محمد الفوزانإذا ضاقت بك الدنيا وأشغلتك الهموم وأثقلتك الديون، وتوالت عليك الأحزان فالجأ إلى الله بالصدقات، وانتظر ما لا يخطر على بالك من الخير. يقول تعالى:"فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى".يقول صاحب مطعم في إحدى محافظات السودان الشرقية: كنا في المطعم نستعد لتقديم وجبة العشاء فى إحدى ليالي الخريف، وبعد تجهيز الطعام هطلَت الأمطار بشدة، وأظلمت علينا السماء، وانقطعت الكهرباء، وبدأ أهل السوق في المغادرة، فأشعلنا الفوانيس، واتفقنا على المغادرة بعد هدوء الأحوال، وعددنا الطعام الذي صنعناه خسائر، إذ لا توجد مبردات كافية، والموجودة منها لن تنفع مع انقطاع الكهرباء، وفي أثناء انشغالنا بالحديث رأيت في ظل الفوانيس شيئاً يتحرك في الجهة المقابلة للمطعم، فحملتُ فانوساً وعصا لظني أنه لص يريد سرقة أحد الدكاكين، واقتربتُ من السواد وعلى ضوء الفانوس الضعيف رأيتُ امرأةً معها طفلان في غاية من الضعف والتعب، فسألتها إن كانت تحتاج إلى شيء.فقالت: أريد طعاماً لي ولأولادي.قدّمتُ لها أحسن ما عندي من الطعام، وأعطيتها بعض المال.بكت المراة بكاءً شديداً.فقلت: ما الذي يبكيكِ؟فقالت: تُوُفِّيَ زوجي، وهذا ثالث يوم لا أجد فيه ما يسد جوعي وجوع أطفالي.قلت لها خيراً وتركتها، فسمعتُها تتمتم بكلمات منها: ربي يوسع عليك الليلة زي ما وسعت على أولادي.
قلت: آمين، وإن كنا خسرنا في هذه الليلة، فالأمر كله لله، والمؤمن لا يقنط من رحمة الله.كانت الأمطار تهطل، والريح تعصف، وأنا أستعد لإغلاق المطعم وأحسب الخسائر، وفجأة رفعت رأسي على صوت حافلة تحمل مسافرين تقف أمام باب المطعم، لا أدري من أين جاءت. نزل السائق وسأل: عندكم طعام؟قلت: نعم.فنزل من الحافلة أكثر من أربعين مسافراً، واشتروا جميع ما لدينا من الطعام، وصنعنا لهم طعاماً آخر. حتى بقايا الخبز الجاف بعناها لهم مع الشوربة.وبعد ذهابهم جلست أحسب الأرباح، ومعي العمال في عجَبٍ من هذا التحول المفاجئ والربح السريع، فقال أحد العمال: ايش عملت من عمل صالح اليوم؟فانتفضتُ كالملدوغ، وأنا أتذكر دعوة المرأة وهي تقول: ربي يوسع عليك الليلة زي ما وسعت على أولادي.فحمدتُ الله ، ثم خرجت تحت المطر أبحث عنها فلم أجدها، وتذكرتُ قول النبي(صلى الله عليه وسلم):"ما نقَص مالٌ مِن صَدَقَةٍ"لقد ساق الله المطر لتَشبَع المرأة وصغارها، وساق الحافلة ليَجزي المُنفق على إنفاقه. يقول صلى الله عليه وسلم:"صنائعُ المعروفِ تقي مصارعَ السوءِ والآفاتِ والهلكاتِ، وأهلُ المعروفِ في الدنيا همْ أهلُ المعروفِ في الآخرةِ".
[email protected]