"بي بي سي"ووكالات: على وقع تزايد وتيرة تفشي"كورونا" وتسابق الدول للحصول على اللقاح تعيش البشرية لحظة "أخلاقية" صعبة تغذيها تساؤلات عدة حول عدالة توزيع اللقاحات وكيف تُحدًّد الأولويات ووفق أي خطط وتشريعات؟ وهل يجوز - أخلاقياً - فرض التطعيم على الأفراد، حتى إن كان الهدف محاصرة وباء عالمي؟ وكيف تختار الجهات الصحيّة الفئات الأكثر عرضة للخطر إن كان عدد اللقاحات محدودا؟ وهل من الإنصاف تلقيح المرضى وكبار السنّ، أم تلقيح الشباب؟ووسط هذه التساؤلات عبرت شخصيات دينية عن خشيتها من انعدام المساواة في توزيع اللقاحات، منذ الإعلان عن نجاح التجارب السريرية الأولى، فقد دعا شيخ الأزهر في مصر، أحمد الطيب، الشركات المنتجة إلى إقرار سياسة عادلة في توزيع اللقاح، وتغليب الضمير الإنساني على الحسابات المادية، قائلاً: "يجب ألا يُخذل اللاجئون والفقراء في حقهم للحصول على هذا اللقاح".من جهته، قال البابا فرانسيس: "كم سيكون الأمر تعيساً إن أعطيت الأولويّة في لقاح فيروس كورونا للأغنياء!" مضيفا: "الوباء كشف عن محنة الفقراء والتّفاوت الكبير الّذي يسود في العالم".بدوره، شارك أستاذ الأخلاقيات الطبية في جامعة بنسلفانيا، هارالد شميدت، في نقاشات حول خطط توزيع اللقاحات في الولايات المتحدة، ويقول لـ"بي بي سي نيوز عربي" إنّ السؤال الأبرز الذي شغل المختصين، خلال تحديد الأولويات، كان: "هل علينا تقليل عدد الوفيات، أم الحد من انتشار الوباء"؟على خط مواز، جاءت الاجابة من "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها"، وهي وكالة فدرالية أميركية تشرف على السياسات الصحية، لتؤكد أن أولوية توزيع اللقاحات ستكون "لتقليل عدد الوفيات، والحدّ من الإصابات الخطيرة، والحفاظ على سير الأعمال في المجتمع، وتخفيف أعباء الوباء عمّن يعانون أساساً بسبب التفاوت".ولفت شميدت أنّ توصيات الوكالة الطبية تبقى استشارية، وتختلف بين ولاية وأخرى، وحتى داخل الولاية ذاتها، مضيفا "في هذه المرحلة، لا يمكن التركيز ببساطة على تطعيم أكبر عدد ممكن من الأشخاص في أسرع وقت ممكن، لكننا بحاجة إلى إيلاء اهتمام وثيق أيضاً لمن ينال التطعيم. ففي الولايات المتحدة تضررت بعض الجماعات الهشة، خصوصاً الأقليات العرقية، بالوباء، بشكل أكبر"، لذلك لا يمكن تفادي التفكير بإنصافها عند توزيع اللقاح.وتابع: بالنسبة للبعض قد يكون اللقاح مفيداً، لكنه بالنسبة لآخرين مسألة حياة أو موت. ليست كل الاحتياجات متساوية، وأولئك الذين يمكنهم الانتظار بأمان لبضعة أشهر يجب ألا يأخذوا اللقاحات التي قد تنقذ حياة غيرهم".أما الاختصاصية في الأخلاقيات الطبية، تاليا عراوي التي كان لها دور استشاري في اللجنة الصحية المكلفة بوضع خطط توزيع اللقاحات في لبنان، فتقول إنّ التوزيع العادل والمنصف "يجب أن يشمل كل من يعيش على الأراضي اللبنانية، من لاجئين وعمال مهاجرين وغيرهم، في إطار مراحل مدروسة جيداً".أضافت أنّ الامتيازات الطبقية أو أي شكل من أشكال التمييز مرفوض قطعا من وجهة نظر أخلاقية، مبينة أن تحديد من هو الأكثر عرضة للخطر محل نقاش علمي وأخلاقي، ويعتمد على عدّة نقاط، منها الأخذ بعين الاعتبار الأمراض التي قد تجعل فئة ما أكثر عرضة للإصابة، إلى جانب التفكير بالعمال الأساسيين، أو من يسمون عمال الخطوط الأمامية، وطواقم الرعاية الصحية، وعمال النظافة، وعمال التوصيل".الأسئلة الأخلاقية المرتبطة باللقاحات، ليست جديدة، وعمرها من عمر اختراع اللقاحات الأولى، لكنها تبدو اليوم أكثر إلحاحاً مع حجم الفجوة التي أظهرها كوفيد - 19بين الدول الغنية والفقيرة، وبين الفئات الاجتماعية الميسورة، وتلك الأكثر هشاشة.ولخص موقع "تاريخ اللقاحات" الصادر عن "كلية أطباء فيلادليفيا"الإشكاليات الأخلاقية المحيطة بالتطعيم، وخطط التمنيع العامة، ضمن أربعة نطاقات:
-إلزامية التطعيم وفرضه في المدارس أو على الأفراد، وذلك يشمل في دول عدّة بروتوكول اللقاحات التي تمنح للأطفال في سن مبكرة، والتي كانت طريقة لمحاصرة أوبئة لم تعد موجودة على مرّ التاريخ.-الأبحاث والدراسات الكافية على اللقاحات، وكيفية اختيار الأشخاص المشاركين في التجارب، وإمكانية إصابتهم بالمرض، وكيفية ضمان سلامة اللقاح ونجاعته.-الموافقة المستنيرة على تناول اللقاح، وتعني إيضاح محتويات الجرعة، آثارها الجانبية، والحصول على موافقة خطية من المتلقين قبل التطعيم.-سهولة الحصول على اللقاحات وتوزيعها بشكل عادل بين الأفراد، من دون تمييز على أساس الطبقة أو العرق أو التواجد الجغرافي.وقد تكون الإجابات العلميّة أكثر ميلاً إلى الحسم، من الإجابات الأخلاقية أو القيمية، فحتى بوجود إحصاءات ودراسات واضحة، قد تحدّد القيم الثقافية أو الدينية في مجتمع ما، أولويات ومحاذير مختلفة، على سبيل المثال، يعدّ استخدام خلايا الأجنة في بعض اللقاحات مشكلة لأتباع المسيحية والإسلام، فيما وجدت دول إسلامية حلولاً لتفادي استخدام لقاحات تحتوي على دهون الخنزير.وأصدرت منظمة الصحّة العالمية في سبتمبرالماضي، ما سمته "إطار قيم" وضعه فريق الخبراء الاستشاري الستراتيجي المعني بالتحصين، ويضمّ أطباء وباحثين من دول عدة حول العالم، برئاسة الطبيب أليخاندرو كرافيوتو من المكسيك.وشمل الإطار عدّة مبادئ عامة، تسعى المنظمة لتطبيقها خلال توزيع اللقاح من بينها -الأمن الصحي والاجتماعي والاقتصادي وحقوق الانسان والحريات المدنية ونماء الأطفال.-احترام المساواة بين البشر، وتحقيق الانصاف في الاستفادة من اللقاحات على الصعيد العالمي وعلى الصعيد الوطني.-رد الجميل للأفراد والمجموعات التي أسهمت في مواجهة الوباء، مثل الأطقم الطبية والعمال الأساسيين.