الجمعة 25 أبريل 2025
31°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

محمود المليجي... رفض العالمية حتى لا يبيع الآثار

Time
الأحد 17 أبريل 2022
View
5
السياسة
يوسف شاهين اختاره لفيلم "الأرض" فأصبح نقطة التحول
الفائض من أدواره صنع نجومية "وحش الشاشة" فريد شوقي
شارك في 21 فيلماً من أهم 100 عمل في ذاكرة السينما المصرية
عاش للفن حتى آخر لحظة في حياته ومات في موقع التصوير


القاهرة - آية ياسر:

يعتبر أحد أشهر نجوم السينما العربية في القرن العشرين، والفنان الأكثر حضوراً في تاريخها بنحو 320 فيلماً سينمائياً، تألق بشدة في تأدية أدوار الشرّ، ساعده في ذلك ملامحه الحادة، ونبرة صوته القوية، وقدرته الكبيرة على التقمص، فاستحق عن جدارة لقب "شرير الشاشة"، لكن لم يمنعه ذلك من أن يتألق أيضاً في أدوار الخير والكوميديا، ونظراً لموهبته الفذة أطلق عليه الفنانون العرب لقب "أنتوني كوين الشرق"، لبراعته في تأدية الدور نفسه الذي قدمه كوين في فيلم "القادسية".
إنه الفنان محمود المليجي، الذي تسلط "السياسة" الضوء على رحلته الفنية وأهم المحطات فيها وكيف أبدع وتألق حتى وصل إلى القمة، ونال البطولة المطلقة، وبالرغم من ذلك لم يكن حريصاً عليها خلال مشواره الطويل، وفضل أن يلعب مختلف الأدوار ويتألق فيها من خلال شخصية "السنيد".
في وقتٍ مُبكر، ظهرت موهبة محمود المليجي، المولود في العام 1910 بحي المغربلين في القاهرة، منذ كان تلميذاً في مدرسة الخديوية الثانوية، والتي اختار الدراسة فيها لأن مديرها لبيب الكرواني كان يشجع الهوايات لاسيما التمثيل، وهناك أتيحت له فرصة التتلمذ على أيدي كبار فناني المسرح حينها مثل أحمـد عـلام، جـورج أبيض، عزيز عـيد، فتوح نشاطي، وغيرهم من عمالقة المسرح في ذلك الوقت، والذين استعان بهم مدير المدرسة لتدريب فريق المسرح، وخلال التدريب تنبأ له الفنان عزيز عيد بمستقبل مرموق في التمثيل، لكنه كان يعنفه كي لا يصيبه الغرور.

الظهور الأول
لعب القدر دوره في دخول المليجي الفن، وهو لا يزال تلميذاً، إذ كان يؤدي دوره بأحد عـروض فرقة المدرسـة المـسرحية، وكانت الفنانة فاطمة رشدي بين الحاضرين فأعجبت بتمثيله وهنأته على أدائه الجيد لدور "ميكلوبين" في مسرحية "الذهب"، ودعته لزيارتها في مسرحها، وقدمت له فرصة للعـمل في فرقتها نظير أربعة جنيهات شهرياً، ولأنه لم يستطع التوفيق بين الدراسة والمسرح اضطر لترك المدرسة.
في بداية ثلاثينات القرن الماضي كان المليجي، لا يزال ممثلاً مغمورا يؤدي الأدوار الصغيرة، وكانت معظمها أدوار "الخادم"، إلاّ أن فاطمة رشدي، لمست فيه الموهبة فجعلته ينتقل من الأدوار الصغيرة في مسرحيات الفرقة إلى أدوار الفتى الأول، فقدم معها مسرحية "667 زيتون" الكوميدية، كما أدى دور "زياد" في مسرحية "مجنون ليلى"، ثم رشحته للمشاركة في بطولة الفيلم السينمائي "الزواج على الطريقة الحديثة" العام 1933، من إنتاجها وإخراجها، لكن لسوء الحظ فشل الفيلم، مما جعله يحسم قراره ويترك الفرقة، لينضم بعدها إلى فرقة "رمسيس" في وظيفة ملقّن براتب 9 جنيهات، حتى تركها بعد فترة للعمل في المسرح القومي.
عانى المليجي، في تلك الفترة من ضيق ذات اليد حيث كانت والدته مريضة وهو من يتولى تدبير تكاليف علاجها، لذا صُدم كثيرا عندما ذهب إلى الفرقة بالمسرح القومي، ووجد مدير المسرح الشاعر خليل مطران يبلغه بفصله من العمل، فتملكه الإحباط واليأس، وبعد أيام قليلة فارقت أمه الحياة، ليغرق في أحزانه.
تغلب المليجي، على أحزانه وعاد إلى السينما في العام 1936، وشارك الفنانة أم كلثوم في فيلمها الأول "وداد"، ثم لعب أدواراً ثانوية في أفلام "نشيد الأمل، الحب المورستاني، ساعة التنفيذ، في ليلة ممطرة"، قبل أن يختاره المخرج إبراهيم لاما، لأداء شخصية "ورد"، غريم "قيس"، في الفيلم السيـنمائي "قيس وليلى" العام 1939 وكان هذا الدور بمثابة بدايته مع أدوار الشر، التي استمر في تقديمها بالسينما نحو ثلاثين عاماً.

