الأربعاء 25 يونيو 2025
37°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

رابعة العدوية ... شيخة التصوف

Time
الخميس 07 مايو 2020
View
5
السياسة
إعداد - نورة حافظ:

"عرفت الهوى مذ عرفت هواك وأغلقت قلبي عمن سواك..وكنت أناجيك يا من ترى خفايا القلوب ولسنا نراك..أحبك حبين حب الهوى وحب لأنك أهل لذاك"... تلك أبيات كتبتها رابعة العدوية صاحبة الموهبة الشعرية، وأصبح ذوبانها في العشق الإلهي وتخليها عن مغريات الحياة نموذجًا للصوفية، وإذا كان الناس يعبدون الله طلبًا لجنته وخوفًا من ناره، فقد رأت رابعة أن تلك عبادة التجار والعبيد، وإنما يعبد الله لأنه أهل لذاك مرسية منهج مستقل في عبادة الله يناقض ما سبق لتصبح شيخة لمدرسة جديدة في الصوفية.

مولدها ونشأتها
حظيت "رابعة" بشهرة واسعة في التاريخ الإسلامي عامة والتصوف، خاصة وكذلك جدل واضح عن حياتها وتفاصيلها، يقول عنها الجاحظ في كتبه -وهو قريب عهد من زمانها - أنها أم الخير رابعة ابنة إسماعيل العدوي، ومنها جاءت تسميتها "العدوية" من عشيرة القيسيون في البصرة بالعراق، لا يعلم بالضبط متى ولدت ففي أقوال ولدت عام 100 هجرية، وتوفيت عام 135 هجرية في قول "ابن الجوزي" وفي أقوال أخرى عام 180 هجري.
ولدت في أسرة فقيرة وكانت "رابعة" أخواتها ومن هنا جاء أسمها "رابعة"، توفيت أمها وهي صغيرة ولحق بها أبوها وفرقت الأحداث والمجاعة الشديدة التي ضربت البلاد بينها وبين أخواتها، لوحظ عليها الفطنة والإلهام منذ الصغر فقد قال لها أبوها يوما: "نحن الآن لا نجد طعامًا فماذا لو لم نجد الحلال"، قالت: "نصبر على جوع الدنيا أخف من أن نصبر على نار الآخرة".
عكس منطقها إيمانا راسخا وعقيدة مستقرة، ولكن الأيام لا تبقى على حال واحد فقد اختطفها بعد فرقتها عن أخواتها أحد اللصوص وباعها، فتحولت من الحرية إلى العبودية واشتهرت بصوتها العذب وجمالها الواضح، ورغم ما صاغه البعض عن هذه الصفحة من حياتها من وقوعها في المجون والفتن؛ إلا أن المؤرخين ليس لديهم دليل قاطع على ذلك ويواجه هذا الرأي رأي آخر أنها برغم عبوديتها حافظت على نفسها.
في يوم فارق في حياتها رأت "رابعة" – في قول بعض المؤرخين- في منامها أنها تسبح في نور وتنطلق فيه وسمعت هاتفا يناديها أن ما أنت فيه ليس مكانك إنما مكانك طاعة الله، هكذا أراد الله لها شأنا آخر استيقظت وقد غشاها القلق والدهشة واستمرت هكذا حتى أدركت الرسالة ودخلت طاعة الله من أوسع أبوابها، رفضت أمر سيدها بالغناء في مجالس اللهو فأخذها بالعتاب ثم شتد إلى العقاب وهي صابرة حتى استيقظ يومًا وسمعها تتضرع إلى الله أن ينقذها من الرق فأسقط في يده وخشي الله وأطلق سراحها.
الزاهدة المتضرعة
بدأت "رابعة" صفحة جديدة عرفها الناس بالزاهدة المتضرعة السنية العابدة، والله يهدي من يشاء، وهكذا يرسل الله الرؤى إلى الصالح والطالح، اختبار نجحت فيه "رابعة" بامتياز وسقط قبلها وبعدها كثيرون والله لا يظلم أحدًا، على الرغم من انتشار المجون واللهو والحانات تقليدًا للفرس وغيرهم؛ إلا أنه في ذات الوقت وفي القرن الثاني الهجري انتشر تيار الصوفية والذي بدأت معه "رابعة" الجزء الثاني والأهم من حياتها فقد رفضت خطابها ومنهم في قول المؤرخين، الأغنياء والفقهاء ومنهم الإمام الحسن البصري، مخافة أن تقصر في حق الزوج فيحاسبها الله، وقد عقدت النية على دخول النسك والعبادة من أوسع أبوابها، زاهدة غير مبتدعة تعبد الله على نهج رسول الله (ص) ومن بعده تابعيه حضر مجلسها فقهاء وعلماء زمانها ومنهم سفيان الثوري والذين وجدوا في مجلسها الراحة والسلام وشهد لها "ابن الجوزي" أنها فطنة ولو كانت مبتدعة ما جالسها علماء الحديث والسنة، كانت تصلي الليل سنة عن النبي (ص) وتنام بعد صلاة الفجر ثم تستيقظ بعدها بساعة تنهر نفسها عن النوم وتقول توشك يا نفس أن تنامي نومة حتى الحشر.
كان لها عادة لا يقوى عليها سوى نفس تاقت إلى الله وترفعت عن الدنيا فقد كانت تصلى وتضع الكفن أمامها لتتذكر دائمًا لقاء الله، لبست ملابس الفقراء لأن مالها لا يوفر لها غير ذلك، وكانت تخدم نفسها حتى مع تقدم عمرها، وقد نصحها قومها أن تطلب من عشيرتها أو أمير بلدها خادما وملابس تليق بها فقالت: "إني لأستحي أن أطلب الدنيا من يملك الدنيا، فكيف أسألها من لا يملكها" لقد كانت تعتقد أن عزة المرء في إيمانه وإسلامه وليس ثيابه. أحبها الناس والتفوا حولها وكانوا يطلبون منها الدعاء لهم امتد بها العمر حتى الثمانين في الأغلب، ثم رحلت فحزن عليها القاصي والداني رحلت وتركت السيرة العطرة والنموذج للمؤمنات العابدات وبقيت وصاياها، ومنها "كتموا حسناتكم كما تكتمون سيئاتكم".‏
آخر الأخبار