القاهرة - آية ياسر:محمد عبد المنعم زهران قاص وكاتب مسرحي مصري يجيد التنوع في تقنيات السرد، ويمتلك براعة الربط بين الواقعي والمتخيل والميتافيزيقي الغرائبيّ في أعماله الأدبية، مولع بالتجريب الأدبي ويلقي "تيار الوعي" بظلاله على بعض أعماله، التي تتنوع بين القصة القصيرة والمسرحية وأدب الطفل.حول تجربته ومشواره الأدبي مع القصة القصيرة والمسرحية، والجوائز الثقافية التي حصدها أكد زهران في حديث لـ"السياسة" أن القصة القصيرة تمر بحراك ملحوظ خلال هذه المرحلة الأمر الذي جعلها منجزا مهما أكثر من الرواية، لافتا إلى انه حصد الكثير من الجوائز الأدبية كان آخرها جائزة يوسف إدريس عن مجموعته " سبع عربات مسافرة" التي يرويها أحد ركاب قطاركاشفا عن واقع حقيقي لحياة الناس ومعاناتهم، كما نال جائزة سعاد الصباح عن مسرحيته" أشياء الليل"، مؤكدا أن الحدث في الأعمال القصصية يمثل البطل الحقيقي، وفيما يلي التفاصيل:
* الحدث هو البطل الحقيقي في قصصي يسيطر على المكان والزمان وعلاقات الأشياء* منجز القصة القصيرة أهم كثيرًا من الرواية رغم سطوتها وأتحدى نفسي لكتابة الأفضل 

ما ظروف ترشحك لجائزة "يوسف إدريس"؟في الحقيقة قرأت خبر الإعلان عن جائزة "يوسف إدريس"، التي ينظمها المجلس الأعلى للثقافة، على إحدى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، شعرت حينها بالحماس للتقدم للجائزة لاسيما أنها باسم الراحل "يوسف إدريس"، عبقري القصة القصيرة العربية من وجهة نظري.كيف حصلت مجموعتك القصصية على المركز الثاني؟استغرق التحكيم وقتًا طويلا بسبب فيروس "كورونا"، وتقريباً نسيت أمر الجائزة، بل اعتقدت أنها تأجلت، لكنني فوجئت بإعلان النتائج في شهر يونيو الماضي، وفازت مجموعتي "سبع عربات مسافرة" بالمركز الثاني، وشعرت بسعادة كبيرة، لأن هذه الجائزة جاءت تتويجًا لفترة أعتقد أنها مهمة في حياتي.لماذا اعتمدت على ضمير المخاطب "أنت" في سرد قصص مجموعتك؟في الوقع لم أقصد القيام بذلك، الأمر يرجع إلى أن هذا الضمير تحديدًا يلائم حدثًا ما كنت أود سرده بطريقة مغايرة، في الغالب يمكننا سرد كل حكاية عبر وجهات نظر مختلفة وعبر أنواع مختلفة من الرواة، وثمة راو ستكون معه الحكاية نمطية وتقليدية، و راوٍ آخر تصبح معه الحكاية في غاية الإدهاش.كيف يمكن الاختيار بينها؟ببساطة، الأمر يرجع إلى طريقة تفكيري في الحدث الذي أكتبه، في الغالب يحدث ذلك تلقائيًا دون تدخل مني. كيف ربطت في مجموعتك بين الواقعي والميتافيزيقي والمتخيل؟هذه هي منطقتي الخاصة جدا في الكتابة، أستمتع جدًا بسرد الحدث الذي أكتبه عبر زاوية رؤية مغايرة، يظل الحدث واقعيًا في أغلب القصص، لكن من خلال معالجته من وجهة نظر شخصية ما، أو راوٍ ما يسرده عبر قناعاته وفلسفته الخاصة، ينتج الميتافيزيقي والمتخيل.هل لكل حدث أبعاد مختلفة؟اعتقد أن لكل حدث واقعي مهما كان أبعادًا ميتافيزيقية وأخرى متخيلة، اللعبة التي أحبها أن أجمع كل هذا داخل نصوصي الأدبية، أستمتع به بصورة شخصية ككاتب، مما يجعلني في تحد دائم لكتابة الأفضل.تنوع القصصكيف جمعت في هذه المجموعة بين الحكايات الإنسانية الواقعية والميتافيزيقيا الغرائبيَّة؟