ماذا بعد قرار محكمة العدل الدولية بشأن غزة؟!
- المحكمة أمرت إسرائيل بـ6 إجراءات موقتة ولا دلائل على أنها التزمت بتنفيذها
- الإجراءات تشمل منع أعمال الإبادة والتحريض وتوفير المساعدات الإنسانية للمدنيين
- وزيرة خارجية جنوب أفريقيا: إسرائيل لم تلتزم بالحكم ومئات المدنيين قتلوا بعد صدوره
- أدلة على أن القوات الصهيونية لم تتخذ إجراءات لمنع الإبادة الجماعية واستمرت بالهجوم
- لا معلومات تشير إلى أن الكيان اتخذ إجراءات عقابية ضد المحرضين على الإبادة الجماعية
- إسرائيل لم تتخذ أي خطوات فعالة لضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة دون عوائق
- عواقب عدم الامتثال تتضمن عرض القضية على مجلس الأمن لإجبار إسرائيل على الالتزام
بقلم: طارق يوسف الشميمري
بعد أسبوعين من قرار محكمة العدل الدولية، هل تلتزم إسرائيل بأوامر المحكمة؟، وبعد أن أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل بمنع أعمال الإبادة الجماعية التي أدت هجماتها إلى مقتل مئات آخرين من الأشخاص في غزة، وفي القرار الموقت أمرت المحكمة إسرائيل بالالتزام بستة إجراءات موقتة.
الالتزامات الستة
شملت هذه الالتزامات منع أعمال الإبادة الجماعية، والتصدي للتحريض المباشر والعلني على الإبادة الجماعية، وضمان توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية للمدنيين في غزة علاوة على ذلك أمرت المحكمة إسرائيل بحماية أدلة الإبادة الجماعية وتقديم تقرير إلى محكمة العدل الدولية في غضون شهر، يتضمن تفاصيل امتثالها لهذه الأوامر.
ومع ذلك أكدت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا، ناليدي باندور، الأسبوع الماضي أن إسرائيل لم تلتزم بالحكم، زاعمة أن مئات المدنيين الآخرين في غزة قتلوا في الأيام الفاصلة، والسؤال الذي يطرح نفسه ما هي الإجراءات ـ إن وجدت ـ التي اتخذتها إسرائيل لتنفيذ توجيهات محكمة العدل الدولية حتى هذه اللحظة؟ وهل اتخذت إسرائيل إجراءات لمنع أعمال الإبادة الجماعية؟
ففي الأسبوع الذي أعقب حكم محكمة العدل الدولية، هناك أدلة على أن القوات الإسرائيلية لم تتخذ إجراءات فعالة لمنع أعمال الإبادة الجماعية واستمرت بالهجوم العسكري في غزة مما أدى إلى سقوط ما يقرب من 2000 ضحية فلسطينية إضافية منذ قرار المحكمة في 26 يناير 2024 (المصدر وزارة الصحة في غزة).
وأعربت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا عن قلقها، قائلة في الأسبوع الماضي "إن العمليات العسكرية الجارية تشير إلى أن إسرائيل تعتقد أن لديها الحرية في التصرف دون ضبط النفس، وعلى الرغم من الأوامر المحددة الصادرة عن محكمة العدل الدولية، ولا تزال المستشفيات في غزة مستهدفة بالهجمات الإسرائيلية ما يؤدي إلى تفاقم الضغط على نظام الرعاية الصحية المنهار بالفعل في المنطقة".
الجدير بالذكر أن مخيم النصيرات للاجئين والمناطق المحيطة بمستشفى ناصر في خان يونس تعرضت لهجمات هذا الأسبوع، وكان مستشفى الأمل في خان يونس تعرض لحصار دام 11 يومًا، حيث أفادت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بأن القوات الإسرائيلية اقتحمت المستشفى للمرة الثالثة الخميس الماضي وأنكرت إسرائيل هذه الادعاءات، حيث صرح متحدث عسكري بأنه لم يكن هناك أي اقتحام أو دخول أو أوامر لأشخاص بمغادرة المستشفى تحت تهديد السلاح.
وتشير التقارير المتضاربة بشأن إمكانية امتثال إسرائيل لتوجيهات محكمة العدل الدولية والتأثير المستمر على حياة المدنيين ومرافق الرعاية الصحية في غزة.
خطوات مثيرة
هل اتخذت إسرائيل خطوات مثيرة للجدل منذ صدور حكم محكمة العدل الدولية؟
في الأسبوع الماضي، أوضح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أن إسرائيل لا تنوي وقف عملياتها العسكرية في غزة في أي وقت قريب، وكان غالانت واحداً من ثلاثة مسؤولين إسرائيليين انتقدتهم محكمة العدل الدولية شخصياً بسبب التعليقات التي أدلوا بها والتي يمكن اعتبارها تحريضاً على الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين.
وقال جالانت في مؤتمر صحافي: إن العملية العسكرية الإسرائيلية في خان يونس، التي بدأتها الأسبوع الماضي كانت ناجحة، ما مهد الطريق أمام قواتها للتقدم الآن نحو رفح على الحدود الجنوبية مع مصر.
وأضاف جالانت: "إننا نحقق مهمتنا في خان يونس وسنصل أيضًا إلى رفح ونقضي على العناصر الإرهابية التي تهددنا".
