الاثنين 22 سبتمبر 2025
31°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

مالي ترسل طلابها لتلقي العلم في الحجاز والمغرب

Time
الأربعاء 15 مايو 2019
السياسة
إعداد - محمود خليل:


لا يعلم كثيرون أن أفريقيا جنوب الصحراء التي لم تصل إليها جيوش الفتح الإسلامي قامت بها دول وممالك إسلامية كان لها دور بارز في نهضة الإسلام والدفاع عنه في مواجهة الهجمات التي كانت تسعى للنيل منه، في هذه الحلقات نستعرض عددا من تاريخ أهم الدول والممالك الإسلامية في أفريقيا جنوب الصحراء، مواقفها من دول الاحتلال الأوروبية دفاعا عن الأرض والدين.

وفد على امبراطورية مالي بعد استقرارها وتوسعها علماء من مصر وشمال أفريقيا للتدريس، استقدم بعض سلاطينها العلماء من الخارج للتدريس وللاستفادة من خبراتهم وعلمهم، يذكر منهم ابن خلدون، الفقيه محمد الفيلالي، إمام مسجد البيضان بمدينة جاو، محمد بن الفقيه الجزولي بعاصمة مالي، صهره الفقيه المقرئ عبدالواحد، علي الزُّودي المراكشي من الطلبة، أبوإبراهيم إسحاق الجاناتي قاضي مدينة تغّيدا، الفقAيه محمد بن عبدالله من أهل تغّيدا أيضاً، إذ تركوا فيها بعض آثارهم وبصماتهم.
اشتهرت بعض مدن الامبراطورية كمراكز للعلم، مثل، نياني، تمبكتو، جني وجاو، وفد عليها طلاب العلم من كل مكان ينهلون العلم من علمائها، لم يكتف سلاطين مالي بهذا، بل أرسلوا بعثات علمية إلى معاهد العلم في الحجاز، المغرب، الأندلس والقاهرة.
يقول السعدي عن "كاتب موسى": وهو من علماء السودان الذين رحلوا إلى فاس لتعلّم العلّم في دولة أهل مالي بأمر السلطان العدل الحاج موسى، ولمّا عادوا أسند إلى كاتب موسى إمامة الجامع الكبير بمدينة تنبكتو، وظلّ إمامه أربعين سنة.
انتشرت الحلقات العلمية في مساجدها، سافر إليها العلماء والفقهاء من شمال أفريقيا، مصر، الحجاز، وانقطعوا للدرس والتدريس، مثل، علي الزواوي المراكشي، من طلبة العلم، أبو حفص من طلبة مسوفة، ابن شيخ اللبن التلمساني، الذي استقر في مالي بعد ذلك للتعليم، كان له مدرسة يعلّم فيها القرآن، بل استقر فيها علماء من مصر، مثل، الطبيب الذي عالج ابن بطوطة، الشيخ شمس الدين بن النقويش المصري من الذين راسلهم ابن بطوطة قبل قدومه إلى مالي.
أشاد ابن بطوطة بالحياة العلمية في الامبراطورية فقال: عنايتهم بحفظ القرآن العظيم، وهم يجعلون لأولادهم القيود إذا ظهر منهم التقصير في حفظه، لا تُفك عنهم حتى يحفظوه، لقد دخلت على القاضي يوم العيد وأولاده مقيدون، فقلت له: ألا تسرحهم؟ فقال: لا أفعل حتى يحفظوا القرآن.
ومررت يوماً بشاب منهم حسن الصورة، عليه ثياب فاخرة، وفي رجله قيد ثقيل، فقلت لمن كان معي: ما فعل هذا... أقتل؟ ففهم عني شاب وضحك، وقال لي: إنما قيّد حتى يحفظ القرآن.
يتحدث ابن خلدون عن أهمية حرمة المساجد، وأنها كانت ملاذاً آمناً لمن يلجأ إليها خوفاً من السلطان، من ذلك قصة غضب السلطان على بنات عمه، "فخفن منه واستجرن بالجامع، فعفا عنهن واستدعاهن"، كذلك كان بيت الإمام يُعَدّ ملاذاً آمناً لمن يلجأ إليه، مما يدل على مكانة العلماء عند السلطان، وكانت زوجة السلطان الأولى فرّت إلى بيت الإمام خوفاً من وشاية وصلت إلى السلطان ضدها، واستجارت بدار الإمام فعفا عنها السلطان.
يضيف، "ومنها - أي من عاداتهم الحسنة - مواظبتهم للصلوات والتزامهم لها في الجماعات، وضربهم أولادهم عليها، وإذا كان يوم الجمعة ولم يبكّر إلى المسجد لم يجد أين يصلي لكثرة الزحام، ومنها لباسهم الثياب البيض الحسان يوم الجمعة، وإن لم يكن لأحدهم إلا قميص خلق غسله ونظفه وشهد به الجمعة".
يورد البكري قصة إسلام أحد ملوك مالي بقوله: وملكهم يعرف بالمسلماني، وإنما سُمِّي بذلك لأن بلاده أجدبت عاما بعد عام فاستسقوا بقرابينهم من البقر حتى كادوا يفنونها، وكان عنده ضيف من المسلمين يقرأ القرآن ويعلم السُّنة، فشكا إليه الملك ما دهمهم من ذلك. فقال له: أيها الملك، لو آمنت بالله تعالى وأقررت بوحدانيته وبمحمد عليه الصلاة والسلام، فلم يزل به حتى أسلم وأخلص نيته وأقرأه من كتاب الله ما تيسر عليه، وعلمه من الفرايض "الفرائض" والسُّنن ما لا يسع جهله، فأمر الملك بكسر الدكاكير وإخراج السحرة من بلاده، وصح إسلامه وإسلام عقبه وخاصته وأهل مملكته مشركون، فوسموا ملوكهم منذ ذاك بالمسلماني.
تورد مصادر أخرى القصة هكذا، لكنها تقول إنه خرج مع السلطان، صلى صلاة الاستسقاء، فأنزل الله تعالى الأمطار، فأمر السلطان بتكسير الأصنام، وأسلم هو وأهله وقبيلته، وحسن إسلامهم.
كان إسلام هذا الملك – حسب المصادر - على يد علماء المالكية الذين انتشروا في أفريقيا الغربية بعد قيام الدولة المرابطية، كان يطلق على دعاته لقب "توري"، كما كان له تأثير أفضى إلى القضاء على العادات الوثنية، حلول الشريعة الإسلامية بدلاً منها، تسمية الأهالي بالأسماء العربية، تلاشت الفوارق الطبقية، غير أن ظواهر أخرى وعادات لم يتخلص المجتمع المالي منها فى ذلك الوقت، ذكر منها ابن بطوطة، "العري، التتريب عند الدخول على السلطان".
تمكنت امبراطورية مالي الإسلامية من دمج شعوب وأعراق مختلفة في مجموعة سياسية واحدة، دون تناحر أو صراعات قبلية، إذ قسمت إداريا إلى مقاطعات، اثنتي عشرة مقاطعة، وكلّ مقاطعة تتكون من عدة أقسام، تنفرد بالواحد منها أحياناً عشيرة، وتتألف المقاطعات من مجتمعات قروية مجتمعة تحت سلطة رئيس محلّي، فكفل هذا التنظيم الذي اعتمد على الرؤساء المحليين مع الإشراف عليهم استقراراً كبيراً، فأمن الناس على أنفسهم وأموالهم.

آخر الأخبار