تتنوع قصص المجموعة القصصية "سبع عربات مسافرة" بين الإنساني الواقعي، والإنساني الواقعي المحمل برؤى ميتافيزيقية أو غرائبية، كل شيء ينبع من الواقع، فلا توجد قصصا خيالية أو غرائبية محضة، وأحيانًا قد تستمر القصص واقعية حتى النهاية، لأن زاوية الرؤية التي يعتمدها الراوي استطاعت نقل كل ما يمكن لخلق قصة مكتملة، وأحيانا أخرى لا يمكن للراوي مواصلة السرد من دون الاستعانة بالتصورات الغرائبية لشخصياته، في هذه الحالة لا تكتمل القصة إلا بالولوج إلى هذا العالم.لماذا يطغى المكان كعنصر مؤثر على السرد القصصي للمجموعة، بينما يقل دور أبطال القصص؟للمكان دور مهم طبعًا في هذه المجموعة القصصية، لكنني أعتقد أن الحدث ومساره هو البطل الحقيقي في قصصي, لأن الحدث هو الذي يخلق الشخصيات ويتحكم في وجودها، كما يفرض سيطرته على المكان، والفضاء والزمن وعلاقات الأشياء.لماذا تدخلك المتكرر ككاتب على خط السرد في معظم قصص المجموعة؟
أحياناً تكون اللعبة بالنسبة لي كسر الإيهام، فأتحول راوٍيا وليس كاتبا حقيقيا أو شخصية يتحكم فيها الحدث، بل قد يتعرض لضربات القدر كأية شخصية أخرى، فكاتب قصة "سبع عربات مسافرة" التي تحمل المجموعة اسمها، الراوي كان رئيس القطار، لكننا نكتشف أن من يكتب القصة فعلياً مجرد راكب ضمن المسافرين، في هذه القصة تحديدًا خلقت كاتبًا حقيقيًا.لقد فرض الحدث هذا وأحببته، نهاية هذا القصة من أفضل نهايات القصص التي كتبتها، وأعتقد أنني أحسست بقشعريرة انتابتني وأنا اكتبها.ما سبب تنوع فضاءات ولغة قصص المجموعة؟عندما أكتب لا أعتمد على لغة واحدة أو فضاء واحد لقصصي، أرى ذلك باعثًا على الملل، لا أحبه مطلقًا، ما يحدث تحديدًا أنني أتماهى مع الحدث وراوي الحدث، وأعتمد إيقاعاً لغويًا يناسب كليهما، كما سيتنوع الفضاء أيضًا لنفس السبب بصورة موجزة، أؤمن أن لكل حدث طريقة مثلى لسرده، هذه الطريقة يبتكرها الحدث، وبالتالي يبتكر شخوصه واللغة والفضاء ونوع الراوي.هل تتعمد هذا؟أثناء الكتابة لا أنشغل بكل هذا، يحدث كل شيء بطريقة تلقائية وأحياناً أبدأ كتابة قصة من دون أن أحدد الحدث الذي سأكتبه، يبدو هذا غريبًا بالطبع، لكن مجرد جملة بداية تحمل إيقاعاً لغوياً ما، قد تشيد كل شيء، واكتشفت مع مرور الوقت أن الحكايات قد تسكن أعماقا ومجرد جمل بسيطة تمر علينا بصورة عابرة، قد تعبر عن شخص نلتقيه مصادفة.تيار الوعيهل لجأت إلى "تيار الوعي" لإظهار وجهات نظر الشخصيات؟حدث هذا في قصة "أصابعي منك في أطرافها قُبل"، لكن تيار الوعي هنا ليس نمطيًا أبدًا، فصاحب المطعم الذي يتولى سرد القصة بمساعدة من صديقه الكاتب، يقرران معاً ببساطة أنهما يعجزان عن سرد أشياء لم تكن في مجال معرفتهما، فيتم استدعاء النادل مثلا ليروي شيئاً تفصيلياً لم يكن بإمكان صاحب المطعم أو صديقه معرفته، تيار الوعي هنا وظيفي، يوجد بالقدر الضروري الذي يقتضيه السرد.ما سبب طغيان الغرائبية على مجموعتك القصصية الجديدة "هندسة العالم"؟يمكن للكثير اعتبار قصص المجموعة أو أغلبها، قصصاً غرائبية، أما أنا فلا أعتقد هذا أبدًا، على الأقل من وجهة نظر الراوي الذي يروي، لأنني أصدقه وأؤمن به، كل ما يسرده الرواة في قصص المجموعة لا يسردونها باعتبارها أحداثًا غرائبية، بل يسردونها باعتبارها واقعاً معاشاً من وجهة نظرهمأين الواقع في كتاباتك؟