تمتلئ رفح بالفلسطينيين النازحين داخلياً، الذين لا يجدون أماكن للذهاب إليها داخل قطاع غزة. وقال المتحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية يانس ليركا يوم الجمعة 9 فبراير 2024: إن "آلاف الفلسطينيين واصلوا الفرار إلى الجنوب، الذي يستضيف بالفعل أكثر من نصف السكان البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون شخص"، ومن غير الواضح إلى أين تنوي إسرائيل أن ينتقل سكان غزة، إذا أصبحت رفح المركز الجديد لهجماتها.
التحريض على الإبادة الجماعية
هل عاقبت إسرائيل أحداً بسبب تصريحاته المتعلقة بالإبادة الجماعية؟
حتى الآن لا توجد معلومات عامة تشير إلى أن إسرائيل اتخذت إجراءات عقابية ضد الوزراء أو المسؤولين الذين أدلوا بتصريحات تحرض على الإبادة الجماعية رغم أن خطاب الإبادة الجماعية الذي تم تسليط الضوء عليه في قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، يتضمن تصريحات لشخصيات مختلفة بما في ذلك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ونائب رئيس الكنيست نسيم فاتوري، ووزير التراث عميخاي إلياهو، من بين آخرين.
وهذه التصريحات التي تعرضت لانتقادات بسبب تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم والتحريض على العنف لا تزال دون معالجة من قبل السلطات الإسرائيلية، علاوة على ذلك، حضر بعض وزراء الحكومة الاسرائيلية مثل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، فعاليات تدعو إلى إعادة بناء المستوطنات في غزة وإنشاء المزيد في الضفة الغربية المحتلة، وهو الموقف الذي تعرض للانتقاد باعتباره تأييدًا للتطهير العرقي للفلسطينيين..
تنص المادة الرابعة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها على أنه يعاقب الأشخاص الذين يرتكبون جريمة الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة، سواء كانوا حكامًا مسؤولين دستوريًا أو موظفين عموميين أو أفرادًا عاديين.
منع المساعدات مستمر
هل اتخذت إسرائيل خطوات لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة؟
لا تشير المعلومات المتوافرة إلى أن إسرائيل اتخذت خطوات فعالة لضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة دون عوائق، ومنذ ديسمبر 2023 واجهت شاحنات المساعدات والوقود عقبات بسبب الحصار الإسرائيلي والقصف المستمر للقطاع، وأمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل بتنفيذ تدابير مؤقتة لتقديم الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية، لكن التحديات لا تزال قائمة.
علاوة على ذلك، اتهمت إسرائيل 12 من موظفي الأونروا بالتورط المباشر في هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، وفي وقت لاحق قام المانحون الرئيسيون بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا بتعليق تمويلهم للأونروا، وقد أثار هذا التطور مخاوف بشأن قدرة الأونروا على مواصلة تقديم الخدمات الأساسية في غزة مما قد يؤدي إلى أزمة إنسانية.
عواقب عدم الامتثال
هل من الممكن فرض عقوبات على إسرائيل لعدم امتثالها لأوامر محكمة العدل الدولية؟
قرارات محكمة العدل الدولية ملزمة قانونا لإسرائيل، وفي حالة عدم الامتثال يمكن لأي عضو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عرض القضية على المجلس، الذي قد يصوت بعد ذلك على إجبار إسرائيل على الالتزام بالإجراءات المؤقتة.
تشمل العواقب المحتملة لعدم الامتثال عقوبات الأمم المتحدة، مثل التدابير الاقتصادية/التجارية وحظر الأسلحة وحظر السفر، بل إن مجلس الأمن لديه سلطة التدخل بالقوة على الرغم من أن أي عقوبات يمكن أن تخضع لحق النقض الأميركي ( الفيتو ) بسبب تحالفها الوثيق مع إسرائيل، ويشير نيف جوردون أستاذ القانون الدولي، إلى أن قرار مجلس الأمن قد يحمل وزناً مختلفاً عن قرار محكمة العدل الدولية. وتصر إسرائيل على أن أفعالها دفاع عن النفس ضد حماس، في حين تشير تقارير الضحايا الصادرة عن وزارة الصحة في غزة إلى أن غالبية الضحايا هم من النساء والأطفال.
تنص المادة (27 ) من ميثاق الأمم المتحدة بشأن حق النقض على أن واضعي ميثاق الأمم المتحدة تصوروا أن خمس دول - الصين، فرنسا، اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية (الاتحاد السوفياتي) [الذي خلفه الاتحاد الروسي في عام 1990، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة – بسبب أدوارهما الرئيسية في إنشاء الأمم المتحدة ــ سوف تستمر في لعب أدوار مهمة في صون السلام والأمن الدوليين. وقد مُنحوا الوضع الخاص للدول الأعضاء الدائمة في مجلس الأمن، إلى جانب قوة تصويت خاصة تُعرف باسم "حق النقض"، واتفق واضعو مشروع القرار على أنه إذا أدلى أي من الأعضاء الخمسة الدائمين بصوت سلبي في مجلس الأمن المؤلف من 15 عضوا، فلن تتم الموافقة على القرار أو المقرر.
شغل منصب مستشار ورئيس اللجنة المالية ورئيس لجنة الميزانية العامة في محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي (PCA) ومراقب في المجلس الإداري ومحكمة العدل الدولية ومستشار بسفارة دولة الكويت في هولندا خلال هذه الفترة من 2013 إلى 2020.