السبت 14 يونيو 2025
38°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
كل الآراء

مسلسل "محمد علي رود"... وكفاح الآباء والأجداد (2-3)

Time
الأربعاء 06 مايو 2020
View
5
السياسة
عبدالنبي الشعلة


نعم، عندما كنا أو صرنا في الخليج نعاني من ضنك العيش وشح الموارد وضيق ذات اليد، وعندما كنا نطرق أبواب السماء طلبًا للغوث وللرحمة والرزق، وعندما كنا نبحث عن أبواب على الأرض لنطرقها لكسب الرزق ولسد الرمق؛ فتحت لنا الهند بابها على مصراعيه؛ وفتحت لنا أبواب قلاع التجارة والاقتصاد في لؤلؤة التاج البريطاني آنذاك مثل بومباي وكوجرات وغيرها، ولم يفعل الشيء ذاته أشقاؤنا العرب؛ ولم يفتحوا لنا أبواب مدنهم العتيدة مثل القاهرة الساحرة التي كانت وقتها مدينة مزدهرة تضاهي مدن أوروبا في قوتها ومكانتها الاقتصادية، وكانت تسمى "باريس الشرق" بشوارعها الفارهة التي كانت تغسل صباح كل يوم بالماء والصابون، وكانت أبواب الرزق وسوق العمل فيها مفتوحة لليونانيين والإيطاليين والفرنسيين وغيرهم، وكذلك كان حال قلعة الأسود بغداد ودمشق الفيحاء وبيروت العطرة.
ولذلك فإن أهل الكويت لا يزالون يتذكرون المثل الذي شاع في ذلك الوقت وتداولوه للدلالة على ما تعنيه الهند بالنسبة لهم. ويقول المثل: "الهند هندك إذا قل ما عندك" أي أن الهند يجب أن تكون مقصدك إذا ما ساءت أحوالك، فعن طريقها ستتمكن من إصلاح أحوالك.
ومنذ بداية الثلاثينات من القرن الماضي أصبح "محمد علي رود" أو شارع محمد علي الميدان الذي شهد صولات وجولات التجار الكويتيين والخليجيين وانطلاقهم فيه ومنه إلى باقي المدن والمراكز الهندية والموانئ الخليجية وبعض الموانئ الأفريقية، وظل وجودهم وحضورهم فيه قويًا بارزًا نافذًا إلى أن أخذ في الانحسار تدريجيًا مع نهاية الخمسينات أو بداية الستينات، بعد أن بدأت ثمرات النفط الكويتي تتساقط بشكل ملموس على المجتمع الكويتي في بداية الخمسينات؛ حيث كانت أول شحنة منه قد تم تصديرها في العام 1946، كما أن الكويت قد نالت استقلالها في العام 1961 فبدأت الطيور تعود إلى أوكارها للمساهمة في بناء الدولة المستقلة الفتية ودعم اقتصادها مسلحين بالخبرة التي اكتسبوها في الهند وفي شارع محمد علي بالتحديد.
وقد وصلتُ إلى بومباي في النصف الثاني من العام 1969، وكنت أقيم في السكن الجامعي الذي يبعد أمتارًا عن "محمد علي رود"، ومنذ وصولي وخلال الأربع سنوات اللاحقة أصبحت أتجول يوميًا في هذا الشارع العريق الذي ظل التاريخ يعبر من خلال أروقته وعلى أرصفته لأكثر من 250 عامًا منذ أن بناه الإنكليز في الأساس ليكون "شانزاليزيه" بومباي، محاطًا على جانبيه بمبانٍ تجارية وسكنية جميلة باهرة أخذت معاول السنين وأيادي الإهمال تمتد وتسطو عليها لتنال من رونقها وروعة تصاميمها المعمارية الهندسية الممتزجة بين التصاميم المغولية الهندية ذات الطابع الإسلامي، وتصاميم "طراز الديكو" الفرنسي، وفنَي المعمار الكلاسيكي والقوطي المُجدَدَين اللذَين زخرت بهما شوارع باريس وروما في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
يقع شارع محمد علي في قلب مدينة مومباي العاصمة الاقتصادية للهند، في منطقة يقطن أغلبها سكان من الهنود المسلمين الذين بنوا حولها عددا من الجوامع والمساجد الكبيرة بتصاميم هندسية تضاهي تصاميم مبانيه؛ منها مسجد المنارة ومسجد زكريا وغيرهما، وتتفرع منه الكثير من الأزقة والطرقات من أشهرها "عبدالرحمن ستريت" الذي سمي باسم التاجر النجدي عبدالرحمن المنيع من بلدة "شقرا" الذي عرف بتجارته للخيول العربية الأصيلة.
وكأي انسان خليجي فإنني كنت أحس بالزهو وأنا أتجول في شارع محمد علي لأكتشف كل يوم المزيد من نفحات الماضي وبقايا تراث التجار الكويتيين والخليجيين، وما تبقى من مآثرهم وآثارهم، وقد كانت أنفاسهم وأصداء أصواتهم ورنين فناجين القهوة العربية التي كانوا يحتسونها لا تزال تتردد في مقاهي ومطاعم وزوايا ومتاجر ذلك الشارع. وقبل أن أدخل في شارع محمد علي كنت أعبر سوق بومباي المركزي الذي بناه آرثر كروفورد أول رئيس بلدية للمدينة فسمي "كروفورد ماركت" لأرى أمامي مجمع "سيتارام" الشهير الذي يقع بالقرب من مكاتب الحاج محمد علي زينل علي رضا الذي كان عميد الجالية العربية في الهند، ومجمع "سيتارام" يتكون من عدد من العمارات التي كانت تضم مكاتب تجار كويتيين وسعوديين، وقد كنت أزور المرحوم أحمد القاضي "أبو خالد" في مكتبه في هذا المجمع الذي كان يزاول منه التجارة تحت اسم "شركة حمد العلي القاضي".
وزير العمل البحريني السابق
آخر الأخبار