إن الأكثر أهمية من هذا أن كل القصص، بلا استثناء، تنبع من الواقع تماماً، لكن مسارها وتطورها وزاوية النظر إليها يتولاه الراوي، الذي يروي وفق قناعاته، فالطفلة التي تروي قصة "أريد أن أكون نجمة"، تقع تحت ضغط نفسي رهيب ناتج عن أحداث واقعية جدا، ترغب فقط أن تتحول إلى نجمة، تحولها المتخيل هو قناعة ذاتية لديها بأنه الحل الملائم لإبعاد الضغوط الرهيبة التي تعانيها.ماذا عن مسرحيتك "أشياء الليل، التي فازت بجائزة سعاد الصباح؟لها ذكرى لا تُنسى بالنسبة لي فهي أول كتاب يصدر لي، الحقيقة لا يمكنني نسيان فرحة هذا الكتاب، لقد اكتمل كل شيء في هذه المسرحية ...فازت بجائزة كبرى وطبعت في أهم دور النشر العربية، كما أرفقت بتعليق من الدكتور نديم معلا - رحمه الله- من أفضل نقاد المسرح لأهمية المسرحية أعدت طباعتها في الهيئة العامة للكتاب منذ عامين.كيف تلقيت فوز مجموعتك القصصية الأولى "حيرة الكائن" بالمركز الأول في جائزة الشارقة للإبداع الأدبيّ؟كانت الجائزة أولى الجوائز الكبيرة التي أحصل عليها في القصة القصيرة، سعادتي تكمن في أن الفوز كان قرين نشر المجموعة، فذكريات الفوز بها لا يمكن نسيانها، كما لا يمكن نسيان الدور الكبير الذي أدته الورشة الإبداعية المصاحبة لفاعليات الجائزة، فقد استفدت منها استفادة كبيرة جداً، خاصة أن المشرف على الورشة كان الدكتور عبد الله إبراهيم، أحد أهم من قدم وشرح نظرية السرد في عالمنا العربي. هل تنتمي مجموعتك "بجواركَ بينما تُمطر" إلى الأدب الرومانسي؟عنوان المجموعة القصصية مراوغ تماماً، يوحي أنها رومانسية، لكنها على العكس من ذلك تماماً، هذا سر اللعبة في هذه المجموعة التي حملت تجريبًا غير محدود على مستوى السرد وأساليبه، وأعتبرها من أهم مجموعاتي القصصية التي دفعتني إلى تأكيد منطقتي الخاصة في الكتابةأنا ومجتمعيماذا عن تجربتك في الكتابة للطفل؟لي تجربة وحيدة في الكتابة للأطفال، أردت خلالها منح الطفل إدراكًا إنسانيًا واجتماعيًا وسياسيًا يناسب مرحلته العمرية وسلسلة "أنا ومجتمعي" مكونة من 13 قصة قصيرة، استوعبت مبادئ إنسانية مهمة، منها قبول الآخر وقبول الاختلاف، والتسامح وحدود الحرية، والتعامل مع المؤسسات وأدوارها وبعض الممارسات الوطنية مثل حق الانتخاب والديمقراطية.واقع القصة القصيرة كيف ترى واقع القصة القصيرة العربية المعاصرة؟أعتقد أنها في مرحلة حراك ملحوظ جداً، وفي الوقت الراهن؛ توجد جوائز كبرى مخصصة للقصة القصيرة بدأت تظهر، كما ظهر كتّاب لا يقلون مكانة عن أقرانهم في بقية دول العالم، فقط يحتاجون إلى تقديمهم على نطاق واسع وان تتاح لهم فرصة ترجمة أعمالهم، وأعتقد أيضًا أن منجز القصة العربية ـ رغم سطوة الرواية ـ أهم كثيرًا من منجز الرواية العربية، على الأقل هذا ما لاحظته.ما تقييمك للمشهد الثقافي الراهن وواقع الجوائز الأدبية؟أتمنى أن يفرز المشهد الثقافي الأفضل إبداعا، فللأسف يحدث أحياناً هو أن تطغى السمعة أو الشهرة على جودة النص، فأحياناً أقرأ رواية لاسم أدبي معروف صادرة من دار نشر كبيرة، ويصدمني أنها ضعيفة، الصدمة الأكبر أن تحصل على جوائز، الأمر مربك ويدفع أحياناً إلى الجنون.هل لديك عمل جديد؟بدأت منذ وقت قريب في كتابة مجموعة جديدة، ومع ولادة كل مجموعة جديدة لي ينتابني شعور بالرعب، لأنني أود تقديم جديد، لا أريد تكرار نفسي، كما أتمنى أن أنتهي قريبًا من كتاب يحوي نصوص مونودراما مسرحية.