُ بردِّ المظالم، التي كان أسلافُهُ من حكام بني أمية، قد ارتكبوها، وعَزْله جميع الولاة الظالمين الفاسدين ومُعاقبتهم، بعد أن دُفع إلى الحكم دفعاً رغماً عنه، إذ كان زاهداً لا يرغب في حمل هذه الأمانة الكبيرة، لذلك حين آل إليه المنصب، قال في أولى خطبه للمسلمين: "أيها الناس، إني قد ابتُليت بهذا الأمر عن غير رأي كان مني فيه، ولا طلبة له، ولا مشورة من المسلمين، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بَيْعتي، فاختاروا لأنفسكم".
صاحوا جميعاً: "قد اخترناك يا أمير المؤمنين ورضينا بك، فولِّ أمرنا باليمن والبركة"، فكان أول ما أمر به ردُّ كل الأموال التي استولى عليها حكام بني أمية إلى بيت المال، حتى مجوهرات زوجته، وملابسها الفاخرة، وقد أشاع العدل في الدولة، إلى درجة أنَّ المُنادي كان يُنادي على الفقراء؛ كي يأخذوا الزكاة، فلا يجد فقيراً، وحينها أمر بنثر الحبوب على قمم الجبال؛ لتأكل الطير منها؛ كي لا يُقال: إنَّ طيراً جائعاً مات في عهد عمر.
أدَّت سياسة عمر إلى تبرُّم الحاكمين من بني أمية منه؛ لأنه حرمهم ملذاتهم وتمتعهم بميزات لا ينالها غيرُهم، بل جعل منهم مثل أقصى الناس في أطراف الدولة، فكاد له بعضهم، ووعدوا غلامه بألف دينار وإعتاقه إذا هو سممه، فدس السُّم في شراب الخليفة الذي ما إن شعر به، حتى دعا الغلام وسأله: "ويحك ما حملك على أن تسقيني السم؟"، فقال: "ألف دينار وإعتاق رقبتي"، حينها أمره برد الملبغ إلى بيت المال، وقال: "اذهب حيث لا يراك أحد".
وكإشارة على خوف الناس من غيابه، يُروى أنَّ امرأة هاجم ذئبٌ غنمَها، وقتل بعضَها، فقالت: "إن هذا علامة على موت عمر بن عبدالعزيز"، وهي دلالة على هيبة الحكم وقوته.
وورد في التاريخ أنَّ ملك الروم حين سمع بخبر موت عمر، جمع حاشيته، وخطب فيها باكياً: "إن ملك العرب الرجل الصالح مات، ولقد بلغني من برِّه وفضله وصدقه الكثير، وكانت تأتيني أخباره باطناً وظاهراً، فلا أجد أمره مع ربه إلا واحداً، بل باطنه أشد حين خلوته بطاعة مولاه، ولقد عجبت من هذا الذي صارت الدنيا تحت قدمه فزهد فيها، فأهل الخير لا يبقون مع أهل الشر إلا قليلاً"، وبعد موته وجدوا معه 17 ديناراً فقط، دفع منها ثلاثة للكفن، وأربعة للقبر، فيما وُزِّعت العشرة الباقية على ورثته العشرة.
هذا هو عمر بن عبدالعزيز، الذي استردَّ هيبة الدولة الإسلامية بعدما أهدرها فسادُ حكام بني أمية، وإشاعتهم الظلم بين الناس، فمنع السرقات والاستيلاء على الأراضي من دون وجه حق، وآمن أنَّ لا قوة للدولة إلا بالعدل والمساواة، ومحاسبة الكبير قبل الصغير، ولو لم يتآمر عليه بنو قومه لما انهارت الدولة الأموية، وهي عبرة دوَّنها التاريخُ؛ لتكون حاضرة في ذهن كلِّ حاكم ومسؤول، امتثالاً لقول النبي الكريم (صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ".
آخر الأخبار