الخميس 10 أكتوبر 2024
34°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

محمد مشبال: ماض في مشروعي العلمي للمساهمة في بناء الثقافة العربية الحديثة

Time
الاثنين 08 أكتوبر 2018
View
5
السياسة
النقد العربي يعاني تخمة التفكير في المنهج على حساب النص المنقود

القاهرة السيد حسين:

أكد الناقد المغربي الدكتور محمد مشبال الفائز بجائزة الشيخ زايد فرع "الفنون والدراسات النقدية" أنه ماض في مشروعه العلمي لأن الهدف الأسمى الذي وضعه أمامه منذ أن اختار الانخراط في التأليف، هو أن يساهم في بناء الثقافة العربية الحديثة وتحظى كتبه بالتقدير العلمي، وأضاف أن النقد العربي يعاني منذ فترة تخمة التفكير في المنهج على حساب النص المنقود، وقليلة هي الدراسات النقدية العربية التي تفلح في التواصل مع النصوص الإبداعية كاشفة عن أسرارها الجمالية ورؤيتها التي تنطوي عليها.
حدثنا عن كتابك " في بلاغة الحجاج : نحو مقاربة بلاغية حجاجية لتحليل الخطاب" الفائز بجائزة الشيخ زايد للكتاب2018.
الكتاب يقدم للقارئ العربي تصورا لتحليل الخطابات التواصلية الإقناعية من منظور البلاغة الحجاجية ،تمييزا لها عن البلاغة الأدبية، أي البلاغة التي أرسى قواعدها اليونان والرومان وطورها شاييم برلمان وأتباعه في ما سمي بالبلاغة الجديدة، وأيضا البلاغة في امتداداتها المعاصرة مع باحثين ومنظرين وسّعوا هذه البلاغة الجديدة ومنحوها آفاقا جديدة. هذه البلاغة الحجاجية لا نعدمها في تراثنا البلاغي، ولكن يبدو أن انشغال هذا التراث بالشعر والقرآن الكريم حجبا عنّا رؤية محتواها الحجاجي، وتكرّس ذلك في البلاغة العربية الحديثة وخصوصا البلاغة التعليمية التي حصرت هذا الحقل المعرفي الغني في وصف محسّنات الخطاب. هذا الكتاب محاولة لإظهار التوجه الحجاجي للبلاغة برؤية تركيبية مفصلة وشاملة، رؤية تستوعب كافة الاتجاهات البلاغية الحجاجية من أرسطو حتى اللحظة الراهنة
كيف استقبلت خبر الفوز بجائزة الشيخ زايد فرع "الفنون والدراسات النقدية" لعام 2018؟
استقبلتها بالفرح، لأن من يشتغل بالقراءة والكتابة في المجال الأكاديمي محكوم باعتزال الناس والابتعاد عن لحظات الابتهاج الجماعية في معظم أوقاته. إنه مجبر على أن يعيش حياة صارمة ومنضبطة إذا هو قرّر أن ينجز أعمالا حقيقية قادرة على أن تفرض نفسها على القارئ المتخصص في العالم العربي. إنها لحظة فرح تقاسمناها جميعا أنا وعائلتي وطلبتي وأصدقائي وزملائي. الجائزة هي التعبير المادي المحسوس عن التقدير الذي تحظى به أعمال الكاتب. إن من مظاهر قيمة جائزة مهمة مثل هذه الجائزة هي لحظة الفرح المشتركة التي تخلقها.
هل وضع الفوز بها على كاهلك مسؤولية أكبر ؟
عندما كرمتني كلية الآداب جامعة القاضي عياض بمراكش العام الماضي قلت في ختام كلمتي التي ألقيتها بالمناسبة، وقد استبدت بي الحماسة والانفعال: هناك مشبال قبل التكريم، ومشبال ما بعد التكريم.
ما أستطيع قوله لك، الآن وبعيدا عن أي موقف انفعالي، هو أنني ماض في مشروعي العلمي. لأن الهدف الأسمى الذي وضعته أمامي منذ أن اخترت الانخراط في التأليف، هو أن أساهم في بناء الثقافة العربية الحديثة وتحظى كتبي بالتقدير العلمي.
الجديد
ما الجديد الذي قدمته في كتابك ؟