"اللعب بالنار"
خلال عقدي الثلاثينات والأربعينات لعب المليجي، العديد من الأدوار الثانوية القصيرة في السينما، فقدم في الفيلم الكوميدي الرومانسي "عريس من إسطنبول"، شخصية "الأسطى راشد" سائق العريس حفيد الباشا، وجسد في فيلم "أولاد الفقراء"، الفلاح إبراهيم عبدالباقي، زوج البطلة "حسنية"، التي يزوجها عمها الباشا له بعد أن اعتدى ابنه عليها واغتصبها، ولكن بعدما تنجب مولودتها يشك "إبراهيم" في نسبها فيهجرها. كما شارك في أفلام أخرى أبرزها "ابن الحداد، قتلت ولدي، دايماً في قلبي، عروسة البحر، سلطانة الصحراء، المنتقم، أسير الظلام، حياة حائرة"، ومع تألقه في هذه الأفلام زادت مساحة أدواره في الأفلام التي تلتها، مثل "ضحايا المدينة، سلوى، عودة الغائب، جحا والسبع بنات، الملاك الأبيض، المغامر، العقاب، اللعب بالنار".
أدت ملامحه الحادة ونبرة صوته القوية، إلى اختيار صناع السينما له في دور الشرير ومدبر المؤامرات في عقدي الأربعينات والخمسينات، حتى نجح في أن يُسجّل رقماً قياسياً بأداء أدوار الشر، أشهرها المحتال "زناتي عبدالعزيز" في فيلم "الإيمان"، زعيم العصابة "أدهم" في "خلخال حبيبي"، حتى أطلق عليه النقاد حينها "شرير الشاشة وفيلسوفها" لثقافته الواسعة وحبه القراءة والإطلاع، وحرصه الشديد في اختياراته الفنية.
كانت ذروة النشاط السينمائي للفنان محمود المليجي في الخمسينات، خصوصا في عامي 1951 و1952؛ حيث قدّم خلالهما العديد من الافلام، أبرزها "زمن العجائب، بنت الشاطئ، أموال اليتامى، ابن الحلال، الدم يحن، وناهد".
ومن أشهر أدوار الشرّ التي ظهر فيها كسنيد خلال تلك الفترة وبرع في تجسيدها، دور المعلم الثري "أبو الدهب الفرشوطي" في فيلم "صورة الزفاف"، وفيه يحاول لفت انتباه البطلة "توحة" والتقرب منها لكنها ترفض، فيختطف ابنتها ليضغط عليها للموافقة على زواجها منه، ودور المعلم "جليجل المدق"، زعيم عصابة النشل التي تختطف الطفلة "سلوى" ابنة البطل في فيلم "الدم يحن"، ثم المعلم "قرش" تاجر المخدرات الأكتع، في فيلم "حميدو" والذي يُعجب بجرأة بطل الفيلم "حميدو" ويستقطبه للعمل معه في توزيع المخدرات، لكنه يحاول قتله بالسم.
ولا ينسى الجمهور شخصية "المعلم عرفان" تاجر المخدرات الذي يقوم بتهريب الهيروين، في فيلم "رصيف نمرة 5"، وجسده ببراعة أمام بطل الفيلم فريد شوقي، ومن أجمل مشاهده في هذا الفيلم حين يتهمه البطل بقتل زوجته واختطاف ابنه، ويقوم بضربه، لكن "المعلم عرفان" يظل يردد "مش أني.. مش أني".

