الخميس 26 يونيو 2025
41°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأخيرة

محمد علي باشا الشخصية المُلهمة

Time
الأربعاء 29 ديسمبر 2021
View
5
السياسة
محمد الفوزان

لا تكاد تجدُ هزيمةً أو انحرافاً ما في تاريخ الحكم الإسلامي إلا وخلفه خيانة من نوع ما، فبعد مئات السنين من المواجهات أيقن أعداء المسلمين أن هذه الأمة لا يُمكن القضاء عليها أو إخضاعها في ميادين القتال، بسبب قوة إيمان المسلمين وتمسكهم بعقيدتهم، وأن أقصر الطرق لإخضاعهم هي الغزو بالإنابة، والاحتلال بالوكالة.
‏كان أشهر من أوصوا باستخدام هذا الأسلوب ملك فرنسا لويس التاسع، قائد الحملة الصليبية الثامنة الفاشلة عندما قال: "لا بد من تحويل ميدان القتال إلى مجال ‏آخر يقوم عليه صنائعهم وعملاؤهم من المفتونين من أبناء المسلمين".
ويقول أحد كبار الماسونيين: "كأس وغانية تفعلان في الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع، فأغرقوهم في حب المادة والشهوة".
ويقولون كذلك في كتاب "حكماء صهيون": "سنشغل الأممين بشهوتي البطن والفرج، حتى يصبحوا قطيعاً من "الغنم" نسوقهم حيث ما شئنا!".
‏وهو ما أوصى به البطريرك غريغوريوس اليوناني، بعد ذلك في رسالته إلى قيصر روسيا يشرح له خطة هدم الدولة العثمانية من الداخل، باستخدام العملاء والرشوة للدفع بمن لا ولاء لهم إلا للمال والجاه فقط، ولو على ‏حساب دينهم وأمتهم إلى مناصب القيادة.
‏ولاتزال تتم صناعة العملاء الذين يبيعون دينهم، وأمتهم، وعقيدتهم لأعداء الأمة الذين يرتضون على أنفسهم أن يأتوا على أسنة رماح الكافرين ليتبوؤا مقعدهم من السلطة والقيادة، ليكونوا خنجرًا في يد الأعداء، يطعنون به الأمة المسلمة في هويتها ‏ودينها وثوابتها المقدسة، ويعتبر محمد علي باشا أول نجاح كبير ومبهر في خطة التدمير من الداخل والاحتلال بالوكالة.
‏لم تذكر الروايات التاريخية شيئاً عن أصل محمد علي، ولا تاريخ ميلاده، وكل ما يذكر عنه قبل مجيئه إلى مصر أنه كان شخصية سيئة السمعة، معروفًا بالقسوة والغلظة، ترسله ‏الدولة العثمانية لتأديب القرى التي تتأخر عن دفع الضرائب، فيعسكر بحملته التأديبية حول القرية ينهبون ويسلبون ويفزعون الآمنين، حتى يرى أهل القرية أن الأفضل لهم دفع الضرائب مهما كانت باهظة، وقد انتقل بعدها لتجارة الدخان والتبغ والحشيش (الخشخاش)، فحقق أرباحًا طائلة، وظهرت مواهبه وطموحاته الواسعة ‏‏ونهمه الشديد للأموال والسيطرة، غير أنه بقى جنديًا من جنود الدولة العثمانية حتى ترقى في سلكها وصار من كبار ضباط فرقة "الروملي".
‏كان وصول محمد علي للحكم أخطر منعطف حدث في تاريخ مصر والعالم الإسلامي، فلم يكن هذا التاجر الألباني في الحقيقة أكثر من مُتسَلِّق مُخادع‏ بلا مبدأ ولا انتماء، لا يهمه سوى تحقيق طموحه في المُلك والثروة والمجد الشخصي.
‏ويكمن السر في حرص النظم العلمانية العميلة على تمجيد محمد علي، لأنه الجد الأكبر لهذه النظم والمؤسس الحقيقي للعلمانية في مصر، ‏وأول من نحّى الشريعة الإسلامية، وطعن الخلافة الإسلامية في خاصرتها، وكَرَّس ولاءه للغرب، ومكّن لغير المسلمين من الأقليات بالسيطرة على مفاصل مصر.
‏لقد أدخل محمد علي زراعات وصناعات حديثة على مصر، وأنشأ الأسطول، ودعّم الجيش، وأدخل النظم الحديثة في القتال، واهتم بالتعليم وأنشأ المدارس، ونظم المواصلات، ونشط ‏التجارة، ونظم الإدارة، وبنى القناطر والسدود بهدف رفع مستوى الدولة، ولم يكن ذلك خدمة للشعب المصري أو الإسلام أوالمسلمين، فمحمد علي كان يعتبر نفسه الدولة، فالأرض أرضه، والفلاحون زراع عنده، يزرعون له، ويستحوذ على محاصيلهم، وهو التاجر الذي تؤول إليه أموال التجارة كلها، وهو ‏مالك الصناعة الذي تؤول إليه أرباح الصناعات كلها، فالصورة الحقيقية أننا أمام تاجر ماهر ومحتكر يُنَمِّي تجارته، استحوذ على مصر، وحولها ضيعة خاصة، يعظم ريعها، ويعزز حرسها، ليؤمن ضيعته، فكانت كل إجراءاته الاقتصادية ‏والتطويرية من أجل تثبيت ملكه، وتعظيم مكاسبه، وليس حرصاً على المصريين، أو الإسلام أو المسلمين، فقد بدأ حكمه بالخيانة والإجرام، وتبنى العلمانية وتنحية الشريعة الإسلامية، ولاتزال أفاعيله ملهمة للبعض.
ولاحول ولا قوة إلا بالله.

إمام وخطيب
[email protected]
آخر الأخبار