هو تقديم النظرية البلاغية في سياق تركيبي ينطلق من إشكال دشنته منذ أول كتبي" مقولات بلاغية في تحليل الشعر " وهو البحث عن منهج بلاغي لتحليل الخطابات. في هذا السياق كان كتاب" بلاغة النادرة "و"بلاغة السرد: جدل الحجاج والتخييل في أخبار الجاحظ "وخطاب الأخلاق والهوية: مقاربة بلاغية حجاجية في رسائل الجاحظ ،ودراسات وترجمات أخرى تحاول أن تجتهد لتحليل بلاغة السرد الروائي الحديث. يمكنني القول إن جدّة كتاب "بلاغة الحجاج" تكمن في أنّ المادة المعروضة قُدّمت من منظور باحث معني بإشكال تحويل البلاغة إلى منهج لتحليل الخطابات الإقناعية المختلفة (الخطبة السياسية والموعظة الدينية والخبر السردي والنادرة والوصية والدعاء والمناظرة..). لأجل ذلك مزج المؤلف في كتابه بين النظرية والإجراء.
كيف أثر تخصصك الأكاديمي على تفكيرك ووعيك وحياتك الخاصة؟
لقد أثر في تأثيرا بالغا، فأنا أجد صعوبة على سبيل المثال في إنتاج مقالة نقدية صحفية بمفهومها النوعي الدقيق عن رواية أو ديوان شعري أو مجموعة قصصية. هناك من ينجح في ذلك مثل محمد برادة وفيصل دراج على سبيل المثال، كما نجح قبلهما شكري عياد وعلي الراعي وغيرهما. أحاول قدر الإمكان أن أسبغ على كتاباتي الأكاديمية الدقيقة سمات تقربها من القارئ غير المتخصص ،وتخرجها من الطابع الأكاديمي إلى رحابة الكتابة النقدية التي أتقنها بعض النقاد الكبار بشكل خاص، ولكن لا أظن أنني أفلحت حتى الآن في تحقيق ذلك إلا في بعض الكتب مثل "بلاغة النادرة" و"الهوى المصري في خيال المغاربة".
هل تتفقون على أن النقد العربي في العالم العربي يعاني أزمة منهج؟
ربما يصح القول إن النقد العربي يعاني منذ فترة تخمة التفكير في المنهج على حساب النص المنقود. قليلة هي الدراسات النقدية العربية التي تفلح في التواصل مع النصوص الإبداعية كاشفة عن أسرارها الجمالية ورؤيتها التي تنطوي عليها. معظم ما ينشر من كتابات نقدية هي رسائل وأطاريح جامعية لها طابع البحث الأكاديمي، وهي عادة لا يقرأها سوى المتخصصين يتخذونها مراجع لأبحاثهم. أما النقد الذي ينشر في إضاءة أعمال أدبية وتقييمها، فمشكلته أنه يعاني مشكلات أخرى، كأن يتصدى النقاد لنصوص معينة على حساب نصوص أخرى، والتسرّع في الكتابة وغيرها من المظاهر السلبية التي يعانيها هذا النقد لأسباب مختلفة، أهمها أزمة الثقافة العربية المعاصرة التي لا يمكن فصلها عن أزمة المجتمعات العربية على كل الأصعدة.
بما تفسر البحث عن نظرية عربية نقدية خالصة، وما العوائق التي تمنع من هذا من وجهة نظركم كأستاذ للنقد؟
إذا استثنينا العلوم العربية القديمة التي كانت نتاجا أصيلا مرتبطا بالسياق الثقافي العربي الذي لم يكن بالطبع معزولا عن الثقافات الأخرى، فإننا منذ عصر النهضة انقسمنا إلى فريقين، فريق يقدس الماضي ويجترّه، وفريق يستعير الثقافة الغربية بشكل يكاد يكون بعيدا عن أي اجتهاد. للحديث عن نقد عربي – إذا كان ذلك ضروريا فالمطلوب أن يكون هناك اجتهاد فكري في كل حقول العلوم الإنسانية: الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس واللسانيات وعلم السياسة..وأن يعبر هذا الاجتهاد عن الوضع الاجتماعي والسياسي للإنسان العربي في هذه المرحلة التي يجتازها تاريخنا. من الصعب أن نتحدث عن نقد عربي إلا على سبيل نسبة إنتاجه إلى نقاد عرب. من الأفضل أن يجتهد النقاد العرب في تطوير المعرفة النقدية الإنسانية بدل حديثهم عن سراب بعيد المنال.