عفوية متجددة
يعتبر المليجي، أستاذاً في فن التمثيل العـفوي الطبـيعي، البعـيد عن أي مبالغة أو تشـنج أو عصبـية، لهذا نجح في إقناع المشاهدين بأنه لا يُمثّل، ورغم تكرار تقديمه أدوار الشرّ كان حريصاً على تجديد نفسه فيها، ثم خلع المليجي عباءة المعلّم الشرير وبرع في تجسيد شخصية "شديد بك" المدير العام الجشع الطماع والعم الشرير "شديد"، الذي يطارد "حبايب"، بطلة الفيلم الكوميدي "عفريت عم عبده"، طمعا في الثروة التي تركها أخيه المتوفى، والتي أخفاها في منزله بالصحراء، وتجلت قدرته الكبيرة على التقمص في المشهد الذي يُشهر فيه إفلاسه ويخرج على موظفيه، صائحاً: "أنا فلست.. من بكرة هقفل.. اشتكوني في المحكمة.. اشتكوني في أي حتة"، كذلك أجاد تقديم شخصية النصاب في فيلم "يا ظالمني".
لم تقتصر مواهب المليجي، على التمثيل في السينما فقط، بل كان يتميز بموهبة التأليف وكتب خلال الأربعينات والخمسينات عدداً من الأفلام السينمائية، كان أولها فيلم "المغامر" الذي أنتجه بنفسه العام 1948 وشارك في بطولته أيضا، والذي صُنّف كأول فيلم دراما بوليسية في السينما المصرية، ثم كتب فيلم "الأم القاتلة" العام 1952 وشارك في بطولته مع تحية كاريوكا، شادية، وكانت تجربته الثالثة في التأليف السينمائي بفيلم "وعد" العام 1954، والذي أخرجه أحمد بدرخان، ثم فيلم "سجين أبو زعبل" العام 1957، وشارك أيضاً في بطولته، وأخرجه نيازي مصطفى، وأخيراً فيلم "المبروك" العام 1959 للمخرج حسن رضا.
عرف جمهور السينما المصرية الثلاثي الفني، محمود المليجي، فريد شوقي وتوفيق الدقن، الذين شاركوا سوياً في بطولة 12 فيلماً سينمائياً، ضمن أفلام الحركة والقتال والعصابات، ومعظمها يدور حول الشر والفتوات والقوة، وهي "الفتوة"، "عبيد الجسد"، "بطل للنهاية"، "ابن الحتة"، "دلع البنات"، "ابن الشيطان"، "الرعب"، "صراع مع الموت"، "عصابة الشيطان"، "ولدي"، "ملوك الشر"، "وكر الأشرار"، وكان وجود هذا الثلاثي في أي فيلم كفيل بالتزاحم على السينما من أجل مشاهدته، لذلك حققت أعمالهم معا نجاحا جماهيريا كبيرا.

غريم البطل
بجانب تقديمه أدوار الشرّ، شارك المليجي في العديد من الأفلام الرومانسية، وظهر في معظمها كسنيد، مجسداً ببراعة شخصية غريم البطل، وأبرزها دور "ممدوح المعصراني" العشيق الغيور للراقصة ثريا، في فيلم "جحيم الغيرة"، والذي يدفع حياته ثمناً لتلك الغيرة، كما لعب مجدداً دور العاشق، غريم البطل في الفيلم الرومانسي "نور عيوني"، وفي فيلم "قلب يحترق" جسد شخصية "لطفي" العشيق السابق للمتزوجة "زوزو"، وفي فيلم "مطلوب زوجة فوراً"، لعب دور غريم البطل فريد شوقي.
شخصيات عدة ومتنوعة لعبها الفنان محمود المليجي في تلك الفترة، وإن كان أغلبها يندرج تحت إطار الشر، وبقدر ما قدم من أعمال، بقدر ما أعتذر عن أخرى لعدم وجود متسع من الوقت للمشاركة في كل الأفلام التي يرشح لها، فقد كان الأكثر طلبا لدي المخرجين والمنتجين، حتى أن الفائض منه كان ينصح بأن يؤدي هذه الأدوار الفنان فريد شوقي، وهو ما اعترف به "وحش الشاشة" نفسه في العديد من اللقاءات الصحافية والتلفزيونية، كنوع من الاعتراف بالجميل، حيث أكد أن المليجي كان يقول للمخرجين عندما يعتذر عن دور ما "فيه ولد كويس اسمه فريد شوقي هاتوه مكاني".

