يقول اللهُ تعالى في كتابه الكريم: "إِنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، فقد حفظ المولي القرآن الكريم في الصدور حتى بدأ جمعه في عهد الخليفة أبي بكر عن طريق النسخ من مخطوطات أغلبها من جلود الأغنام والغزال، ثم تبارى النساخ في نقل النصوص المُقدسة على مدار عهود، وتسابق على نسخها الخطاطون، حتى امتلأت الدنيا بنسخ القرآن بأشكال وألوان وخطوط مختلفة، وظلت الأجيالُ تتناقلها إلى أن وصلت إلينا لتكون شاهدة على حفظ المولى للذكر الحكيم إلى أن تقوم الساعة... وفي هذه الحلقات نستعرض بعض المخطوطات التي وصلت إلينا من عهود موغلة في القِدَمِ.إعداد ـ أحمد القعب:المخطوطة التي نستعرضها اليوم ربما تكون قد شُرّفت بملامسة يد النبي الكريم قبل 14 قرنا، اذ اثبتت الفحوص المتطورة أنها تنتمي لفترة مبكرة من التاريخ الإسلامي.تُعرف في الأوساط العلمية بمخطوطة جامعة برمنغهام البريطانية، جاءت بنص قرآني يخلو من النقاط، ومكتوب بالخط الحجازي القديم، وكُتبت على جلد سميك نسبيا بخطوط عرضية مموجة، من دون اي زخارف.
اكُتشفت المخطوطة التي تضم رقين اثنين فقط، في أرشيف مكتبة الجامعة قبل نحو 7 أعوام، ضمن مجموعة أخرى من المخطوطات النادرة، والتي ظلت مئات السنين دون اكتشاف أهميتها العلمية، ويتفق اغلب المتخصصين على انها ربما تكون المخطوطة الأقدم في العالم، ويرجحون انها تعود لفترة ابكر من مخطوطات صنعاء، ومن الممكن أن تكون عاصرت النبي محمد صلى الله عليه وسلم"، بعد ان أثبتت تقنية نظائر الكربون المشع، أنها كُتبت في أوائل القرن الأول الهجري، وعلى وجه الخصوص في الفترة ما بين عامي 568 و 645 ميلاديا، بنسبة دقة تتجاوز 95 %، كما أكدت التقنية أن المخطوطة مصنوعة من جلد الماعز أو الغنم.ولا شك ان حالة من الوجد والجلال يمكن ان تسيطر علينا، ونحن نطالع بيانا أصدرته إدارة جامعة برمنغهام قبل عدة سنوات يتضمن:"ان الشخص الذي كتب هذه المخطوطة، قد يكون عرف النبي محمد، وقد يكون رآه او سمعه وهو يدعو إلى الإسلام، وقد يكون عرفه بشكل شخصي، والأجزاء من القرآن الموجودة في هذه المخطوطة مطابقة للنص القرآني الذي يقرأه الناس في المصاحف اليوم.هكذا جاء بيان الجامعة الإنكليزية الذي لم ينل حقه من الانتشار في عالمنا العربي، الذي ضاع منه اليقين في زحمة الاحداث المتسارعة التي أحكمت وثاقها عليه منذ عشر سنوات، وكان يمكن لهذه الكلمات القليلة ان تعيد اليه بعضا من التوازن المفقود، اذ انها المرة الاولى في التاريخ التي يبادر علماء أجانب بالحديث عن الوجود التاريخي للنبي خارج كتب المسلمين، إضافة إلى كون هذه المخطوطة تثبت بمنهج العلوم الغربية أن القرآن الكريم كان متداولا بالصورة نفسها منذ نزوله، وهو اثبات لم يحظ به أهل أي كتاب سماوي علي الأرض.ويبدو أن جامعة برمنغهام أرادت المزيد من الدقة والتمحيص، فأشركت معها جامعة أوكسفورد العريقة، وتعاون علماء الجامعتين معا للوصول الى معرفة يقينية بشأن المخطوطة، وتبين مجددا أن "النص الموجود على هذه الجلود يعود تاريخ كتابته إلى الفترة ما بين 568 و645 ميلادي"علما ان النبي وٌلد يوم 22 من شهر ابريل عام 572، وتوفي يوم 8 يونيو عام 633 ميلادية.ورغم تحفظ بعض الباحثين، وهياج كثير من الموتورين والحاقدين على تلك النتائج التي تربط المخطوطة بالنبي مباشــــــرة، وبخاصة مع وجود هامش بسيط للخطأ في الحساب الزمني، إلا ان خبراء المخطوطات يتفقون على كتابتها في عهد عثمان بن عفان على اكثر تقدير، علما انها تحتوي على كتابة واضحــــــــــة، تشمل الآيات من 17 الى 31 من سورة الكهف، والآيات 91 الى 98 من سورة مريم، ومن الآية الأولي للآية رقم 40 من سورة طه مكتوبة بالمداد وبالخط الحجازي.