حقل البلاغة
إلى أي المدارس النقدية تنتمي؟
أنتمي إلى حقل البلاغة التي أسعى منذ فترة إلى أن أجعلها حقلا تلتقي فيه اختصاصات عدّة : النقد الأدبي، والأسلوبيات، وتحليل الخطاب، والتداوليات، والسرديات.هذا الحقل اجتهاد أحاول ترسيخه بتحليل النصوص الإبداعية، وقد أنجزت دراسات عدة على نماذج روائية عربية، منها رواية "إلياس" للكاتب المصري أحمد عبد اللطيف، ورواية "رسائل زمن العاصفة" للكاتب المغربي عبد النور مزين، وروايات أخرى. أما تحليل النصوص الأدبية القديمة أو النصوص ذات الوظيفة الإقناعية بشكل عام، فإن البلاغة بما هي نظرية في الخطابات الناجعة، تصبح هي الأداة الملائمة.
ما رأيك بالردّات النقدية التي نجدها عند الكثير من النقاد الذين يتحولون من مدرسة نقدية إلى أخرى؟
هؤلاء النقاد أو الباحثون الذين يتنقلون بين المناهج والاتجاهات النقدية المتعددة في وقت وجيز، ولا تجد في كتاباتهم بصمتهم الشخصية هم فئة موجودة، نقرأ لهم ونستفيد منهم، لكنهم لا يضيفون للمعرفة الإنسانية، إنهم أساتذة ووسطاء، وليسوا نقادا أو منظرين أو باحثين.
هل من حق الناقد أن يرى في النص ما لا يراه النص ذاته وأن النص هو من يوجه الناقد، والناقد هو من يأتي بأدواته إلى النص بعد أن يستأذنه بالولوج إليه؟
العلاقة بين النص والناقد ينبغي أن تكون علاقة تفاعل؛ فالنص يعيد صياغة الناقد، والناقد يعيد صياغة النص. وما ينتجه الناقد في عملية التفاعل هذه، لا تستطيع أن تصفه بأنه يحمّل النص ما لا يحتمل، كما لا تستطيع أن تقول إن النص يتحكم في الناقد تحكّما مطلقا.
لأنه لا يمكننا الادعاء أننا ننصت للنص إنصاتا موضوعيا؛ فليس هناك هذا الإنصات الموضوعي. كلّ إنصات للنص يكون محمّلا بذخيرة ثقافية توجه الناقد في اختياراته وتأويلاته وأحكامه.
يرى البعض أن الإبداع العربي تفوّق كثيرا على النقد العربي .
إذا حصرنا النقد فيما ينتجه النقاد من دراسات نظرية أو تطبيقية عن الأعمال الأدبية التخييلية المعاصرة، فهذا الحكم صحيح. فقد تراجع النقد بالقياس إلى الإبداع لأسباب عدة، أهمها عزوف شديد عن قراءة النقد. هناك سوء ظن بالنقاد حتى من المبدعين أنفسهم، ما نجم عنه توجّه عدد من هؤلاء إلى الكتابة الإبداعية بحثا عن المجد الأدبي وعن الجوائز والحضور في الملتقيات الثقافية الكبرى في العالم العربي. لكننا لو وسعنا دائرة النقد الأدبي ليشمل البحث في البلاغة وتحليل الخطاب والتداوليات وغيرها من الحقول التي لا تتعامل مع النص التخييلي بالضرورة، فإننا نستطيع أن نقول إن هناك نشاطا مهما تشهده الأبحاث والدراسات التي تتخذ من كل أنواع الخطاب التي ينتجها المتكلمون موضوعا لها. وأنا أرى أنه آن الآوان لكي نوسع دائرة النقد خارج الأعمال التخييلية، لأنه لم يعد هناك مسوغ لهيمنة هذه الأعمال على الدرس. فكل ما ينتجه الإنسان العربي من خطابات في حياته، جدير بالاهتمام لأننا في النهاية نروم فهم وتطوير وجود الإنسان في هذا العالم.