أداء مبهر
ظل الفنان المليجي أسيرا لأدوار الشر حتى العام 1970، لتنقلب حياته الفنية رأسا على عقب عندما أسند له المخرج يوسف شاهين، بطولة فيلم "الأرض"، فكان ذلك بمثابة نقطة التحول في مسيرته؛ خصوصا أن أداءه لشخصية "محمد أبو سويلم" التي جسدها جاءء مبهرا للغاية بل اعتبر النقاد أن دوره في هذا الفيلم يعد أعظم أدواره على الإطلاق، وحتى اليوم لا يستطيع جمهور السينما أن ينسى المشهد الختامي الرائع للفيلم الذي يظهر فيه "محمد أبو سويلم" وهو مكبـَّل بالحـبال والخـيل تجرُّه على الأرض محاولاً التـشـبث بجذورها، في أداء رائع بعد أن رفض تنفـيذ هذا المشهد الخطير باسـتخدام بديل له "دوبلير"، وأصَّر المليجي على تجسيده بنفسه، وأيضا من ينسى عبارته الشهيرة في الفيلم ولا يزال الكثيرون يرددونها حتى اليوم وهي "كنا رجالة ووقفنا وقفة رجالة".
أصبح فيلم "الأرض" انطلاقة حقيقية له، تلاها أعمال أخرى شديدة الأهمية قدمها مع المخرج يوسف شاهين، الذي اكتشف فيها وجهاً آخر للفنان المليجي، وظهر جليا في مجموعة من أروع أفلامه، مثل "الاختيار، العصفور، عودة الابن الضال، حدوتة مصرية"، علاوة على فيلم "جميلة بوحيرد" الذي أدى فيه المليجي دور المحامي الذي يدافع عن "المناضلة جميلة"، ورغم أنه لم يظهر سوى في مشهد واحد فقط، إلا أنه استطاع أن يحبس أنفاس الجمهور الذي شاهد الفيلم، حتى أن النقاد وصفوا أداءه فيه بأنه عالمي.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يربط النقاد والجمهور بين المليجي والعالمية، إذ أطلقوا عليه أيضا "أنتوني كوين الشرق" بعد أن قدم في النسخة العربية لفيلم "القادسية" الدور نفسه الذي كان يؤديه أنتوني كوين في النسخة الأجنبية، فخطف الأنظار بعبقريته في الأداء حتى أن النقاد قالوا بأنه كان الأروع وتفوق فيه على العالمي كوين.
كذلك سبق وأن تم ترشيح المليجي للمشاركة في الفيلم العالمي "وادي الملوك" مع النجم روبرت تايلور العام 1954 في دور انتهازي، لكنه رفض الدور الذي أسند له، ليس لأنه يحمل ملامح الشر كعادة أدواره في السينما، وإنما لأنه لا يريد أن يرتبط اسمه ببيع آثار بلده حتى لو كان تمثيلاً.
حاول المليجي، طوال رحلته مع السينما ألا يرتبط اسمه بأعمال لا يكون راضيا عنها، وعندما وجد نفسه يقدم أعمالا أقل فنيا مما يريد، مثل "ألو أنا القطة"، ونتيجة حرصه على رفـع مـستوى الأعمال السينمائية، دخل مجال الإنتاج، ومن خلال الشركة التي أسسها قدم مجموعة من الأفلام، منها "الملاك الأبيض، الأم القاتلة، سوق الـسلاح، المقامر"، كما اكتشف الكثير من المواهب الفنية.

"أيوب"
يكفي الفنان المليجي أنه يكاد يكون الفنان الوحيد الذي ارتبط اسمه بـ 21 فيلماً اختارها النقاد ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، ويكفيه أيضا أنه سخر حياته لفنه وظل يعطيها حتى آخر لحظة في حياته عندما وافته المنية عن عمر ناهز 73 عاماً، وهو يستعد لتصوير آخر لقطات دوره في الفيلم التلفزيوني "أيـوب"، بمشاركة الفنان العالمي عمر الشريف، ليسقط ميتاً فجأة في موقع التصوير وسط دهشة الجميع، إثر أزمة قلبية حادة؛ في 6 يونيو 1983، ليرحل المليجي بعد مسيرة عطاء فني استمرت لأكـثر من نصف قـرن، ورغم الرحيل لكنه ظل باقيا بأعماله التي تشهد بأنه نعم السند في أفلامه لكل الأبطال الذين عمل معهم وكثير منهم كان هو المعلم والأستاذ لهم.

المليجي في فيلم "الأرض"


"غزل البنات" مع ليلى مراد ونجيب الريحاني


شرير السينما


لقطة من أحد أفلامه


يوسف شاهين أعاد اكتشاف المليجي


المليجي وزوجته علوية جميل


المليجي في أحد أفلام يوسف شاهين


مشهد من أحد أفلامه
آخر الأخبار