منوعات
متصوفون خالدون
الثلاثاء 28 أبريل 2020
5
السياسة
إعداد - نسرين قاسم:كان فيلسوفًا متصوفًا جمع بين الحكمة والمنطق بالحب الإلهي والعشق الروحي، وجاء في كتابه: "نـزهة الأرواح" قوله: "أوَّل الشروع في الحكمة الانسلاخ عن الدنيا، وأوسطه مشاهدة الأنوار الإلهية، وآخره لا نهاية له". إنه الإمام السهروردي الذي برغم وفاته ؛ إلا أن علمه ظل حتى الآن ينتفع به ويتذكره الناس في كل الأوقات في العلوم المختلفة.مولده ونشأته:ولد الإمام السهروردي في مدينة سُهْرَوَرْد، وهي مدينة في الشمال الغربي من إيران، بإحدى المناطق الجبلية، وعرف عنه حبه الشديد للسفر والترحال وكان يأمل أن يقابل شريكا له في علومه ولهذا انتقل من أصفهان إلى بغداد، ثم لإحدى الأحياء بالأناضول بتركيا، ثم دمشق.كما عُرف عنه اهتمامه وشغفه بالبحث والدراسة في مختلف العلوم والمعرفة.أساتذته ومعلموه: ذكرت كتب التراث أن "السهروردي" تلقى العلم والمعرفة من أغاثوديمون وهرمس وفلاسفة اليونان الخمسة الكبار: مثل أنباذوقليس وفيثاغورس وسقراط وأفلاطون وأرسطو، ثم جماسب وبزرجمهر، كما أنه تأثر بالشيخ مجد الدين الجيلي، الذي كان له الفضل في تأسيس شخصية السهروردي العلمية مذ كان في مراغة؛ لاسيما في الفقه وأصوله، والشيخ ظهير الدين القاري، لكن مصادر أخرى تشير من ناحية ثانية إلى أن "السهروردي" عُرف في صباه جماعة المتصوفية، فوقف على طرقهم، ومارس رياضتهم، وعاش مثلهم حياة عزلة وانفراد.كتاباته وأشعاره: برع "السهروردي" في الشعر الصوفي والحب الروحي لله عز وجل، فقد كان دائم الشوق والحنين لعالم الروح ونور الأنوار، كما أن نثره فائق في معانيه ورقته، وقد أورد الشهرزوري- في كتابه "نـزهة الأرواح"- بعضًا من كلامه النثري الفلسفي الصوفي، ونقله محقق ديوانه، ومنه قوله: "أوَّل الشروع في الحكمة الانسلاخ عن الدنيا، وأوسطه مشاهدة الأنوار الإلهية، وآخره لا نهاية له"، ومنه: "لكلّ قهوةٍ سُكارى، ولكل بحر مُغرَقون، كم بين حائر في الظلمات زُحْزِحَ عن نور الشمس، وبين حائر أحرقه ضوئها في قُرْبها الأقرب"، أما عن شعره فكان من أشهر قصائده التي تتحدث عن الفلسفة والتصوف: أبَـدًا تَحِـنُّ إليكمُ الأرواحُ وَوِصَالُكم رَيْحـانُها والرَّاحُ وقلوبُ أهْلِ ودادِكُم تشتاقُكمْ وإلى جلال لقائكم ترتاحُ واحَسْـرَتا لِلْعَاشِقِينَ تَحَـمَّلُوا سِرَّ المحبَّـةِ والْهَـوَى فَضَّـاحُ بِالسِّرِّ إن باحُوا تُباحُ دِماؤهُمْ وكذا دماءُ العاشقين تُباحُ فلسفته في الحياة يتضح من شخصية "السهروردي" وفنونه ومصادر ثقافته أنه بعد اشتغاله بالحكمة وصحبته للصوفية واستفادته من مجمل الأفكار التي أخذها خلال أسفاره وحصل لنفسه ملكة الاستقلال بالفكر حتى وصل إلى غاية مقامات الحكماء ونهاية مكتشفات الأولياء، كما قال الدكتور إميل المعلوف: "وليس ببعيد أن يكون السهروردي قد عرف في مرحلة شبابه وأثناء تجواله الديانات الشرقية ووقف على تعاليم قدماء فارس.. الأمر الذي أولد عنده اتجاها فكريًا يجمع مزيجًا من الفلسفة والتصوف والعقائد الشرقية القديمة".وبناءً على ذلك يمكن القول إن الثقافة التي تهيأت لـ"السهروردي" منذ مطلع شبابه لها طابعان، أحدهما عملي قوامه الفقه والأصول والكلام والحكمة النظرية، والآخر قوامه التصوف وما فيه من أعمال الرياضة وتصفية النفس وتنقية القلب.عاش "السهروردي" حياة عزلة وانفراد واشتغل بالحكمة وحاول الاستفادة من مختلف الأفكار وتمكن من بناء ملكوت خاص به في الفكر والمعرفة دمج فيه كل ما تعلمه من الفقه والفلسفة والمنطق والدين، إلى أن انتهى به المطاف في حلب، حيث كانت نهاية مشواره بعدما وشي عنه أقرانه لتناوله الموضوعات الإلهية بالشكل الفلسفي الكلامي العقلاني الذي كان يصعب علي من حوله إدراكه وتحمل مصداقية ومن ثم تم الحكم عليه بالإعدام عام 587 هـ، بعد صدور الحكم من السلطان.وبالرغم من أنه مات في مقتبل العمر في سن الثامنة والثلاثين ؛ إلا أنه خلف وراءه تراثًا زاخرًا من الكتب والآثار بلغت خمسين كتابًا بالعربية وثلاثة وعشرين كتابًا في الطب والفلسفة بالفارسية، بالإضافة إلى ديوان شعريً بالعربية، وقد ورد في كتاب "السهروردي مؤسس الحكمة الإشراقية": "أن الإمام السهروردي كان أوحد زمانه في علم الحكمة، عارفًا بالتصوف، ماهرًا في أصول الفقه، وكان مفرط الذكاء".