منوعات
"مرايا اللؤلؤ"... دراسة نقدية ترصد تفاعل الشاعر مع الواقع في زمن الغوص
الأربعاء 30 يونيو 2021
5
السياسة
بمذاق مختلف، انضم كتاب "مرايا اللؤلؤ" إلى أقرانه من عشرات الكتب التي اهتمت بمقاربة التجربة الشعرية للدكتورة سعاد الصباح، فقد عزف كتاب "مرايا اللؤلؤ في الشعر الكويتي بين محمد الفايز وسعاد الصباح"، الصادر عن دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع حديثا.يقع الكتاب في 130 صفحة، من القطع المتوسط وقد اعتمد فيه المؤلف على كم كبيرمن المصادر والمراجع،على سار فيها على وتر مختلف في المعالجة النقدية، حيث اعتمد منهج دراسة الظواهر التي مثلتها مفردة "اللؤلؤ" في شعر سعاد الصباح ومحمد الفايز عبر تتبع العلاقة بين الدال والمدلول، بصورة تتجاوز أحادية الجانب، ولا سيما حين تكون مدمجة في سياقات مختلفة وأنساق متغايرة.من هذه الجزئية انطلق مؤلف الكتاب محمد مصطفى خميس لاستقراء حضور مفردة "اللؤلؤ" عند رائدين من رواد الشعر الكويتي: محمد الفايز، وسعاد الصباح، خاصة أن هذه المفردة قبلت الانطلاق في الآفاق الرحبة التي خلقتها في التجارب الشعرية لأصحابها، ونثرت مراياها وخصوصيتها فيها لترفض أن تكون مجرد الهدف من الرحلة.يوضح خميس في مقدمة كتابه اعتماده التكاملية منهجاً لدراسته، بغية الاستفادة من مناهج متعددة، كالمنهج البنيوي والمنهج النفسي والاجتماعي، ونظرية التلقي، مرجعاً ذلك إلى تداخل المناهج النقدية في بعض الإجراءات تداخلاً يعني وجود نظام تكاملي بينها، يوصي بالقرب الشديد من النص بأبعاده النفسية والاجتماعية والتاريخية، وبتشكيله اللغوي الحساس.وبعد أن يعطي لمحات عامة عن الرمزين اللغوي والشعري لمفردة "اللؤلؤ"، يفرد الفصل الأول من الكتاب لاستقراء ما سماه "عقدة اللؤلؤ"، كما عكستها قصيدة الفايز "مذكرات بحار"، إذ يتبين أن "اللؤلؤة" مثّلت للشاعر مصدر شقاء أكثر من كونها مصدر سعادة ورزق، حيث ارتبط ذكرها بالفقر وتبعاتِه، كما ارتبطت هي بالطبقات المسحوقة الفقيرة التي يضيع جهدها لتحقيق سعادة الطَّبقة المترفة.من خلال هذه القصيدة استخلص الكاتب أعراض عقدة اللؤلؤ عند الشاعر، حيث الصراع الدائم بين إحساسي امتلاكها وفقدها، وتمثلها كمعادل موضوعي للقمة العيش بالنسبة للرجل، بينما تمثل للمرأة معادلاً للزينة والأنوثة، وبالتالي التضحية المقابلة لترف الحسناوات، والتفاوت الطبقي بين تاجر وغواص ومالك وأجير، ثم اللؤلؤة كمعادل للبدر الذي يحمل رسالةَ التغيير، والمفارقة الشعورية بين صورتي اللؤلؤ والرمال.ولا ينسى الكاتب أن يعرض للبنى اللغوية القائمة على الثنائيَّة الضديَّة عند الفايز في اختياره للمفردات المشكِّلة لصورة اللُّؤلؤ والمستمدَّة من بيئتها، وهو ما يبرز انقلاب الإحساس بالأشياء، وتبادل إدراكاتها لمواضعها المعكوسة. ويخلص الكاتب إلى أن الفايز لم يكن يرى حقبة اللؤلؤ حقبة جميلة، حتى تلك اللَّحظات الحالمة التي كانت تداهم خياله وهو يجسِّد لحظة حصول الغوَّاص على اللُّؤلؤة كانتْ تُخطَف من خياله سريعاً، بل ارتبطت هذه الحقبة بالآلام والفقد والفقر المدقع والظلم.ويؤكد الكاتب في الفصل الثاني، الذي عقده حول صور مرايا اللؤلؤ في شعر سعاد الصباح، أن سعاد الصباح تقدم صورة اللؤلؤ بجلاء لا نجده عند غيرها من شعراء الكويت، لأنها تمثل في نظرها السبب الرئيس في جمال ذلك الزمان، حيث التضحية في سبيل الأسرة والحبيبة، وإعلاء قيمة المرأة، ورسوخ التقاليد النبيلة، والحلم الوردي لكل الرجال.ومن خلال تحليل النص يؤكد الكاتب أن الشاعرة تنتمي من الناحية القيميَّة إلى الماضي الجميل؛ لذا تُبدي حنيناً جارفاً إليه، وأسى على مفارقته، وما تعلُّقُها بصورة اللؤلؤ إلَّا شكل من أشكالِ التعبير عن هذا الحنين وذاك الأسى، واللؤلؤ في هذا النص لا يقف عند حدّ دلالته الحرفيَّة التي تعني تلك الجواهرَ الثمينة التي كان يستخرجها الأجداد من قلب المَحَارة أو الصَّدَفة، بل هو الماضي الجميل نفسه، ماضي الأجداد والقيم الرفيعة والأخلاق النبيلة.