تفاؤل
ما رؤيتك لواقع الرواية العربية ومستقبلها ؟هل تبدو في الأفق بوادر جيدة لخروج جيل مبدع قوي؟
أنا متفائل بما يحصل في حقل الإبداع الروائي؛ لأن الإقبال على الكتابة الروائية، والاحتفاء بالروائيين بواسطة الجوائز ودعوتهم إلى معارض الكتب وتوقيع أعمالهم في المكتبات واستقبالهم في المدارس والجامعات، ظواهر جديرة بخلق تنافس حقيقي في هذا الحقل. لأجل ذلك أتوقع أن يظهر جيل مبدع قوي، بشرط أن تحرص المؤسسات الثقافية والإعلامية والنقدية على الانتصار للإبداع الحقيقي.
ما أهمية أن يكون لدى الكاتب مشروع يعمل على تحقيقه؟ وما مشروعك النقدي؟
المؤلف الحقيقي ينبغي أن يكون صاحب مشروع، فهو لا يكتب تحت الطلب ولا يسخِّر قلمه لتحقيق مكاسب ماديةز إبداعه الحقيقي في ابتكار فكرة وتنميتها بالبحث وايجاد سياق ثقافي حيوي لها، فأهمية أن يكون للباحث مشروع تعني قدرته على صنع مجال للبحث، وتلاميذ يطورون المشروع ويضيفون إليه ويسدون ثغراته. المؤلف لا يكتب لنفسه، وإنما يكتب ليطور المعرفة. ومن هنا ينبغي أن نحتاط في وصف أي مؤلف بأنه صاحب مشروع فكري أو نقدي أو بلاغي أو لساني أو سيميائي. يمكنني القول إن مشروعي منذ ثلاثين سنة هو تطوير البلاغة وتحويلها من معرفة بقواعد تحسين الخطابات، إلى معرفة بتحليل الخطابات التي ينشئها أصحابها لأغراض تداولية عملية أو تخييلية أدبية. ويقوم تصوري على أن البلاغة أقدم معرفة بالخطابات اكتشفها الإنسان، واشتغل بها أسلافنا العرب ودعموا بها علومهم المختلفة.
هل من مشاريع كتابية جديدة ؟
هناك كتاب قيد الطبع عن بلاغة الرواية، وهناك مشروعات أخرى لن ترى النور قريبا، لأنها تستغرق وقتا طويلا وتستنزف جهدا كبيرا. والآن أنا مهتم بإنجاز أعمال جماعية في فرقة البلاغة وتحليل الخطاب التي أنسق أعمالها في كلية الآداب بتطوان المغرب. والأهم في المشروعات الجديدة إنجاز أعمال مشتركة مع جامعات عربية، مثل جامعة القاهرة وجامعة جربة في تونس.

آخر الأخبار